بقلم: يوسف عبدالرحمن
لا صوت يعلو على صوت الانتفاضة .. ومصير الاحتلال يتقرر في فلسطين المحتلة نفسها وليس على طاولة المفاوضات، بهذه الكلمات القليلة وضع القائد خليل الوزير رحمه الله ذريعة لقتله وأعد كفنه وقبره، ليذهب شهيدا فلسطينيا جديدا ضمن قوافل المجد التي سبقته من القادة الأبطال الذين ذكرتهم في أكثر من موضع وانا أكتب في هذه الملفات الفلسطينية المنسية التي أعرضها لأبنائي من الشباب العربي المتحمس لأخذ دوره في استرجاع ما اغتصب من أمتنا من أراض في فلسطين والجولان وغيرهما وفي مقدمة هؤلاء الشباب المتحمسين الأبطال عيالنا شباب الديرة الأخيار، المتحمس منهم والصامت فكلهم نسل أبطال وأحرار. ما نقوم به في «الأنباء» هو فهم كل أبعاد القضية الفلسطينية، التاريخية والسياسية من جهة والوطنية والقومية والإسلامية من جهة اخرى، آخذين في الاعتبار أهمية إعادة كتابة الرموز الفلسطينية الشامخة التي روت بدمائها مهرا لإعادة الوطن المغتصب في فلسطين، الأرض المباركة، مع الأخذ بالاعتبار المتغيرات التي جرت على هذه القضية الساخنة والمعادلات التي حكمت المتغيرات، ولعل من الأولويات ان نضع كل الشعب العربي الكبير بكل فئاته أمام الحقائق التاريخية في هذه الملفات التي عفى عليها الزمن لأن صراعنا مع الصهيونية العنصرية التوسعية صراع بقاء، فالكيان العبري في فلسطين قتل عشرات القادة وهذه حقيقة غير ان هناك أنظمة عربية ايضا شاركت في هذا الدور القذر في الظلام كما فعل المقبور صدام حسين وزين العابدين بن علي وآخرون لهم دور خفي لم يتضح بعد والزمن كفيل بفضح هذه الخفايا والأسرار.
وتزداد أهمية نشر مثل هذه التقارير اليوم لأن ملايين من شبابنا العربي ولدوا وكبروا دون اي اشارة في المناهج تعلمهم لماذا سقط الشهيد الكويتي والشهيد الفلسطيني و...و...و؟
وهذا دور تقوم به الصحافة الحرة مثل «الأنباء» التي قدمت نماذج باهرة من هؤلاء القادة في ملفات لتنوير جماهير الشعب العربي خاصة فئة الشباب بضرورة فهم شمولية الصراع العربي ـ الصهيوني في سياقه التاريخي والسياسي وتوثيق هذه الأحداث في سجلات التاريخ لتوفير مواد صحافية توثيقية علمية لازمة لتوسيع مدارك الشباب الفلسطيني والشباب الكويتي وهم اليوم في طليعة الشباب العربي الواعي لما تمثله فلسطين في ظل هذه السيناريوهات التي تريد ان تحافظ على الكيان الإسرائيلي وتسوقه لنا كفرد ديموقراطي وهو نظام إرهابي توسعي أقيم على أسس دينية عقائدية، مزروع في قلب الوطن العربي.
الدولة الفلسطينية والانتفاضة
نحن كجيل مخضرم عايشنا القضية الفلسطينية وثورتها العملاقة وكواليسها وعشنا كل المؤامرات التي حيكت ضدها ورأينا اغتيال القادة واحدا تلو الآخر في مسلسل لا ينتهي من الاستهداف.
لست أدافع عنها اليوم بحكم انني كويتي ومعتز بدور دولتي وحكومتي وشعبي فقط وإنما لكونها مرتكز الصراع الدائر في كل القضايا ولن يهدأ العالم كله إلا بإرجاع الحق الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية، وليس سرا ان الانتفاضة هي وان كانت علامة ثورية باسلة إلا انها شرارة مازالت مستعرة وإن كانت غير مرئية وخابية ومع أول «جدحة نارية» ستهب من جديد في غزة والقطاع في الضفة الغربية.
