أحمد لطفي
انتهت الإجازة الصيفية وودع أبناؤنا المغتربون إخوانهم وذويهم على وعد بالعودة في الصيف المقبل بعد عام من العمل والكد في المغتربات.
ولكن مع كل إجازة سنوية تتجدد لدى أبنائنا المغتربين هواجس السفر وتكاليفه ومعاناته.. وإن كان عناء آلاف الكيلومترات التي يقطعها مغتربونا القادمون من السعودية أو الإمارات أو الكويت يزول بمجرد أن تهب عليهم نسائم الوطن العليلة، فإن غصة تعتمر قلوبهم مع اقترابهم من مركز نصيب الحدودي في درعا. اذ انهم يعرفون ما ينتظرهم من روتين آن له أن ينتهي أسوة بباقي المراكز الحدودية التي اجتازوها.. كيف لا وقد دخلنا في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
طوابير انتظار طويلة، معاملات لا تنتهي، سيارات تحت اشعة الشمس المحرقة، أخطاء بالجملة ومزاجية بعض الموظفين، هذا ملخص الشكاوى التي وردت الى «الأنباء» من أبنائنا المغتربين في الكويت.
حكاية زيت الزيتون
قد يفهم البعض منع إخراج العملة الوطنية أو اللقى الأثرية باعتبارها من الثروات القومية للبلد، ولكن أن يمنع أحد موظفي الجمارك إخراج بضعة كيلو غرامات من زيت الزيتون للاستهلاك العائلي، فهذا هو الطريف. وحتى إن كانت هناك تعليمات بمنع تهريب الزيت، أليس مفيدا أن تكون هذه التعليمات موضحة ومكتوبة على لوحات إرشادية أو معلنا عنها في وسائل الإعلام؟ هذا ما حدث مع المغترب ثائر، الذي كتب لـ «الأنباء» شارحا أن معاناته كانت في طريق العودة من الإجازة وقبل أن يخرج من حدود نصيب. وقال ثائر «دخلت الى الموظف المسؤول وسألني ماذا يوجد معك؟ فقلت: أشياؤنا الشخصية انا وعائلتي.. ثم سألني هل معك زيت زيتون؟ فقلت نعم. فقال لي ممنوع إخراجه وشرحت له أن الكمية لا تتجاوز بضعة كيلوغرامات لاستهلاك العائلة، فرد الموظف «أعالج موضوعك وبيصير نظامي.. بس كلك مفهومية».
وبعد أن «عالج» الموظف الموضوع تمكن المغترب ثائر من إنهاء هذه المرحلة.. وبعد تنقل بين مكاتب المركز من جمارك وجوازات و.. و.. تمكن أخيرا من الخروج من الحدود بعد أكثر من 3 ساعات قضاها أطفاله تحت أشعة الشمس المحرقة.
ضاعت السيارة
أما المغترب محمد فكانت له حكاية أخرى، علم أنها تكررت مع كثيرين غيره، وملخص حكاية المغترب محمد أنه فوجئ وهو في طريق المغادرة بالموظف يقول له ان هناك سيارة باسمه دخل بها عام 2006 ولم يخرجها ولم يقم بتصفيتها، وتساءل محمد: كيف ذلك وأنا لا املك سوى سيارة واحدة؟ وقد أتيت بها في عام 2007 و2008 وقد خرجت بها نفسها أكثر من مرة وهذا مسجل على جواز السفر. فاقترح الموظف مراجعة الارشيف لمعرفة سبب عدم تسجيل خروج سيارته. وبعد بحث دؤوب عن الارشيف وعن موظفه الذي كان يشرب الشاي عند أحد زملائه، غاص المغترب محمد والموظف المشكور في السجلات الورقية لأرشيف العام 2006 دون أن يجد لسيارته رقما يفيد بخروجها، وعندما أكد محمد لموظف الارشيف أنه خرج بالسيارة وعاد بها نفسها أكثر من مرة، قال موظف الارشيف لعلك غادرت في الليل، فأجابه محمد «فعلا». فقال