تحولت سورية منذ مطلع العام الى حلبة مواجهات وصراعات متعددة الأشكال والأحجام، لتتقدم من جديد العمليات العسكرية على العملية السياسية.. كما شهد مسرح العمليات السوري جملة أخطاء وقع فيها كل الأطراف تقريبا:
٭ إسرائيل أخطأت في استسهال مواصلة غاراتها الجوية وفق نمط روتيني ومن دون توقع أو التحسب لرد فعل وتصد من جانب دمشق وحلفائها.. فلم تأخذ في الاعتبار المتغيرات الميدانية التي وضعت النظام السوري في وضع مريح أكثر أصبح معه قادرا على الاشتباك مع إسرائيل والتعامل مع نيرانها ودفعها الى مراجعة حساباتها.
كما لم تنتبه للفجوة التي تزداد اتساعا بين روسيا وأميركا في سورية، حيث كانت إسرائيل تتحرك و«تعربد» تحت مظلة التفاهمات الأميركية الروسية ولكن من دون أن تنجح في فرض الواقع الذي تريده في جنوب سورية.
٭ روسيا أخطأت في استعجال «إعلان النتائج» من طرف واحد مع إعلان الرئيس فلاديمير بوتين من قاعدة حميميم العسكرية النصر على الإرهاب وبدء سحب قواته من سورية.
كما أخطأت في التفرد في الحل السياسي وفي تقدير قوتها الديبلوماسية والسياسية لفرض تصورها عبر «مؤتمر سوتشي».
ولكن المؤتمر فشل بعد مقاطعة قوى معارضة أساسية فما تعرضت قاعدة حميميم التي وصفها بوتين بالحصن المنيع لهجمات موجعة وغير متوقعة لهجمات بالقذائف وبطائرات «درون».
وأسقطت إحدى طائراتها «سوخوي». والآن تجد روسيا أنها مضطرة لضخ مزيد من العديد والعتاد الى سورية، وللتسليم بأنها لا يمكنها المضي وحيدة في رسم معالم التسوية، وأن عليها احترام المظلة الأميركية شمال شرقي سورية والتعاطي مع واقع أميركي جديد يفيد بأن إدارة ترامب طوت سياسة وصفحة إدارة أوباما، وأن أميركا باتت حاضرة بقوة في بلاد الشام.
٭ النظام السوري أخطأ في دفع قواته والفصائل الإيرانية، ومن دون إعلام روسيا، باتجاه مناطق كردية تحظى بحماية أميركية، فكان الرد الأميركي قاسيا عبر غارة أوقعت مئة قتيل وانطوت على رسالة واضحة بأنه لا يمكن تغيير قواعد الاشتباك والإطاحة بقوات سوريا الديموقراطية (قسد) التي تدعمها واشنطن شرق البلاد وشمالها.
هذه منطقة «أميركية» تشكل نحو 40% من بلاد الشام ولا يمكن لدمشق ولا لطهران الاقتراب منها وستظل حاجزا يحول دون فتح الحدود السورية- العراقية على مداها كما تريد إيران.
٭ تركيا أخطأت في هجومها الصاعق على الأكراد في شمال سورية وفي إطلاق معركة الحسم في عفرين، دافعة بذلك الأكراد الى أحضان النظام السوري للتنسيق والتعاون معه والاحتماء به.
فبعد عملية عفرين لم يعد أمام الأكراد خيار سوى التنسيق مع النظام للحصول على تسهيلات لوجستية وإنسانية، كمثل غض النظر وتسهيل وصول الدعم الكردي من بقية الجبهات والمرور في مناطق سيطرة النظام للوصول الى عفرين، وهذا عامل أساسي في صمود عفرين وفي جعل الجيش التركي يحقق مكاسب بطيئة.
ولكن تبقى هناك فجوة كبيرة بين مواقف الطرفين تتمثل في مستقبل شمال شرقي سورية، حيث لاتزال الجماعات الكردية متمسكة بالحكم الذاتي من ضمن نظام فيدرالي.
٭ الولايات المتحدة أخطأت في التعامل مع تركيا وفي دفعها الى أحضان روسيا والتعاون مع إيران، ذلك أن الدعم الأميركي للأكراد وتقديم هذا الأمر على ما عداه، حتى لو تطلب عدم أخذ مصالح تركيا وهواجسها الأمنية والقومية في الاعتبار، سيعزز الحلف الثلاثي الروسي- التركي- الإيراني، وسيعطي فرصة لبوتين كي يعمق الفجوة بين أردوغان وترامب ويبعد تركيا عن حلف الأطلسي، وكل ذلك لا يصب في خدمة الخطة الأميركية التي تهدف من جهة الى منع تفرد روسيا بالحل السياسي للأزمة السورية، ومن جهة ثانية الى إضعاف واحتواء نفوذ إيران في سورية.
٭ إيران أخطأت وأبرز خطأين في الأسابيع الماضية، حيث دفعت بميليشيات لتجاوز نهر الفرات نحو الضفة الشرقية التي تسيطر عليها أميركا تحت ستار «قسد»، والمرة الأخرى التي حاولت فيها استفزاز اسرائيل بإرسال طائرة بدون طيار إلى الأجواء الإسرائيلية، ثم إسقاط الطائرة الاسرائيلية، فجاء الرد موجعا بسلسلة غارات اسرائيلية هي الأعنف منذ اجتياح لبنان في عام 1982 وكلفتها تدمير أكثر من 12 موقعا ونصف منصات الصواريخ المضادة للطائرات.