نقل عن مسؤول سوري قوله لصحيفة «السفير»: ان المحادثات بين الرئيسين بشار الأسد وسعد الحريري أبرزت عناصر مشتركة وكل شيء كان ايجابيا جدا ويبنى عليه للمستقبل، وهناك فرصة جيدة وجدية لترجمة النتائج والتصور المشترك والتفاهمات التي تصب فيما يخدم لبنان وسورية، حاضرا ومستقبلا، ولم يوضح المسؤول السوري طبيعة وماهية هذه التفاهمات، كما لم يرغب في كسر طوق الكتمان الشديد الذي ضرب حول محادثات الأسد والحريري الماراثونية التي امتدت لـ 8 ساعات في 4 خلوات ثنائية ولم يتسرب منها الا القليل الذي لا «يروي غليلا» ولا يجيب عن أسئلة كثيرة مطروحة حول ما جرى بينهما والنتائج والاتفاقات أو التفاهمات السياسية التي أبرمت.
مصادر سياسة واسعة الاطلاع تلخص ما خلصت اليه اجتماعات دمشق بين الأسد والحريري في النتائج والخلاصات التالية:
1- لم يقدم الرئيس الاسد «جوائز» للحريري في الملفات التي تسمى «ملفات عالقة» بين لبنان وسورية وهي ترسيم الحدود والسلاح الفلسطيني خارج المخيمات و«المجلس الأعلى» والمفقودون اللبنانيون. ففي ملف الترسيم الموقف السوري مازال على حاله لجهة الاستعداد للمباشرة بالترسيم ابتداء من الشمال، على ان تبقى مزارع شبعا خارج الترسيم مادامت محتلة من اسرائيل، وفي ملف السلاح الفلسطيني جرى ربطه بالحوار الفلسطيني ـ اللبناني الذي يشمل «السلاح والحقوق»، أما ملف المفقودين اللبنانيين، فكان الملف الذي أبدى فيه الأسد مرونة وايجابية أكثر من أي ملف آخر واستعدادا للقيام بما يلزم لإقفال هذا الملف ببعده الانساني.
2- لم يعقد الحريري اتفاقا أو صفقة أو مساومة مع الأسد، ولم يقدم التزامات محددة تجاوزت التزامه بفتح صفحة جديدة وبإعادة بناء العلاقات اللبنانية ـ السورية على أسس سليمة ومن ضمن أطر مؤسساتية، أما موضوع المحكمة الدولية فكان خارج البحث ومن خلفية أن قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري أصبحت في عهدة القضاء الدولي، وان لسورية مصلحة أكثر من غيرها في الوصول الى الحقيقة.
3- أبرز ما تبلغه الحريري وما تلقاه من الأسد هو «الدعم لحكومته والتعهد بإنجاحه في الحكم وفي أول تجربة يخوضها»، مع ما يعنيه ذلك من استعداد سوري لتسهيل أمور الحريري والمساهمة في نزع الألغام المزروعة في طريقه وتمكينه من ممارسة الحكم في أجواء مستقرة سياسيا وأمنيا، ولكن هذا الاستعداد السوري يظل مرهونا باستعداد الحريري للتعاون والتنسيق مع سورية، والى أي مدى هو مستعد للذهاب في العلاقة معها والانسجام مع سياساتها ومتطلباتها ومصالحها.
4- اجتماعات دمشق لم تكسر فقط جليد العلاقة المتراكم طيلة 4 سنوات، وانما أسست لعلاقة مستقبلية وطيدة على المستويين الشخصي والسياسي بين الحريري والأسد. فقد لعبت «الكيمياء» ايجابا في تفاعل الرئيسين الشابين ونشوء علاقة ود وثقة، يضاف اليها «تقاطع المصالح»، فالعلاقة المستجدة تندرج في سياق المصالحة العربية وتعد جزءا من العلاقة السورية ـ السعودية التي استعادت زخمها وحرارتها، واذا كان لدمشق «مصلحة حيوية واستراتيجية»، عبر مصالحتها مع الحريري، في مصالحة الطائفة السنية في لبنان واستعادة «الورقة السنية»، وفي ايجاد ثقل سني مواز للثقل الشيعي في سياق لعبة التوازنات والتناقضات وادارتها، وفي حيازة ورقة الحكم اللبناني كاملة وحيث يتسابق أركانه (سليمان وبري والحريري) على كسب ود دمشق، فإن للحريري مصلحة سياسية ووطنية في التقارب مع دمشق والتقرب منها، وهو مدرك خصوصا في ضوء نتائج وأحداث وتطورات المرحلة الماضية ان لسورية نفوذا وتأثيرا كبيرا في لبنان، ومن دونها ليس قادرا على ان يحكم وان ينجح على رأس أول حكومة يرأسها، كما ليس ممكنا الحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي.
5- العلاقة اللبنانية ـ السورية ستشهد ابتداء من مطلع العام تفعيلا على مستوى «التنسيق الحكومي» عبر زيارات متبادلة للوزراء المعنيين بالملفات ذات الاهتمام المشترك، والعلاقة بين الحريري والأسد ستكون مباشرة من دون المرور بأقنية وجهات استخباراتية (كما كان يحصل في فترة الوصاية)، على ان يتولى المتابعة التنفيذية والتفصيلية شخصان منتدبان من قبلهما واحدهما على الأرجح نادر الحريري، فيما يظل النائب سليمان فرنجية مواكبا لهذه العلاقة وعلى صلة بمجرياتها وتطورها أكثر من أي سياسي أو حليف آخر.
6- دمشق لم تطلب من الحريري ولم تشترط عليه التخلي عن حلفائه، والحريري ليس في هذا الوارد، ولكن على الحريري اعادة تنظيم أوضاعه وعلاقاته بما يتناسب مع مقتضيات العلاقة الجديدة مع سورية وضرورات المرحلة، وعلى حلفائه ان يظهروا تفهما لظروفه وحاجاته وتكيفا مع الواقع الجديد مع امكانية الاحتفاظ بهامش حركة ومواقف متشددة من حين الى آخر، يمكن ان تفيده وتقوي موقعه التفاوضي مع دمشق.