الموظف لعل «المناوب حينها كان نعسانا وتكاسل عن تسجيلها» في السجل الذي لايزال ورقيا، ونصحه بمراجعة المسؤول مباشرة، وبالفعل ذهب محمد الى المسؤول الذي استقبله بالترحاب وبالاعتذار الشديد عن هذا الخطأ مؤكدا أن العمل يجري على «اتمتة» الإجراءات تلافيا لهذه الأخطاء. وبعد أن شرح محمد القصة، اقترح المسؤول مشكورا أن يراجع محمد مركز الحدود الأردني ليأتي بورقة تثبت أن سيارته دخلت الحدود باسم صاحبها في نفس التاريخ الذي خرج به من سورية عام 2006. ولما كانت سجلات الحدود الأردنية الكترونية، لم يستغرق الأمر أكثر من 5 دقائق لمنح محمد كتابا يفيد بأنه دخل الأردن في العام 2006 وبرفقته السيارة التي يملكها. وعاد محمد مرة أخرى الى مركز نصيب ليقدم الإثبات بأن سيارته غادرت القطر في نفس التاريخ فضم الموظف الورقة الى السجلات ودفع المغترب غرامة تجاوزت الـ 3 آلاف ليرة لخطأ ليس له فيه ذنب.
بدوره المغترب أبوعبدالله تساءل: ما الذي يمنع أن تكون معابرنا الحدودية مثل باقي المعابر في الكويت والسعودية والأردن حيث يمكنك انجاز معاملاتك دون ان تنزل من السيارة، اللهم الا لفتحها لإجراء التفتيش؟
وأسف أبوعبدالله لأن تقنية «الباركود» التي تستخدم في المعابر الاخرى لتسهيل الإجراءات، لم تصل بعد الى معابرنا الحدودية البرية، مستغربا تعقيد الإجراءات واستمرار استخدام السجلات الورقية التي تضع المصطفين في الدور تحت رحمة مزاجية بعض الموظفين، وأشار أبوعبدالله الى أن بعضا من هؤلاء لا يستقرون بمكان معين فيضطر المسافر إلى ان يبحث عن الضابط الفلاني أو الموظف العلاني. وربما وجده جالسا خارج مكتبه يتناول الشاي أو أنه يقوم بزيارة لزميل له في احد المكاتب المجاورة ما يعني انتظار المسافرين حتى تنتهي زيارة الموظف، أو أن يكون هذا المسافر حذقا فيبحث عن الموظف ويذهب اليه حيث هو ليحصل منه على توقيعه.
رسوم اكسترا
وإذ انتقد أبوعبدالله المبالغ التي تدفع أو تضاف الى الرسوم المتوجبة دون أن يقدم بها الموظف الذي يحصلها وصلا بتلك الرسوم «الإكسترا»، أكد أن المغترب يقضي نحو ثلاث ساعات حتى يجتاز معبر نصيب الحدودي وحده، بينما تستغرق المسافة التي يستغرقها المسافر لاجتياز الأردن من حدودها الجنوبية الى حدودها الشمالية عند معبر جابر مع الزمن الذي يقضيه لإنهاء الإجراءات لا يتجاوز الساعات الثلاث.
وفي نفس الإطار، اشتكى المغتربون سمير ويوسف وياسر من تعقيد الإجراءات التي تتطلب جولة على أكثر من صالة وانتظارا لدور قد يستغرق ساعات لتوقيع ورقة بسيطة. ناهيك عن أنه لا توجد أي لوحات إرشادية توضح للداخلين الإجراءات اللازمة ما يعني أن يعتمد المسافر على خبرته السابقة أو أنه يضطر للاستفسار عن كل خطوة.
هذه الصعوبات وغيرها على المعابر الحدودية البرية تضعها «شؤون سورية» بين أيدي المعنيين متأكدة من قدرتهم على إيجاد الحلول وتصحيح الخلل، حتى تصبح زيارة سورية تجربة ممتعة لضيوفها من العرب قبل أبنائها المغتربين، منذ اللحظة الأولى لدخولها.