تبدل مزاج الرأي العام السويدي إزاء اللاجئين والمهاجرين بعد العمليات الإرهابية التي ضربت عواصم أوروبية متعددة، وكذلك تحت تأثير الدعاية التي تروجها ضدهم أحزاب اليمين الشعبوي التي تتهم الحكومة باستيراد الإسلاميين المتشددين.
وقالت منسقة مكافحة التطرف آنا كارلشتات «أعي جيدا لماذا يتساءل الناس إن كانت السويد منفتحة إنسانيا أم ساذجة».
وقالت: «ظلت السويد لعقود طويلة خالية من التطرف والعنف، ولكن الآن تغيرت الصورة لدرجة تدفعنا الى التشكك بإمكانية بقاء مجتمعنا منفتحا ومتسامحا، مع أن هذا يجري في دمائنا وضمائرنا وأرواحنا».
ويشدد مدير مركز «سيغر شتات» لدراسة التطرف الديني كريستر ماتسون «أن اكتشاف الأشخاص الأكثر عرضة للتطرف كان في السابق يشبه البحث عن إبرة في كومة قش. الأمور تبدلت الآن بالكامل».
وبرأي الخبير الأمني كلاس نيلسون «أن هناك إجماعا عاما بأن سياسة الهجرة المتبعة حتى الآن يجب أن تتبدل بعد أن أصبحت نتائجها خطيرة على الأمن القومي للدولة».
(ENAR) وأظهر تقرير صادر عن شبكة المنظمات الأوروبية غير الحكومية والشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية مكرس لمظاهر العنصرية والتمييز في سياق الهجرة شمل ٢٦ بلدا في الاتحاد الأوروبي، أن السويد التي تعد من أكثر بلدان الاتحاد الأوروبي إنسانية وانفتاحا في تعاطيها مع اللاجئين والمهاجرين بدأت تغير سياساتها الخاصة بالهجرة.
ويتضح من التقرير أن السويد حلت في المرتبة الثانية بعد ألمانيا في لائحة تزايد جرائم العنف والكراهية ضد اللاجئين. فإن «٤٣ عملية إضرام متعمد للنار حدثت ضد سكن طالبي اللجوء في (Kantor) وبحسب بيانات أوردها مركز كانتور السويد في عام ٢٠١٥، وأن مجموعة من الرجال المقنعين قامت في العام ٢٠١٦ بالاعتداء لمرات على أشخاص ملامحهم أجنبية في العاصمة استوكهولم».
وتتجه السويد هي الأخرى بعد ألمانيا وفرنسا وغيرهما من البلدان الأوروبية الى تشديد قوانين اللجوء، والتوقف بالكامل عن استقبال المزيد من اللاجئين والمهاجرين.
وأقر البرلمان السويدي مقترحات الحكومة بتشديد سياسة اللجوء والهجرة وجعلها أكثر صرامة، وينص القانون الجديد على منح طالبي اللجوء تصاريح مؤقتة بدلا من الدائمة، وتقييد إمكانية لم شمل العوائل وحصرها فقط بأولئك الذين يمتلكون القدرة على توفير السكن والإعالة الكاملة لعوائلهم من دون الحصول على أي مساعدات وإعانات من الصناديق الاجتماعية.
وتزمع استوكهولم مواصلة تنفيذ إجراءات طرد حوالي ٨٠ ألف لاجئ ومهاجر وصلوا البلاد العام ٢٠١٥، ورفضت طلباتهم للحصول على حق اللجوء.
والهدف من هذه الإجراءات الجديدة فرض نظام يعيق تدفق اللاجئين والمهاجرين لأن البلاد لم تعد قادرة على استقبال المعدلات السابقة.
ويحل اللاجئون السوريون في المرتبة الأولى من طالبي اللجوء والأفغان في المرتبة الثانية، فيما العراقيون في المرتبة الثالثة بنسبة لا تتجاوز ٢٠% فقط.
وأظهرت بيانات حديثة صادرة عن مكتب الإحصاء المركزي أن الجالية السورية أصبحت الأكبر مع بلوغ عدد أفرادها ١٨٠ ألفا لتتفوق بذلك على الجالية الفنلندية التي كانت الأكبر في البلاد منذ الحرب العالمية الثانية.
منذ العام ٢٠٠٩ والسويد تستقبل سنويا أكثر من ١٠٠ ألف مهاجر، ولكنها قررت الآن التوقف عن هذه السياسة.
ويقول الخبير في الشؤون السياسية توبياس إيتسولد: «إن السويد لها مشاكل فريدة من نوعها، فالصناعة السويدية متخصصة للغاية، ولهذا فهي تحتاج الى مهاجرين يتمتعون بمؤهلات عالية، ولكن من دخلوا البلاد خلال السنتين الأخيرتين في غالبيتهم تنقصهم الخبرات والتأهيل الضروري، إضافة الى أن الحصول على العمل يستلزم معرفة اللغة السويدية ما يحرم هؤلاء حتى من فرص العمل العادية فيصبحون عاطلين وبالتالي عالة على الدولة ودافعي الضرائب ويستنزفون أموال مؤسسات الخدمة الاجتماعية».