مع ثورات الشباب العربي الحر اليوم تزداد الآمال في قرب قيام هذه الدولة التي كانت وقودها سلسلة كبيرة من قوافل الشهداء ومقتل القادة في المواجهة التي لاتزال مستمرة بين العرب والكيان الإسرائيلي، ما يعني ان «حماسة هؤلاء الشباب» يجب ان تنظر لها إسرائيل بعين العقل الغائبة عنها منذ إنشائها.
ورقة مهندس الانتفاضة
الملم بالملف الفلسطيني يعي تماما ان استشهاد خليل الوزير في تونس ليلة السادس عشر من ابريل 1988 في منزله في تونس هو محصلة لقيادته جماهير الانتفاضة بكل إنجازاتها على اتساع الأرض المحتلة منذ خمسين عاما وجاءت لتطرح أسئلة الناس المنتظرة الى أين بعد الانتفاضة؟
وكيف ستتعامل إسرائيل مع هذه المواجهة الجديدة في التكتيك؟
أذكر ان لجنة الطوارئ التي كانت تمثل غرفة العمليات اليومية المشتركة بين القادة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية والقيادة الموحدة الميدانية في الداخل استطاعت بجدارة ان توظف عقول وخبرات الثورة في خدمة هذه الانتفاضة المباركة ويومها رأس ياسر عرفات هذه الحوارات الدائرة وتم التوصل بعد مناقشات الى تكليف القائد خليل الوزير ـ أبوجهاد ـ ومعاونيه في جهاز شؤون الوطن المحتل والمختص بمتابعة شؤون الانتفاضة وتفعيلها بعد ان قدم مهندسها خليل الوزير تصورا شاملا لها وعرفت الورقة المقدمة باسم أبوجهاد ـ باسم ورقة ابوجهاد ـ وقد وضع فيها رؤياه لهذه الانتفاضة ومستقبلها وتحولت ورقته البسيطة الى دليل عمل لهذه «الانتفاضة المباركة» خاصة في جانبها التطبيقي.
وأتصور انها كانت سرية ومتكتم عليها ما جعل اسرائيل وجواسيسها ينشطون لمعرفة وفك طلاسمها خاصة ان اسرائيل قد عمدت الى معرفة كل الشؤون الفلسطينية خاصة بعد ان تم اعداد فريق لمثل هذه الوثائق السرية في أعقاب خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت عام 1982.
هذه الخطة المكتوبة من خليل الوزير والخاصة بالانتفاضة وبرنامج عملها وأساليبها ووسائلها وأسلحتها، عجلت بسرعة تحرك جهاز الموساد الاسرائيلي الذي يتابعها بقلق بالغ وشديد خاصة ان الورقة كما ذكر المقربون لـ«أبوجهاد» انها تضمنت برامج لتوعية الجماهير وحسم الاختيار الوطني بين بدائل الحركة واتجاهاتها خاصة في ضوء ما تركته الانتفاضة المباركة من هلع وخوف في الجسد الاسرائيلي سياسيا واقتصاديا ونفسيا والضغوط المتزايدة من المجتمع الدولي على اسرائيل لوقف حرب الإبادة للشعب الفلسطيني، ويومها كان للاتحاد السوفييتي دور كبير متوازن تجاه الطغيان الأميركي المنحاز لإسرائيل على الدوام ما جعل الروس يضغطون على اسرائيل لقبول الحل السلمي ما يعطي الانتفاضة أبعادا جديدة في حركة المد والجزر في صناعة الأحداث خاصة ان جماهير الشعب العربي تدفع بالمبادرات نحو التسوية بحيوية وعفوية وأحيانا رفض، غير ان الشعب الفلسطيني في الداخل ظل يدعم الانتفاضة رغم سطوة الاحتلال وبطشه.
اختيار الحجر
لم يقرر القائد خليل الوزير الاستمرار في المقاومة بالحجر إلا بعد ان رأى ان أصغر طفل في غزة يرمي الحجر ليقلده طفل رام الله أو العكس، فالحجر نطق، انه طريق الحرية، وان النضال به دون توقف بصياغات مختلفة هو الخيار الأمثل بعد ان وعي الناس في الأرض المحتلة أهمية وجود حركة وطنية تقاوم على مستوى الداخل غير ان هناك حقيقة يجب ألا تغيب عن الشعب الفلسطيني وهي انهم في هذه الفترة طرحوا نظرية جديدة في الاقتصاد وهي ما أسماه الكاتب والصحافي لطفي الخولي في كتابه الانتفاضة والدولة الفلسطينية «بيتي المنتج». وهذا شيء طبيعي، فكلما زاد العدو في قمعه ومنع وصول أي مساعدة ازداد تفكير الناس في صنع البدائل خاصة ان الشعب الفلسطيني خلاق وجبل على الإبداع وما «الانتفاضة العارمة» الا نموذج لهذا الإبداع الفلسطيني الذي تحول الى «رمز عالمي للشعوب» ضد المحتلين وكم صورة شاهدناها في التلفاز لشعوب الأرض التي أصبحت تمسك بالحجر لترميه لتقول للعالم أجمع: على طريق فلسطين والفلسطينيين سائرون نحو الحرية.
