بيروت ـ عمر حبنجر
المفاضلة بين الرئيس سعد الحريري والسفير نواف سلام لرئاسة الحكومة اللبنانية العتيدة لم تعد واردة نسبيا، بعد إبلاغ رئيس مجلس النواب نبيه بري للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون رفض «الثنائي الشيعي» (حركة امل وحزب الله) للمرشح المفترض نواف سلام، في حين يتريث الحريري في حسم الموقف الى ما بعد جولة اوروبية استطلاعية لمعرفة ما سينتظره في حال وافق على تشكيل الحكومة، الى جانب التيقن من اخذ شروطه بعين الاعتبار وفي مقدمتها إبعاد جبران باسيل عن الحكومة العتيدة.
ويذكر ان الولايات المتحدة تتقدم الدول المزكية لنواف سلام، ممثل لبنان السابق في الامم المتحدة والعضو الحالي في المحكمة الدولية، والذي له شروطه أيضا، وأقلها ألا يكون التفاحة الصالحة في الصندوق الفاسد، حتى لا يجد نفسه يوما حيث انتهى الرئيس حسان دياب.
سعد الحريري يريد حكومة إنقاذ وطني، وفق المعايير الفرنسية، وحزب الله وحركة امل يريدان سعد الحريري لأنهما لا يتحملان نواف سلام او محمد بعاصيري، لأن حكومة برئاسة احدهما ستكون حكومة مواجهة مع حزب الله.
ويبدو ان جبران باسيل، رغم ميله الظاهر لنواف سلام، فإن المصادر المتابعة تعتقد انه حاضر للمسير بموكب سعد الحريري، ان اقتضت اللعبة ذلك، لكن ثمة من يرى ان واشنطن التي تقف خلف باريس في الهندسة الحكومية الجديدة، ترفض ربط عودة الحريري بتوزير جبران باسيل، او بتمثيل حزب الله، لا مباشرة ولا مداورة، وقد سبقت وصول موفدها ديفيد هيل الى بيروت اليوم بالتلويح بعقوبات اضافية.
ويحمل مساعد وزير الخارجية الأميركي هيل موضوعات تتخطى ترسيم الحدود، مثل قضية الصواريخ الذكية التي يملكها حزب الله، في حين تتولى الحكومة الفرنسية طرح هذا الأمر مع القيادة الإيرانية، التي تبدو اكثر مرونة منذ تفجير مرفأ بيروت.
«الأخبار»، القريبة من حزب الله، ذكرت امس ان الرئيس ماكرون تواصل مع الرئيس العماد ميشال عون ومع رئيس مجلس النواب نبيه بري ومع سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع، وأبلغهم إصرارهم على وقف الاستقالات من مجلس النواب، مؤكدا ان الأولوية لتشكيل حكومة وليس اجراء انتخابات نيابية مبكرة، مع مشاركة الجميع في هذه الحكومة (ضمنا حزب الله) وإقناع الحريري بهذه المهمة.
وتشير الصحيفة الى ان عودة الحريري تحظى بالدعم الفرنسي، وان واشنطن لن تكون بعيدة عن هذا، وفي حال تم ذلك، تضغط واشنطن على صندوق النقد الدولي لمنح لبنان قرضا بقيمة 10 مليارات دولار، فضلا عن قروض بفوائد معدومة من الدول المانحة في إطار «سيدر» وسواه.
وتقول السفيرة الأميركية في بيروت دورثي شيّا انه في حال سهلت القوى السياسية تنفيذ خطة الرئيس الفرنسي فإن بلادها ستساعد على بناء معامل الكهرباء سريعا.
من جهته، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط قال بعد لقائه الرئيس نبيه بري، يرافقه نجله تيمور والنائب وائل ابوفاعور، انه لا يرشح احدا لرئاسة الحكومة، مؤكدا على التنسيق مع الرئيس بري.
وأضاف «تقضي الأمور بحكومة سموها كما شئتم، لن اسمي حكومة، تعالج اولا الوضع الاقتصادي، إعمار بيروت، وقبل كل شيء، الاصلاح الذي عجزت عنه كل الحكومات السابقة. وسأنسق مع الرئيس بري كالعادة».
وردا على سؤال، قال جنبلاط: حسان دياب هو من احرق بيروت، وهو من اسقط نفسه بنفسه!
في الاثناء، يبدو أن لقاءات عين التينة تمخضت عن لاءين: لا انتخابات مبكرة، ولا حكومة مستقلة. فالرئيس بري واثق من ان الحكومة ستشكل قبل عودة الرئيس الفرنسي الى بيروت في الأول من سبتمبر المقبل، وهو دعا الى جلسة اليوم ليأخذ المجلس النيابي علما بإعلان الحكومة حالة الطوارئ في بيروت. وستتلى كتب الاستقالة المقدمة من 9 نواب لتصبح سارية المفعول.
وثمة من يتحدث عن امتعاض حزب الله من دفع بري حسان دياب للاستقالة الآن، بينما كان الحزب يفضل استمراره الى ما بعد 18 الجاري موعد صدور حكم المحكمة الدولية على المتهمين بتنفيذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، لكن يبدو ان هناك حرصا دوليا وإقليميا على ان يكون سعد الحريري رئيسا للحكومة في هذا الوقت بالذات، وهذا ما يفسر التباين الصامت، بين الحزب وبري، في بعض المفاصل.
ويقول نائب رئيس حزب الكتائب د.سليم الصايغ، الذي استقال نوابه الثلاثة من عضوية مجلس النواب، ان لبنان دخل تحت وصاية مباشرة من الدول الصديقة، لاسيما اميركا وفرنسا، بالتشاور مع باقي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، لأن هناك تصورا فرنسيا واضحا مدعوما دوليا كي يتم الخروج من الأزمة تمهيدا لإعادة تشكيل السلطة السياسية في لبنان، وهذا يعطي بارقة أمل حقيقية، وكل كلام آخر بين الذين افلسوا لبنان والذين نحروا بيروت وسرقوا الشعب اللبناني مجرد شد حبال، داخلية وخارجية، بمعنى ان ايران لن تتخلى بسرعة عن الورقة اللبنانية قبل تركيز مفاوضاتها مع الغرب.
وضمن هذا المناخ، تتزايد التسريبات التحذيرية عن احداث ممكن حصولها نهاية هذا الاسبوع، وبعض هذه التسريبات منسوبة الى قوات الأمم المتحدة، التي نصحت العاملين فيها بالابتعاد عن الأماكن المزدحمة، الا ان قيادة اليونيفيل نفت صحة هذه التسريبات، ومثلها فعلت السفارة الفرنسية.