هدى العبود
مع إشراقة كل صباح جديد، تطوى صفحة يوم بشكل متسارع نحو بداية يوم آخر. ويتزامن الأسبوع الأول من شهر «فبراير» البارد بشكل غير مسبوق هذا العام مع سعد الدابح كما كان أجدادنا يقولون. وسعد الدابح قصة حقيقية تدور أحداثها حول: أن رجلا كان قد شد رحاله وقرر السفر، فقال له والده يا بني انه شهر بارد جدا، ولكن سعد أبى واستكبر وأراد السفر وفي منتصف الطريق وقف سعد وكاد يتجمد من شدة البرد، فقرر أن يذبح سيارته الخاصة وهي «الجمل» الذي كان يرافقه في حله وترحاله ويختبئ بداخله وبذلك استطاع أن ينجو سعد من الموت ومن هنا جاءت تسمية «سعد الدابح».
واليوم نجد أن غياب مادة المازوت تجعلنا جميعنا بحاجة الى «جمل» يقينا شدة البرد إذا لم تسارع الحكومة وتنقذنا من شدة البرد التي لا تطاق. ولكن الحكومة مشكورة شعرت بنا فقدمت لنا «البونات» بشكل مكافأة مادية، تصرف وعلينا أن نذبح بردنا على طريقتنا. وما يترتب على ذلك من أعباء مادية إضافية، قد لا يقوى على تحملها مئات الآلاف من أرباب الأسر ذوي الدخل المحدود، دفعة واحدة لأنها لو مضت بسلام مع أعباء اللوازم اليومية، المقدرة بخمسة آلاف ليرة كحد أدنى للدفعة الأولى، ومثيلتها للدفعة الثانية، فإنها ستكون على حساب شح مدافئنا وموائد أسرنا، طيلة فترة البرد على مدى أربعة أشهر، وهذا يترافق مع ما سيرافقها حتما من تحليقات جنونية في أسعار العديد من السلع الرئيسية، قبل أن يودع «سعد الدابح» المبارك الناس، ليزف لنا الدفء بقدوم شهر أبريل الذي لا يخلو من لسعة باردة، ولكنها أخف وطأة من الأشهر السابقة. وهذا لا أظنه سيكون مفرحا للكثير من الأسر هذا العام، بعد كل ما يكون قد تكبده ذوو الدخل المحدود من أعباء مرهقة لموازناتهم الهشة بالأصل.
تطمينات المعنيين في الحكومة التي بدأت تصدر تباعا منذ أشهر عن استعدادات أجهزتها، وكذلك لجان حماية المستهلك، لقمع أية زيادة في الأسعار وأنها ستفعل كل ما من شأنه أن يؤدي للسيطرة على الأسواق، لتطمئن أصحاب الجيوب شبه الفارغة، ولا تخيف الفئة الجشعة من التجار التي تعرف جيدا مفاتيح إفراغ أقوى القرارات الحكومية من مضمونها.
وتحضرني في هذه الظروف تجارب بعض البلدان العربية الشقيقة، والأوروبية الصديقة عن كيفية التدخل الحكومي الايجابي للتخفيف من هموم الشرائح الضعيفة، في المناسبات التي تستوجب إنفاقا استثنائيا يتجاوز موازنات هذه الأسر الشهرية.
ففي فرنسا تقدم الحكومة منذ عام 1989، في العشرين من شهر آب كل عام، معونة مالية للأسر التي يقل دخل معيلها السنوي عن 14 ألف يورو، مبلغا قدره 300 يورو تقريبا، عن كل طفل يبلغ عمره بين 6 و18 سنة، لتغطية أعباء اللوازم المدرسية بشكل لائق.
أما في الكويت الشقيقة، فهناك لجنة مراقبة التي كان من مهمتها التحقيق والتدخل السريع والفعال في أي خلل يحدث في الأسعار المتداولة في الأسواق، بهدف الحفاظ على مداخيل الأسر الضعيفة من جشع التجار.
نحن نعرف أن قوانين مكافحة التدليس والاحتكار، التي أصدرتها الحكومة منذ بداية موجة الغلاء العالمي، وكذلك القرارات التنفيذية التي تلتها، كافية لتثبت حسن نية الحكومة في الوقوف بحزم إلى جانب الشرائح الأضعف من المجتمع، لكن ما كان ينقص تلك النوايا الطيبة والقرارات الحكومية الحازمة، شيء ما يشبه قرار وزير التجارة الكويتي، يحصن اللجان الميدانية التي تدخل في احتكاك وتماس مباشر مع التجار والمصنعين، فيمتنعون، بحكم الاكتفاء، وليس التعفف المصطنع، عن أن يكونوا هم الأداة الرئيسية في إفراغ القرارات الوزارية من مضمونها ومادمنا تحدثنا عن حكومة الكويت وبرلمانها فعلينا أن نشكرهم على الزيادة التي أصدرت مؤخرا لكل أسرة كويتية وندعو من قلوبنا نحن في البلدان العربية الأخرى أن تخطو حكومتنا العتيدة والتليدة بزيـادة تســد رمــق الكثيرين، فهل يفعلون؟ بكــل تأكيد لا لا لا، اياكم وسعد الدابح ضيفنا.