من هو خليل الوزير؟
هو القائد البطل خليل ابراهيم محمود الوزير من مواليد عام 1935 في بلدة الرملة بفلسطين وقد غادر بلدته مع أفراد عائلته عقب حرب 1948.
درس في جامعة الاسكندرية ثم انتقل الى المملكة العربية السعودية وبعدها توجه الى الكويت وظل فيها حتى عام 1963 وفي الكويت عرف ياسر عرفات وآخرين ذكرتهم في أكثر من ملف سابق في تأسيس حركة فتح.
في عام 1963 غادر الكويت الى الجزائر ليتسلم أول مكتب لحركة فتح وتولى مسؤولية هذا المكتب وتأسيسه وكان له دور في أخذ إذن لعقد دورات عسكرية واقامة معسكرات تدريب للفلسطينيين المتواجدين في الجزائر.
ثم رحل الى دمشق في عام 1965 حيث أقام مقر القيادة العسكرية وكلف بملف طلائع الخلايا الفدائية داخل فلسطين، وشارك في حرب 1967 وقام بعمل عمليات ضد الجيش الاسرائيلي في منطقة الجليل الأعلى ثم تولى مسؤولية القطاع الغربي في الفترة من 1967 الى 1982 حيث عكف على تطوير القدرات القتالية لقوات الثورة وجيش التحرير وكان له دور كبير ومؤثر في معركة الصمود في بيروت عام 1982 والتي استمرت 88 يوما خلال الاجتياح الاسرائيلي، وهو عضو في المجلس الوطني الفلسطيني وعضو المجلس العسكري الأعلى للثورة وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية ونائب القائد العام لقوات الثورة وهو المهندس الحقيقي للانتفاضة الباسلة.
اغتيال خليل الوزير
في 16 أبريل 1988 قام خمسة مسلحون بإطلاق الرصاص المتواصل على القائد الشهيد البطل خليل الوزير في بيته بتونس نسبت الى الموساد الاسرائيلي في عملية قام بها 20 عنصرا مدربا من الموساد من 4 سفن وغواصتين وزوارق مطاطية وطائرتين عموديتين على شاطئ «الرواد» قرب ميناء قرطاجة في تونس وهذا الحجم يليق فعلا بالبطل «أبوجهاد» لأن ما ذكرت يكفي لغزو دولة كاملة لا قائد فلسطيني في بيته!
ان الانتفاضة ونتائجها واتضاح قائدها جعل اسرائيل تستشعر حجم الخطر من بقاء القائد الفتحاوي الكبير خليل الوزير – على قيد الحياة ولإزالة هذا الكابوس قامت عصابات الغدر الصهيونية بهذه العملية التي كلفتهم ملايين الدولارات وكم من العملاء ومن كل الأخياس.
سبعون رصاصة غاشمة اخترقت جسد أبوجهاد ليسقط ويلقى ربه وحسنا فعل الاخوة الفلسطينيون الذين نقلوا جثمانه ليدفن في دمشق قرب بلده وليشارك حوالي نصف مليون سوري وفلسطيني وعربي في جنازته بعد ان اعتبره الكثير أمير الشهداء الفلسطينيين.
أبعاد العملية
اتضح بعد عملية اغتيال القائد خليل الوزير التي لم تستغرق سوى 5 دقائق واستخدمت فيها أسلحة ومسدسات من طراز عوزي مزودة بكاتم للصوت ان باراك خطط لهذه العملية وساعده كالعادة «عملاء تونسيون» طبعا غير «الأبطال اليوم» بعد ذهاب رئيسهم اليهودي زين العابدين بن علي الى مزبلة التاريخ بعد ان شارك في اغتيال أكثر من قائد فلسطيني على أرضه وبرضاه ومشاركته وقبض الثمن ملايين الدولارات التي سيأخذها «مفجرو الثورات العربية من التوانسة الأحرار» بإذن الله.
