أثبت الرئيس نبيه بري مرة أخرى انه في السياسة لا يخسر وإذا خسر يعرف كيف يعوض خسارته وكيف يغطي عليها ويحول الأنظار في اتجاه آخر، لقد أخفق كرئيس للمجلس في عقد جلسة تشريعية وتأمين النصاب القانوني لها، مع ما يعنيه ذلك من انه لم يعد ممسكا بزمام المبادرة في مجلس النواب، ومن ان الأكثرية الجديدة مصابة بعطب بنيوي ما أدى الى انفراط عقدها في أول اختبار فعلي واجهته، وبالتالي لم تعد هذه الأكثرية متماسكة ومتضامنة إلى الحد الذي يمكنها من التحول إلى فريق عمل حكومي منسجم، ومن ان تكون قادرة على تشكيل الحكومة، وإذا شكلت ان تكون هذه الحكومة قابلة للحياة وقادرة على ان تحكم من دون متاعب وأزمات، لكنه نجح الرئيس في تسجيل ثلاث نقاط سياسية:
1- تقديم مطالعة دفاعية دستورية سياسية متماسكة ومتكاملة خلصت الى تغليب وجهة نظره في دستورية الجلسة التشريعية وصوابية موقفه الداعي الى تفعيل عمل مجلس النواب في ظل فراغ حكومي طويل الأمد.
2- إظهار انه المحور الأساسي في فريق الأكثرية الجديدة و«الدينامو المحرك» في هذا الفريق الذي يفضل ان يسميه «جبهة الاتحاد الوطني» بدلا من فريق 8 آذار ليضم في عداده ميقاتي وجنبلاط، فما أظهرته وقائع ساحة النجمة أمس الاول ان بري وحده من أقطاب 8 آذار هو الحليف الفعلي والطبيعي لكل من ميقاتي وجنبلاط اللذين حرصا على المجيء الى المجلس النيابي للقائه في مكتبه والتخفيف من وطأة مقاطعتهما للجلسة التشريعية، وذلك على قاعدة الفصل بين العلاقة الشخصية السياسية مع بري التي تستمر جيدة، وبين الموقف السياسي حيال أمور وقضايا دقيقة تؤخذ بالاعتبار فيها توترات وحساسيات طائفية ومذهبية وحيث يتقاطع موقف ميقاتي وجنبلاط على مراعاة المناخ السني وعدم التسبب بإثارة توتر مذهبي إضافي.
3- التعويض عن الإخفاق النيابي التشريعي بإنجاز سياسي حكومي، فكان ان تحولت الأنظار والأضواء من جلسة تشريعية لم تعقد، الى لقاء لأقطاب الأكثرية الجديدة عقد في مكتب بري ولم يكن لقاء عفويا و«لقاء الصدفة»، وانما كان منظما ومخططا له من بري على مرحلتين: لقاء مع أركان 8 آذار ينضم اليه جنبلاط وميقاتي الذي كان حضوره هو المفاجأة، وهذا أول لقاء من نوعه لأقطاب الأكثرية الجديدة منذ نشوئها قبل أربعة أشهر كان كافيا لتظهير صورتها وانها لا تزال قائمة، في الشكل والصورة على الأقل، وسعى الرئيس بري الى استثمار هذا اللقاء في مجال إحياء عملية تأليف الحكومة وإعطائها دفعا جديدا من خلال أول لقاء مباشر بين الرئيس ميقاتي والعماد عون خرج بثلاث نتائج مباشرة:
٭ كسر الجليد على مستوى العلاقة الشخصية التي تأذت كثيرا بفعل الانتقادات والتلميحات المتكررة من جانب عون وما صدر تباعا عن «أوساط ميقاتي» ليكتشف ميقاتي ان الجلسة مع الجنرال حلوة وليس كما يبدو على التلفزيون، وليكتشف عون ان كلام ميقاتي أجمل من كلام مصادره الإعلامية.
٭ نقل عملية التأليف «السلحفاتية» من مرحلة الحقائب إلى مرحلة الأسماء، والخطوة الايجابية التي قام بها عون في هذا المجال كان وعده بإرسال لائحة بأسماء وزرائه «أرسلها بعد ساعات مع الوزير جبران باسيل الذي التقى ميقاتي في مكتبه»، وفي معلومات أولية ان لائحة الأسماء تضم عن «تكتل الإصلاح والتغيير»: جبران باسيل، فادي عبود، شكيب قرطباوي، سليم كرم، غابي ليون (موارنة)، شربل نحاس، نقولا صحناوي (كاثوليك)، فايز غصن (أرثوذكس)، آلان طابوريان، هاغوب بقرادونيان (أرمن).
أما الحقائب المعطاة لـ «تكتل الاصلاح والتغيير» فهي: الدفاع (غصن)، الطاقة (باسيل)، الاتصالات (ليون)، العدل (قرطباوي)، العمل (نحاس)، السياحة (عبود)، الصناعة (طابوريان)، الثقافة (صحناوي)، إضافة الى وزارتي دولة (كرم وبقرادونيان).
٭ نقل كرة التأليف والحكومة الى قصر بعبدا في ضوء اتفاق ميقاتي ـ عون وانجاز الأخير ما عليه، وما ذكر عن ليونة وتراجع من جانب عون فيما خص المقعد الماروني السادس المحسوب على حصة رئيس الجمهورية والذي كان عون يتدخل فيه اما بوضع فيتو على وزير من جبل لبنان الشمالي وخصوصا كسروان، أو باقتراح اسمين على سليمان ليختار منهما واحدا، ويبدو ان عون، مكتفيا بحصة له في وزير الداخلية، قرر ترك المقعد الماروني السادس للرئيس ليسمي من يريد، الآن وبعد لقاءات ساحة النجمة، يرفع فريق 8 آذار منسوب التفاؤل ويتحدث عن تقدم ملموس في تشكيل الحكومة إلا اذا وهذه الـ «إذا» مقصود بها موقف الرئيس ميشال سليمان.