لم يصدر بعد مرور عشرة أيام رد الفعل الاسرائيلي على الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله رغم انه الخطاب الأقوى والأخطر منذ حرب يوليو 2006 والأهم في أبعاده الاستراتيجية لجهة ما شكله من اعادة صياغة لمعادلة «توازن الرعب والتدمير». وعكس «الصمت المطبق» على المستويين السياسي والإعلامي وجود قرار مركزي بإهمال تهديدات نصرالله والتعتيم عليه.
ولعلها من المرات النادرة التي لا يتفاعل فيها الإعلام الاسرائيلي مع حدث أو تطور يتعلق مباشرة بأمن اسرائيل ويبلغ التزامه بقرار «ضبط النفس» هذا الحد المطلق ما خلا اشارات وتعليقات عابرة أوردت بعض ما قاله قادة اسرائيليون من ان حسن نصرالله لا يقول ما لا يستطيع ان يفعله، أو حاولت التقليل من شأن ما قاله نصرالله واعطاء تطمينات من نوع «ان نصرالله تحدث من منطلق الدفاع عن النفس في مواجهة أي عملية اسرائيلية، ولم يتحدث عن المبادرة الى هجوم»، و«أن مواقفه لا تشير الى وجود نية لديه لشن هجوم على اسرائيل بل تهدف الى منع نشوب المواجهة بين الجانبين»، وان تهديداته لم تكن الا ردا على التهديدات التي وجهتها اسرائيل الى لبنان، ولا يجوز النظر اليها على انها تهديد بل ترمي الى منع نشوب مواجهة مع اسرائيل.
ويقول خبراء في المنظومة الاسرائيلية المؤسساتية ان وسائل الإعلام في اسرائيل، ولا شبيه لهذا الوضع في أي بلد آخر، هي جزء عضوي من التركيبة والقرار وعلى تناسق تام في تعاملها مع أي حدث مع وجهة القرار الرسمي والتزام بهذا القرار الذي قضى بالتعتيم على خطاب نصرالله وتجاهله.
وفي تفسير هذا التوجه والأسباب الكامنة وراءه، يمكن ترجيح ثلاثة عوامل أساسية:
1- الاسرائيليون أدركوا في سياق تقييمهم لتجربة حرب يوليو 2006 عمق وحجم التأثير النفسي والمعنوي لخطابات السيد نصرالله، الذي تفوق وحده وبشخصه في الحرب النفسية وأحدثت اطلالاته أثناء الحرب وبعدها حالات ارتباك وبلبلة في الرأي العام الاسرائيلي الذي «يثق» بكلامه ويصدقه. ولذلك فإن «حجب» ما قاله نصرالله عن المجتمع الاسرائيلي يهدف بالدرجة الأولى الى احتواء ردة فعله ومنع حزب الله من تحقيق هدفه وهو انهاء الحرب النفسية الاسرائيلية وشن حرب نفسية مضادة.
2- الصمت الاسرائيلي يعني ان القيادة العسكرية والسياسية تنظر الى كلام نصرالله بكل جدية وخطورة، وانها في صدد اجراء تقييم مفصل لما قاله من كل النواحي في المضمون والشكل، بما في ذلك تفاصيل حركات اليدين وتعابير الوجه قبل ان تحدد موقفا منه وكيفية التعاطي إعلاميا وسياسيا معه.
3- كلام السيد نصرالله لم يكن مجرد خطاب تهديدي وبهدف احداث تأثيرات ومفاعيل نفسية، وانما عكس قرارا استراتيجيا بتغيير قواعد اللعبة العسكرية وتكريس معادلة توازن الرعب عبر التلويح باستخدام سلاح الردع والتدمير. خطاب نصرالله هو «خطاب مرحلة»، أي انه يؤشر الى اتجاهات مرحلة. وحزب الله الذي اتبع قبل العام 2000 استراتجية دفاع (ومقاومة)، تحول بعد انسحاب اسرائيل من لبنان الى استراتيجية هجوم ناقلا المعركة الى أرض اسرائيل التي اعتادت ان تخوض كل الحروب خارج أرضها.
والآن يحضر حزب الله للمرحلة الثانية من استراتيجية الهجوم التي تقوم على طاقة تدميرية باتت في حوزته، وعلى استخدام مركز لصواريخ موجهة بعدما كان الهجوم الصاروخي في العام 2006 هجوما عشوائيا بمفعول نفسي أكثر منه تدميريا. ولذلك فإن خطاب السيد نصرالله يفرض عى الاسرائيليين مراجعة خططهم واستراتيجياتهم العسكرية استباقا وتحسبا لواقع جديد سينشأ في أي حرب جديدة، مع ما تقتضيه هذه المراجعة من قرارات وخطوات عسكرية على الأرض لعل أهمها تركيز نقل القواعد العسكرية الجوية الى الجنوب (النقب) بدلا من الشمال (قرب الحدود مع لبنان) والتفكير باستحداث «مطار طوارئ» في حال تم قصف مطار بن غوريون وكبديل عنه. وبالتالي فإن الرد الاسرائيلي على كلام نصرالله هذه المرة هو رد عملي وأبعد ما يكون عن الرد الإعلامي. أما الاهتمام الاسرائيلي السياسي والإعلامي حالياً فإنه ينصب على ايران أكثر من حزب الله.