وكلنا يذكر في الإعلام كيف خرجت «معاريف» الاسرائيلية وبينت عدد السفن والغواصات والطائرات والمجموعات التي شاركت في اغتيال أبوجهاد – رحمه الله – وختمت ان هذا تم بمساعدة من عملاء تونسيين يعملون لمصلحة الموساد الاسرائيلي والذي استطاع ايهود باراك تجنيدهم لهذه المهمة في تونس.
استطاعت اسرائيل ان تقوم بهذه العملية بكل أسلحتها البحرية والبرية وطائراتها وأساطيلها وتجوب المياه الإقليمية لتونس وغيرها من البلدان وتنزل كوماندوز وأسلحة ولم نسمع ان دولة في العالم كله قالت هذا إرهاب؟
انتصار الوزير تتكلم
في الذكرى الـ 20 لمقتل زوجها قالت انتصار الوزير – أم جهاد – ان زوجها تعرض في حياته لكثير من عمليات الاغتيال وعددتها كما يلي:
٭ عبوة ناسفة في عاليه في لبنان عام 1982.
٭ محاولة اغتيال جرت له في ميناء طرابلس عام 1983 وبرفقة ياسر عرفات تمهيدا للرحيل الى تونس.
٭ محاولة اختطاف طائرته في الأجواء اليونانية قادما من الكويت قبيل استشهاده بشهرين عن طريق طائرتين اسرائيليتين غير ان سلاح الجو اليوناني أرغمهما على التراجع.
٭ محاولة استهدافه في شاطئ المرسى في تونس وانتقاله الى سيدي بوسعيد البعيد نسبيا عن الساحل.
وقالت ان ايهود باراك وقائد الجيش الاسرائيلي السابق موشيه يعلون كانا على رأس القتلة في عملية الاغتيال وانها كانت نائمة فيما كان زوجها في غرفة عمله واستيقظت على أصوات وضجيج عند اقتحام منزلهما وتذكر بعيون دامعة كيف سارع «أبوجهاد» الى الخزانة واستل مسدسه وأطلق النار على المقتحمين فارتدوا الى الخلف فحاولت احتضانه فأبعدني عنه وحاول حمايتي وما لبث ان أصيب بوابل من الرصاص من مسدسات وبنادق كاتمة للصوت من قبل 4 ملثمين. وأوضحت ان القتلة الذين أجبروها على الوقوف والانتحاء جانبا ووجهها للحائط 5 مسلحين تناوبوا على التثبت من موته بإطلاق الرصاص عليه حتى بعد موته.
«فتح» الرواد
أكيد ان خليل الوزير وصلاح خلف وكمال عدوان وكمال ناصر وابو يوسف النجار ورفيق قبلاوي وفهد القواسمة وسعد صايل وعلي ياسين وآخرين – رحمهم الله – هم فرسان فلسطين الحقيقيون في تاريخها الحديث وفي ذكرى هؤلاء الرواد العظام الذين صنعوا وأرخوا لتاريخ فتح وتحولهم حاليا الى رموز للثورة الفلسطينية العملاقة جعلت هؤلاء القادة جبالا أمام أقزام من أمثال دحلان ورجوب وغيرهما ممن ركبوا على موجة «فتح» ليحصدوا لأنفسهم في الآخر عارا ليس له حدود في مقياس المقارنات.
جيل الرواد من فتح رجال تحملوا أعباء مرحلة التأسيس بكل قلة امكانياتها ولم يركبوا السيارات الفارهة!
كانوا رجالا يوم ان صنعوا من المعاناة ثورة ولم يكن في نهجهم ان يكونوا قادة بل شعبهم نصّبهم قادة بعد ان شاهد أفعالهم وتضحياتهم.
كانوا يعتبرون منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني وليس لها الحرية فيما تريد بل العكس تماما ان يفعل الشعب الفلسطيني من خلالها ما يريد.