رصدت الأجهزة الأمنية السويدية ظاهرة تنامي التطرف في أوساط الجاليات العربية والإسلامية، ووفق تقرير تسربت بعض تفاصيله الى الصحف المحلية أن مجموعات من المتطرفين تشكلت ونمت داخل السويد وهي تؤيد وتدعم نشاطات الجماعات الإرهابية مثل «داعش» و«القاعدة»، وتريد استغلال الفرصة السانحة لإثبات وجودها، وهؤلاء المتطرفون ينتمون وفقا لما ورد في التقرير الى واحدة من الجماعات السلفية التي دعت مرارا عبر الإنترنت إلى القيام بأعمال عنف انتقامية داخل السويد.
وأقرت الحكومة مجموعة من الإجراءات العقابية ضد أولئك الأشخاص الذين يغادرون السويد للمشاركة في الأنشطة الإرهابية.
وكان جهاز الاستخبارات السويدي أشار إلى أن عدد الأشخاص الحاملي الجنسية السويدية الذين سافروا إلى سورية والعراق للقتال في صفوف «داعش» و«جبهة النصرة» يتراوح بين ٢٥٠ و٣٠٠ شخص، عاد منهم ١١٠ مقاتلين وضعوا تحت المراقبة الدائمة.
وذكر تقرير أمني «أن المتطرفين الذين يتبنون العنف ازدادوا قوة وأصبحوا يشكلون تهديدا جديا للأمن الاجتماعي»، وأكد «أن مصدر الخطر الأكبر هم أولئك الذين توجهوا للقتال في سورية والعراق ثم عادوا الى البلاد».
ويعد حي «روسينغراد» بمدينة «مالمو» ثالث أكبر مدينة بالسويد المركز الأساسي والأكثر خطرا.
ويقطن في هذا الحي عدد كبير من الجالية المسلمة من أصول لبنانية وعراقية وبوسنية وكوسوڤية، ويمثل السكان المتحدرون من أصول أجنبية في المدينة ما نسبته ٤٣%، وقد شهد هذا الحي في التسعينيات أحداثا عنيفة استدعت تدخل الشرطة وقيامها بإخلاء المسجد الرئيسي.
ويتحدث تقرير لوحدة مكافحة الجرائم عن ارتفاع الجرائم بين اللاجئين، وأن بعضها تحصل بسبب اختلاف الثقافات والطوائف الدينية والعرقية، ومن بينها جرائم الشرف التي تنتشر بين اللاجئين القادمين من مجتمعات قبلية ومتحفظة دينيا.
ويوضح ان «تجميع اللاجئين العرب والمسلمين في مراكز موحدة لا يساعد على الاندماج في المجتمع، وأن بقاء هؤلاء مع أشخاص عاطلين من العمل يشجع على البطالة وعدم الرغبة في الاندماج في المجتمع حيث تبين أن ٦٠% من العراقيين الذين يبلغ عددهم الإجمالي نحو ١٥٠ ألفا يرفضون تعلم اللغة والدخول الى سوق العمل.
وتنشط في السويد جمعيات إسلامية متعددة من بينها وأقدمها الرابطة الإسلامية في استوكهولم التي تأسست العام ١٩٨٠، ولكن الانقسامات سادت صفوفها وتسببت في ظهور جمعيات أخرى مثل رابطة الجمعيات الإسلامية (FIFS) واتحاد المراكز الثقافية الإسلامية (IKUS) واتحاد الطائفة الشيعية (ISS)، وتجتمع كلها تحت منظومة تسمى «مجلس التعاون الإسلامي في السويد» ووفق بيانات غير رسمية يوجد الآن في البلاد أكثر من ٣٠٠ جمعية إسلامية وأكثر من ٥٦٠ مؤسسة ثقافية وتعليمية للمسلمين الذين يصل عددهم الى أكثر من ٤٠٠ ألف نسمة، ٢٠٠ ألف منهم يقطنون العاصمة، وهم ينتمون الى جنسيات عربية وإسلامية مختلفة سورية وعراقية ومغاربية ومصرية وتركية وألبانية وكوسوڤية وباكستانية وإيرانية وأفغانية وأفريقية.
وفي المقابل، ينشط في السويد تيار شعبوي تزداد شعبيته ويتنامى نفوذه على خلفية انتشار التطرف والعنف والجريمة المنظمة في أوساط الجاليات العربية والإسلامية.
وتوحدت الأحزاب اليمنية المتطرفة المناهضة للاجئين والمهاجرين وشكلت تحالفا ضم الحزب الديموقراطي السويدي وحزب يمين الوسط المحافظ، إذ أصبحوا أكبر تجمع سياسي معارض لحكومة يسار الوسط التي تضم حزبي الديموقراطي الاجتماعي والخضر.
ويتضح من استطلاع للرأي أجرته وكالة (Sifo) أن نسبة الدعم للحزب الشعبوي ارتفعت من ١٢.٥ الى ١٩%. وأظهر أن ثلثي السكان لا يريدون مهاجرين ولاجئين في البلاد.
يقول نيلسون: «إنهم يتحدثون مثل ترامب، يخيفون الناس، وما يحدث في أوروبا والعالم يشحنهم بالقوة والثقة».
وتخشى السلطة من نتائج تزايد وتنامي النزعات العنصرية ومعاداة الأجانب والإسلاموفوبيا والتطرف الديني والنزعات الانعزالية، ما يعكس فشل سياسة الاندماج التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة.