بقدر ما كان تكليف الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة «سريعا وصاعقا» وحمل «نفسا انقلابيا»، جاء التأليف «بطيئا ومتريثا» ولا يوحي بأننا في صدد «حكومة انقلابية». أسباب وتفسيرات كثيرة أعطيت لهذا التأخر وكلها صحيحة أو فيها شيء من الصحة، من التكتيك السياسي الذي اتبعته قوى 8 آذار لاستيعاب صدمة إقصاء الحريري قبل الانتقال الى «الصدمة» الثانية، الى خطة عمل الرئيس ميقاتي بإعطاء مشاركة 14 آذار كل الفرص واستنفاد خيار حكومة شراكة مختلطة قبل التحول الى خيارات أخرى، الى عقد التأليف لاسيما منها عقدة التمثيل المسيحي، الى ردود الفعل الداخلية من الشارع السني وقوى 14 آذار، وأيضا ردود الفعل الدولية لاسيما الأميركية، وكلها لم تكن محسوبة بهذه الحدة وهذا الحجم. الى التطورات والأحداث العربية التي أعادت خلط الأوراق في المنطقة والأولويات لدى سورية. لكن يبقى ان هناك سببا مباشرا يتصل بوضعية الرئيس المكلف نجيب ميقاتي المعني مباشرة وأكثر من غيره بعملية تشكيل الحكومة وبتحمل مسؤولية وتبعات أي قرار سيأخذه.
مما لا شك فيه ان الرئيس ميقاتي يخوض عملية التأليف في ظروف صعبة ومعقدة للغاية كمن يسير في حقل ألغام سياسية فيعمل على تفكيك بعضها وتفادي بعضها الآخر. وفي الواقع فإن عملية التأليف تبدو معركة سياسية بامتياز يخوضها ميقاتي وسط ضغوط هائلة على 3 جبهات:
جبهة 14 آذار «الخصوم الجدد» أو ما بات يعرف بـ «المعارضة الجديدة». من هذه الجبهة جاءت النيران السياسية الغزيرة في هجوم مباغت لم يترك لميقاتي فسحة مهادنة وفرصة التقاط الأنفاس.
وتولى الرئيس سعد الحريري قيادة هذا الهجوم الذي هدف الى تطويق ميقاتي سنيا (يوم الغضب واجتماع دار الفتوى) وطرابلسيا (مهرجان المعرض) وشعبيا (مهرجان 13 آذار) وسياسيا (معركة السلاح من البيال الى ساحة الشهداء مرورا بالبريستول). وأرفقت هذه المعركة السياسية المفتوحة التي تجري تحت عنوانين الاول أعلن وهو «إسقاط السلاح» والثاني سيعلن لاحقا وهو «إسقاط الحكومة»، بحرب معنوية شنت على ميقاتي وركزت على تصوير انه في مأزق وفي وضع سياسي «مزر» وبات محاصرا بأوضاع وخيارات توصل كلها الى الفشل والسقوط.
جبهة 8 آذار «الحلفاء الجدد» أو ما بات يعرف بـ «الأكثرية الجديدة» التي وحتى الآن لم تقدم تسهيلات للرئيس ميقاتي، وبعدما أبدت تفهما لأوضاعه ورغبة في عدم حشره وإحراجه أمام طائفته خصوصا، فإنها تحولت من الآن فصاعدا الى ممارسة ضغوط عليه للتعجيل في التأليف، وحيث لم يعد هناك متسع من الوقت والمناورة، لا بل لم يعد عامل الوقت يلعب في مصلحة ميقاتي الذي يتآكل رصيده وزخمه ووهجه، في وقت تستعيد فيه قوى 14 آذار زمام المبادرة السياسية رغم ما حل بها وتنتقل من الدفاع الى الهجوم، وتبدو قوى 8 آذار مرتبكة في أدائها ومفتقرة الى تصور أو الى اتفاق واضح وكامل على الحكومة وبرنامجها وترتيبات المرحلة المقبلة رغم ما قامت به من «انقلاب سياسي» توقف عند إقصاء الحريري وإسقاط حكومته ولم يكتمل ويتطور في اتجاه تثبيت ميقاتي وتشكيل حكومته.
أخطأ فريق 8 آذار في استعجال نتائج الانقلاب ومرحلة ما بعده عندما اعتبر انه بربحه لمعركة التكليف بإقصاء الحريري والإتيان بميقاتي ربح المعركة السياسية، وعندما اعتبر الحكومة في «جيبه» وبالغ في استباق الوضع الجديد ووضع سيناريوهات وترتيبات سياسية وأمنية وادارية للمرحلة المقبلة... تماما مثلما يخطئ فريق 14 آذار الآن في تصوير نتائج هجومه المضاد في السياسة والشارع ان هو اعتقد انه خسر معركة التكليف لكنه سيربح معركة التأليف المتعذر.
جبهة «المجتمع الدولي» التي اتسمت ردة فعلها بالحذر والتحفظ ليس على شخص ميقاتي الذي عكست كل المواقف والتعليقات الدولية احتراما وتقديرا لشخصه ومكانته وعلاقاته، وانما على الظروف التي تحيـط بوصـوله الى رئاسة الحكومة وبحـكومته العـتيدة. فقد عكست المواقف الدولية حذرا من ان تكون الحكومة الجديدة واقعة تحت سيطرة حزب الله وان تكون غير قادرة على الإيفاء بالتزامات لبنان والقرارات الدولية.
وان يكون ميقاتي رغم كل استعداداته الايجابية في وضع لا يمكنه من ترجمة هذه الاستعدادات، لاسيما ما يتعلق بالمحكمة الدولية والتعاون معها.