تركوا نفس الحزبية والفصائلية وجعلوا من حركة التحرير جامعة لهم وتكيفوا مع وقائعهم دون تفريط في المسلمات واعتبروا ان النصر لا يكون إلا بالمقاومة
قراءة في فكره
استطاع خليل الوزير الذي شارك في تأسيس «حركة فتح» في الكويت مع زملائه ان يكون دائما المحور والمرتكز الذي يصنع الاحداث ليس لكونه احد ابرز قادة الثورة الفلسطينية او عضو اللجنة المركزية لحركة فتح انما لكونه عقلية «هندسية عسكرية» تتناول الاحداث بالتحليل والتقسيم ووضع الخطط البديلة.
كان تاريخه عبارة عن محطات عظيمة في تاريخ القضية الفلسطينية فهو واحد من ابرز القادة الذين فكروا في الثورة فكان تأسيس حركة فتح
في الكويت ومن يتابع العمليات العسكرية ضد العدو الاسرائيلي يجد بصمة لهذا القائد المهندس الذي عهدناه دائما يتناول المعركة مع اسرائيل بكل ابعادها وكان دائما يبهرنا بلغة الارقام.
ان الشهادات الاسرائيلية التي نشرت في جريدة «يديعوت احرونوت» الصهيونية عن وضع المقاومة وتطورها ودور القائد خليل الوزير فيها جعلت الموساد وهو اعلى سلطة امنية في اسرائيل يفكر ويخطط لقتل هذا القائد البطل الشهيد ويكفي مقولته الشهيرة دائما «سنجبر اسرائيل على البقاء في حالة استنفار».
رحمك الله ابا جهاد فلقد ربطت جماهير الوطن العربي بفلسطين ضمن ادوارك الاستراتيجية في رسم معالم طريق العودة وتوظيف الخبرات الكفاحية لتحقيق الاهداف الوطنية وتتويجها بأهداف سياسية ورسمت بجدارة معالم الدولة الفلسطينية.
عمليات «أبوجهاد»
لعلي هنا أحاول ان اسطر بعض العمليات النوعية لهذا البطل الفلسطيني الذي استطاع عبر تاريخه النضالي ان يوجه الكثير من العمليات التي نالت الكيان الاسرائيلي في مقتل بعد ان خطط لها بنفسه في الصراع الطويل مع الكيان الاسرائيلي الذي استهدفه بعد ان تيقنت انه مهندس هذه العمليات النوعية وتتلخص فيما يلي:
٭ عملية فندق سافوي في «تل ابيب» عام 1975.
٭ عملية الشهيد كمال عدوان المعروفة باسم دلال المغربي عام 1987 بعد ان سيطرت مجموعة فدائية على حافلة اسرائيلية.
٭ هناك كثير من العمليات تراجع عن تنفيذها ـ خليل الوزير ـ بعد ان تيقن انها مرصودة من الاستخبارات الاسرائيلية وحماية للفدائيين المتطوعين للقيام بالعملية، يتراجع لانه يؤمن بسياسة الحسابات غير الخاطئة. والكل يذكر له كيف خطط لعملية نسف خط انابيب المياه «نفق عيليون» والتي اعتمدت تاريخيا لانطلاقة الكفاح المسلح للثورة الفلسطينية المجيدة، لقد قام خليل الوزير وشارك في الكثير من المعارك المعلنة والخفية ودوره اليوم ليس بخاف فهو احد القادة الذين كان لهم دور في معركة الكرامة في ايلول الاسود ومعارك 1967 ولبنان 1982 وتصدر على الدوام معظم معارك الصمود، يكفي ان نعلم انه القائل: لماذا نفاوض ونحن نقاتل؟ كانت نظريته: «ان كل مكسب ينتزع من الاحتلال هو مسمار جديد في نعشه»، وقد صدق.
وتبقى الحقيقة
باستطاعة اسرائيل وقوتها الغاشمة واسلحتها المتطورة ان تغتصب فلسطين مدعومة من قوى الاستبداد العالمية التي اقرت «بروتوكولات صهيون» واعطت لليهود وطنا ضمن ارضنا العربية مستندة دائما للحق الثابت «الفيتو الاممي» لردعنا ولكن لا اسرائيل ولا هم من خلفها قادرون على ان يغتالوا شعبا اراد الحياة وصمم على نيل حريته واستعادة ارضه، تستطيع اسرائيل ان تزيف الحقائق والوقائع والوثائق ولكن يستحيل ان تزيف التاريخ والجغرافيا وتطمس التراث. فلسطين روت ارضها بدماء شعبها ورغم مرور اكثر من 50 عاما على النكبة والقهر والاحتلال والاغتصاب والجبروت فالشعب الفلسطيني قادر على المواجهة غير المتكافئة تمهيدا لاسترداد الارض وما قدمه رجال فلسطين من تضحيات منذ عام 1948 من قوافل الشهداء يعطينا اليقين والامل في ان العودة حتمية وقريبة بإذن الله.
