توتر أميركي ـ سوري مستجد، وتوتر تركي ـ روسي ـ سوري متفاقم، سلسلة من التوترات السوريالية فرضت نفسها على المشهد السوري سياسيا وميدانيا، فيما يبقى الخاسر الأكبر من كل ذلك مئات آلاف المدنيين الهائمين على وجوههم في أحوال جوية شديدة البرودة، هربا من العمليات العسكرية المشتدة في ادلب وما حولها.
فقد كشف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عن الاجراءات الجديدة التي سيتخذها ردا على قتل الجيش السوري قواته في ادلب، ووجه تهديدا غير مسبوق بضرب القوات السورية وداعميها الروس والايرانيين «في كل مكان»، مشددا أيضا على ان الطائرات التي تضرب تجمعات المدنيين في إدلب «لن تتحرك بحرية بعد الآن»، في اشارة إلى اسقاط مروحية عسكرية سورية ومقتل طاقمها اول من امس.
وقال، في كلمة أمام كتلة حزبه الحاكم العدالة والتنمية في البرلمان في انقرة، «أعلن اننا سنضرب قوات النظام في كل مكان اعتبارا من الآن بغض النظر عن حدود ادلب واتفاقية سوتشي، في حال إلحاق أدنى أذى بجنودنا ونقاط المراقبة التابعة لنا أو في أي مكان آخر».
وفي موقف قل مثيله، انتقد الرئيس التركي روسيا الشريك الضامن مع بلاده لاتفاقات سوتشي بشكل مباشر، متهما اياها بالقول ان «النظام والقوات الروسية التي تدعمه تهاجم المدنيين باستمرار وترتكب مجازر وتريق الدماء، والذين يدعون الدفاع عن حقوق الإنسان يتجاهلون هذه المجازر» في منطقة خفض التصعيد بإدلب ومحيطها.
وجدد إصرار بلاده «على رد قوات النظام وراء الحدود التي رسمها اتفاق سوتشي بنهاية فبراير.. سنفعل كل ما هو ضروري على الأرض وفي الجو دون أي تردد ودون أي تأخير».
وربط أردوغان بين الوضع في سورية وتركيا، وقال: النظام السوري وحلفاؤه يحاولون السيطرة على المنطقة وتفريغ سكانها، وإذا تركنا المبادرة للنظام السوري، فإننا لن نرتاح، وإذا لم تكن سورية مرتاحة لن نكون مرتاحين.
وفي خضم هذا التوتر، أجرى اردوغان اتصالا بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر خلاله عن الرغبة «بالتطبيق الكامل» لاتفاقات خفض التصعيد، بحسب الكرملين.
وردا على هذه التهديدات، وصف مصدر في وزارة الخارجية السورية الرئيس التركي بأنه شخص «منفصل عن الواقع». وقال المصدر وفق ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) «يخرج علينا رأس النظام التركي بتصريحات جوفاء فارغة وممجوجة لا تصدر إلا عن شخص منفصل عن الواقع (..) ولا تنم إلا عن جهل ليهدد بضرب جنود الجيش العربي السوري بعد أن تلقى ضربات موجعة لجيشه من جهة ولإرهابييه من جهة أخرى».
من جهته، اتهم المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أنقرة بعدم احترام الاتفاقات الروسية ـ التركية، وبأنها لا تفعل شيئا من أجل «تحييد الإرهابيين» في إدلب، على حد وصفه.
ومتحدثا عن اتفاقات سوتشي التي تم التوصل إليها في أكتوبر، أوضح بيسكوف أن تركيا «ملزمة بتحييد المجموعات الإرهابية»، لكن «كل تلك المجموعات تهاجم القوات السورية وتقوم بأعمال عدوانية ضد المنشآت العسكرية الروسية».
وأضاف «ذلك غير مقبول ويناقض اتفاقات سوتشي»، معتبرا في الوقت نفسه أن القوات السورية تضرب «إرهابيين وليس مدنيين».
وأفاد مراسل لوكالة «فرانس برس» في إدلب عن وصول موكب جديد من مدرعات تركية أمس إلى بلدة بنش الواقعة شمال شرق مدينة إدلب.
في الأثناء، واصلت القوات السورية التوسع في عدد من البلدات، بعد سيطرتها على كامل الطريق الدولي حلب ـ دمشق المعروف بـ «ام 5» للمرة الأولى منذ عام 2012.
وفي موازاة التوتر الثلاثي الاضلاع في ادلب، تحولت مدينة القامشلي التي يسيطر عليها الأكراد إلى بؤرة جديدة للتوتر. وفي واحدة من المرات النادرة منذ تدخل الولايات المتحدة على رأس التحالف الدولي ضد داعش، اندلعت مواجهات بين قوات أميركية ومقاتلين موالين للنظام في قرية خربة عمو الخاضعة لسيطرة قوات ما يعرف بـ «الدفاع الوطني الموالية للنظام»، جنوب شرق مدينة القامشلي التي يسيطر عليها مقاتلو قوات سورية الديموقراطية (قسد).
وقتل فيها مسلح موال لدمشق، «أثناء مرور دورية أميركية خطأ» في القرية لكنها انتهت بعد استهداف الطيران الأميركي للمنطقة بغارة جوية ما أتاح خروج الآليتين الأميركيتين اللتين احتجزتا في القرية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان ووكالة «فرانس برس».
وقال التحالف الدولي بقيادة أميركا ان قواته قرب القامشلي ردت على إطلاق نار بعدما فتح «مجهولون» النار على دوريتهم.
وفي الرواية السورية، ذكرت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أن حاجزا للجيش السوري أوقف أربع عربات تابعة للقوات الأميركية كانت تسير على طريق إلى الشرق من مدينة القامشلي، وعندها تجمع مئات الاشخاص عند الحاجز من قريتي خربة عمو وحامو لمنع مرور العربات الأميركية وإجبارهم على العودة من حيث أتوا. واتهمت الوكالة الجنود الأميركيين بإطلاق الرصاص الحي والقنابل الدخانية على الأهالي ما تسبب بمقتل شخص من قرية خربة عمو وإصابة آخر من قرية حامو.