هدى العبود
أكثر من مليار مسلم في هذا الشهر الكريم يتعبدون الله، ساعات طوال دون ماء أو طعام زادهم الإيمان بالله والصلاة داعين الله عز وجل أن يتقبل منهم صيامهم ويكفر عنهم أخطاءهم. لأن الإنسان بطبعه خطاء، والله عز وجل غفور رحيم. وإذا فكرنا بشكل علمي فسنجد أن الإنسان علميا وطبيا في حاجة الى ان يتخلص من سموم أعضائه وتنقيتها، وإعادة تغذية الروح وشحنها بغذاء من نوع آخر. وإذا ما فكرنا قليلا فسنجد أيضا أن الغذاء الروحي تحتاجه الكائنات التي خلقها الله، فكيف بالإنسان الذي يدعو إلى فهم الجوهر الذي قام عليه منذ ذلك التاريخ الموغل في القدم. وقبل الوصول إلى الرسالات السماوية التي نسجت حوله جماليات السلوك الإنساني معتمدة على التحليل الديني والتاريخي، ترى ما الصوم وما معناه القائم على كسر الاعتياد، واختبار قدرة الإنسان في عبادة الله؟، وكيف يمكن لهذا الإنسان أن يتحكم في أفعاله وأقواله وحركاته؟ أي: التجديد الروحي الدائم للطاقة، وإثبات أن تأملاته البصرية والنظرية تمتلك قيم الوصول إلى الحياة العلمية والعملية ضمن مجرياتها. وبما أن الهدف الرئيسي منه تزكية المخفي من الإنسان داخل مظهره كي ينعكس على الآخر، فتظهر الصورة الإنسانية في أحلى صورها. وللعلم إن الأنثى وبعدما أنجزت التوطين الأول أسست لمفهوم الصوم، وأطلقته حيث كان اختصاصها الأول في عمق التاريخ، إذ الأنثى تعتبر الصوم شكرا للإله الذي أظهر بها الصفات الأنثوية. وتعالوا معنا لنتحدث عن الصوم وأين ظهر في بداياته لنجد انه ظهر في الهند مع (البراهما) الذين يصومون أربعة وعشرين يوما في السنة، وهو موجود عند الفراعنة القدماء، وعند الإغريق وعبدة النار وفي سومر وأكاد، حيث أخذ عنهم اليهود نظام الصوم المذكور في العهد البابلي من باب التقرب للإله، حينما يشعرون بسخطه عليهم. أو إذا حلت بهم الخطوب الكبيرة أو الوباء الفاتك، ولذلك نراهم يصومون «أيام أسرهم نبوخذ نصر»، ويوم نجاتهم من ملك الفرس في واقعة استير، وصوم التطوع ويوم عاشوراء ويعني الشكر لله (وهو اليوم الذي نجّى الله فيه موسى وقومه من الغرق)، والمسيحية تصوم أربعين يوما اتباعا لمسيرة السيد المسيح، الذي صام أربعين يوما قبل تجليه، كما يصومون صوم التوبة (الكفارة) وصوم التعميد، وصوم أعياد الفصح، أما العرب في قريش فكانوا يصومون يوم عاشوراء قبل الإسلام، وبعده أضاف الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم يوما أي التاسع والعاشر من عاشوراء. وكان يصوم بشكل دائم الاثنين والخميس، آمن المسلمون بمنهج الصيام الذي عزز في الكتاب الكريم إذ قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون)، أي أن الصوم كان سائدا منذ امتلك الإنسان الموغل في القدم فهم أسباب وجوده في الحياة. وشكره لموجده الروحي. واذا عدنا لطقوس الصيام عند اليهود والهنود والمسلمين وعبدة الشياطين والمسيحيين فسنجد أن الصوم يعني إغلاق الفم عن الطعام والكلام وكل من يمارس الإمساك عنهما فهو صائم. وعكس ذلك يعني كسر الصيام. ارتبط الصوم بحركات الشمس والقمر والكواكب والنجوم والأشهر والفصول وبعض أيام الأسبوع. فمنهم من كان يصوم اليوم كله أي نهارا وليلا، ومنهم نهاره فقط، والبعض جزءا منه، وأيضا منهم من كان يصوم عن الطعام والشراب بشكل كامل، أو عن الأطعمة الحيوانية، ومنهم عن الأسماك والخمور، ومنهم أيضا عن الماء فقط، وهناك من كان يصوم على الهواء الرطب فقط بكونه مصدر الحياة. وهذا من أصعب أنواع الصيام ففيه الأوكسجين والماء وذرات الغذاء. وإن أقدم صوم في دورتنا الحياتية، هو لنبي الله نوح عليه السلام، حيث كان يصوم العام كله عدا أيام الأعياد. كما أن أبا الطب أبقراط والفيلسوف سقراط والعالم أفلاطون (رجالات من الإغريق اليونان) قد حضوا على الصوم كمنهج علمي روحي للشفاء. ومن أجل تجديد المكونات الحية في الجسد الإنساني المادي. وتحفيز الرؤى الفكرية التي تدعو إلى التبصر والإبصار في عالمي الليل والنهار. إنه الصوم وأهم غايته نصرة الإنسان لأخيه الإنسان.
هذا ما تطرق إليه د.نبيل طعمة ونحن إذ نشاطره الرأي والفكر ونؤيد توثيقه لما أسلفنا من ذكر بعض ما جاء به عن الصيام. أقول بدوري للمعنيين في الوطن العربي ترى هل وقفتم على ما يحتاجه الإنسان الصائم أو بالأحرى هل وقفتم على وضع المسلمين؟ خصوصا ان هناك من يحتاج الى أن تقدم له المساعدة وهل فكروا أن من واجبهم أن تكون موائد الرحمن متواجدة في كل مكان يشعر المعنيون بأن هناك من يحتاج أن يقدم له الإفطار؟ وفهمكم كاف وواف!
رمضان كريم