أما آن الأوان يا أستاذنا «أبو الأديب» أن تتكلم؟
الأخ الأستاذ سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والذي عاش بيننا ودرس مادة التحقيق الجنائي في كلية الشرطة بالكويت حتى عام 1975 ليتفرغ للعمل السياسي وهو خريج جامعة القاهرة عام 1955 ليتخرج محاميا. بودي وأنا أكتب هذا الملف السياسي التاريخي ان أشكره ككويتي وكأستاذ لي تعلمت منه أشياء كثيرة في فترة عملنا النقابي بجمعية المعلمين الكويتية وأعي وأتابع كل تصريحاته الخاصة بالاعتذار للكويت حكومة وشعبا عن موقف السلطة الفلسطينية حيال الاحتلال العراقي الغاشم للكويت في 2 أغسطس 1990.
أستاذي أبا الأديب: أعرف انك خسرت كثيرا نتيجة تصريحك وتحذيرك المستمر من مواقف ومضاعفات الانحياز لبغداد والبعث العراقي بقيادة المقبور صدام حسين وزمرته، وكم عانيت من هذا الموقف المشين للختيار الذي للاسف لم يستمع لقادة فتح المخلصين امثال ابو اياد وانت شخصيا. نعم أتذكرك يوم زرتنا في الهيئة الخيرية في زيارة العم يوسف جاسم الحجي، وكيف كنت مستعدا لتقديم هذا الاعتذار الرسمي في مجلس الأمة الكويتي عن الموقف المخزي ضد الكويت، وكيف كان يجب ان يأتي الاعتذار من المؤسسات الدستورية الفلسطينية الرسمية.
أبا الأديب: بلدي الكويت وعلى الدوام ومازالت دائما كعادتها مع الشعب الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني ومواقف الكويت معروفة منذ انطلاق الثورة الفلسطينية من أرضنا المباركة التي كانت على الدوام مساندة للدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.
أبا الأديب: نعلم علم اليقين يوم قلت للعراقيين المحتلين والزمرة الفلسطينية التي آزرتهم «الكويت بئر ماء شربنا منها ولا يجوز أن نلقي فيها حجرا».
وأعلم كذلك محاولاتك المستميتة ناصعة البياض يوم حاولت جاهدا ألا تضيع الجالية الفلسطينية التي قوامها 400 ألف فلسطيني يعيشون على أرض الكويت بعدم الانحياز لطرف العراق الغازي وحاولت قدر ما أمكنك ألا يخرج الفلسطينيون في مظاهرات مؤيدة للاحتلال مع المرحوم رفيق قبلاوي، او يشارك أي فلسطيني في الجيش الشعبي العراقي.
أما آن الأوان أن تتكلم اليوم بعد هذا الصمت عن حواراتك مع الخسيس علي حسن المجيد وأخيه سبعاوي وكل المسؤولين عن المخابرات العراقية وطلبك الكف عن طلب اقحام الفلسطينيين في قضية احتلال الكويت.
لقد أساءت المظاهرات والغوغائية وشوهت مواقف نبيلة لكثير من القادة الفلسطينيين وأكيد ياسر عرفات ليس منهم لأنه كان منحازا للاحتلال العراقي في تصريحات مثبتة وموثقة غير انك من القادة الذين لم يتلوثوا بملف هذا الاحتلال العراقي الغاشم في جريمة العصر، وعليك أستاذنا ان تتكلم وبكل صراحة عن أوضاع كثيرة وضعت وحوصرت بها والناس تعلم يقينا حسن مقاصدك.
إنني أدعوك أن تكتب مذكراتك وبصراحتك المعهودة كي تتعرف الأجيال الفلسطينية على الدور الكويتي العظيم الأصيل المساند للثورة الفلسطينية عبر تاريخها الحديث، وأنت أقدر القادة على التصريح بالاعتذار الفلسطيني حتى إن كان متأخرا خاصة في ظل ما صرح به رئيس السلطة الفلسطينية الرئيس محمود عباس من الاعتذار للكويت، مع ان يقيني ان الكويت ـ بلدي الأشم ـ لها موقف مبدئي لا يتأثر بأي مواقف آنية أو مصالح لاحقة خاصة ان ما نفخر به ككويتيين هو اننا نقدم ونلتزم بحصتنا المقررة لتقديم المساعدات للشعب الفلسطيني.
أمير الشهداء خليل الوزير
كتب الاخ الاستاذ الكبير سليم الزعنون ـ أبوالأديب ـ رئيس المجلس الوطني الفلسطيني وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح قصيدة اسمها امير الشهداء وهي مرثية في رثاء ووداع الشهيد الكبير البطل أبوجهاد رحمه الله.
ودعت في درب الجهاد خليلا
وحبست دمع الذكريات الأولى
يا من ملكت من القلوب أعزها
وأنرت بالفكر السديد عقولا
يا حمزة الشهداء يا رمز الفدا
انا فقدنا الصارم المصقولا
قد كنت أصغرنا وكنت امامنا
نزهو ونفخر اذ تقود الجيلا
وسبقتنا في موكب لا ينتهي
شهداؤه ما بدلوا تبديلا
ملأوا السماء بطيفهم وبنورهم
ولطالما اشتاقوا اليك طويلا
يلقاك عند الله من سبقوا وهم
قد أكثروا التكبير والتهليلا
قد كنت في أفق الحياة حياتهم
واليوم في الجنات صرت وكيلا
لمن العواصم نكست اعلامها
عم الوجوم شآمها والنيلا
المسجد الأقصى يضج بأهله
والاي فيه رتلت ترتيلا
وترى الكنيسة في مهيب ثيابها
رهبانها قد رنموا الانجيلا
تهتز «رملتك» الحبيبة بالأسى
يوم اعتزمت عن الحياة رحيلا
وهي التي هاجرت منها عنوة
وشهدت فصلا للعذاب ثقيلا
وبغزة المختار فيض مشاعر
ذكرتك عهدا في الشباب أصيلا
ما للسماء دنت اليه نجومها
وتعاقدت وتنضدت اكليلا
هذي الحياة بكت عليه بحرقة
وهو الذي وهب الحياة جميلا
لمن الصخور تشققت وتدافعت
فوق الرؤوس حجارة سجيلا
وندور في كل الدوائر حيرة
لما فقدنا في المسار خليلا
كنت الجواب وكنت فارس دربنا
بل كنت سيفا للفدى مسلولا
أفق على اليرموك غيب شمسنا
وطوى حبيبا للجهاد رسولا
يا ايها الشهداء هاتوا كأسكم
لا عاش من رضي الحياة ذليلا
ودعت في اليرموك رمزا قائدا
علما يرفرف بكرة وأصيلا
دوما ستبقى ملهما ومعلما
ان الرواية لم تتم فصولا
ايمان حر وانتصار ارادة
ونضال شعب يستقيم طويلا
وحنان نفس بل عقيدة مؤمن
لم يرض يوما أن يموت قتيلا
بين الفواجع باسم لا يرتضى
رغم الوداعة عن حمالك بديلا
قصة الزوجة انتصار الوزير
|
الاخت ام جهاد .. نظره استشرافية للمستقبل |
معلوم ان الأخت انتصار الوزير «أم جهاد» ابنة عم الشهيد خليل الوزير وتمثل تجربة مكتب حركة فتح في الجزائر انموذجا لكيفية العيش بكفاف أساسا ثابتا ومتينا للنهوض الوطني الفلسطيني القادر على الجهد الخلاق على الكفاف من اجل المرور الصعب الى فلسطين.
اما كيف تزوجت انتصار من ابن عمها، فلهذا الموقف قصة طويلة أوجزها ان الأخت انتصار الوزير انتمت الى حركة فتح قبل ان تقترن بابن عمها خليل الوزير، ولم يكن هو الذي دعاها للانتظام بالحركة رغم انه ابن عمها والأخ الأكبر لشقيقته الذي اقترن بأختها، كان احد مدرسيها في غزة وهو الذي فاتحها في الانتماء لحركة فتح ثم أعطاها نسخة من مجلة فلسطيننا وقد لاحظ حماستها واندفاعها الوطني رغم حداثة سنها وفي احد الأيام رتب لها هذا المدرس لقاء مع احد قادة فتح القادمين من خارج قطاع غزة، وكانت المفاجأة ان هذا القائد ما هو الا ابن عمها خليل الوزير نفسه وانتابتها في هذه اللحظة مشاعر فياضة وهي مزيج من الفرحة والعتب الرفيق، كيف وهو ابن عمها الذي أخفى عنها حتى تلك اللحظة علاقته بحركة فتح وكان خليل الوزير مشهورا بين زملائه بعزوبيته وكان يسمى «أمير العزاب» وسرعان ما دخل القفص الذهبي شريكا لانتصار الوزير التي لعبت دورا أساسيا في حياته وقد رافقته الى الكويت ثم الجزائر ووضعت مولودها الأول «جهاد» في غزة وسرعان ما لحقت به الى الجزائر مرة ثانية لتشهد مصرعه واستشهاده في تونس.
حقائق وأسرار
٭ كان أبوجهاد أخا محبا لجميع اخوانه القادة وعلاقته متوازنة مع الجميع، لا وصاية على أحد وانما اخوة ممتدة لكل الأطراف حتى من هم خارج حركة فتح.
٭ أبوجهاد كان رجل حرب كأغلب القادة العسكريين الكبار في تاريخ الثورات.
٭ أمام العنف والإرهاب الإسرائيلي حاول جاهدا ان يقدّم نموذجا يظهر فيه تفوق الثائر الفلسطيني غير المسلح أمام العنف الصهيوني المسلح بأحدث الأسلحة فكانت الانتفاضة تظاهرة عربية حضارية في وجه النيران الاسرائيلية الغاشمة.
٭ حاول ان يُظهر إسرائيل بأنها ظاهرة وليست تاريخا.
٭ الحفاظ على البندقية الفلسطينية في اتجاه العدو وتحريم وتجريم الاقتتال الداخلي والاحتكام للسلاح محل التعارضات.
٭ التركيز على البعد النفسي للعمليات العسكرية الفدائية.
٭ اعتمد دائما على مبدأ توازن القوى بصنع الإرادات وتقديم او تأخير المصالح وتحويل الاستنزاف الى تكتيك في المجال الاستراتيجي.
٭ مقتل خليل الوزير، مسلسل ألغاز خاصة بفتاة الموساد الحسناء القاتلة التي قيل انها فتاة بلجيكية وقيل انها لم تكن سوى الجنرال الاسرائيلي «ايهود باراك» مساعد رئيس هيئة الأركان الاسرائيلي الذي تخفى بزي امرأة وأخفى ملامح وجهه بالمكياج!
٭ قتلت المرأة اليهودية ورفيقتها بجوار السيارة المستأجرة لطي ملف الجريمة بمن شارك.
٭ اغتيال «مصطفى» مرافق خليل الوزير في بداية الاقتتال حجب شهادته ودفن سره معه في مقابر الشهداء في مخيم الرشيدية في جنوب لبنان.
٭ حبيب البستاني التونسي الضحية الثانية بعد اغتيال مصطفى ووجد في حديقة المنزل أضاع فرصة التعرف على مرحلة الاغتيال والمشاركين.
٭ الشهيد الثالث «أبوسليمان» الذي اغتيل في قبو المنزل على يد مجموعة الكوماندوس، أظن لم يفتح عينه ليرى القتلة الذين صرعوه بزخة من الرصاص الكاتم.
٭ نجا بفضل الله ابنه نضال من قتل محتوم من قتلة لا يرحمون صغيرا ولا كبيرا وأبقى الله الأبناء الخمسة لوالدتهم انتصار الوزير.
٭ نجت «راضية» التي تعمل مربية للصغير نضال من موت محتم.
أبوجهاد.. وغيفارا
عندما سئل عن قصة صورته مع غيفارا قال ان الجزائر قد استضافت في عام 1964 في عاصمتها مؤتمرا عن نزع السلاح النووي في أحد فنادق العاصمة وشارك في هذا المؤتمر عدد كبير من الوفود والشخصيات ومنهم جيفارا وما تركه من سحر في شخصيته على الوفود المشاركة وكيف توطدت علاقته بغيفارا الذي قضى فترة وجوده في الجزائر بصحبة أبوجهاد وما تلا ذلك من تقارب كخدمة القضية الفلسطينية عند الشعوب التي تؤمن بالنظرية الشيوعية مثل كوبا.