محمد ناصر
كقصيدة مغناة اطربت وانتزعت الآهات من الاعماق، وكنسمة لامست الفؤاد وسكنته، مر علينا مسلسل «رسائل الحب والحرب» الذي اخرجه باسل الخطيب، وعزفته انامل الكاتبة «ريم حنا» برومانسية شفافة محمّلة بالهم الانساني عبر قصة حب تتلاطمها امواج الزمن بدءا من ثمانينيات القرن الماضي على خلفية الاجتياح الاسرائيلي لبيروت وصولا الى تحرير الجنوب اللبناني ومعه اسرى السجون.
صراعات نفسية
فالثمانينيات بكل صخبها وآلمها وحروبها هي المحرك الاساسي لابطال العمل الذي يتذوقون مرارة الحرب وحلاوة وقسوة الحب، فيتناوبون على الآلم والامل، وعلى الغربة والحنين الى الوطن ضمن صراعات دراماتيكية ونفسية ابدعت الكاتبة في تصويرها وبالتقاطها لتفاصيل التفاصيل، فعندما تحلم الفتاة بأن يكون فارس احلامها شبيها لفرانكو كسباري بطل الروايات المصورة آنذاك، أو عندما تطلب الأم من ابنتها سماع اغاني ريمي بندلي، فهذه التفاصيل الصغيرة جدا ليست عابرة وانما بنت لدى المشاهد واقعية كبيرة جدا، ليبدأ التصاعد التدريجي للأحداث التي يغلفها جو ساحر داخل أروقة القصر الكبير الذي تسكنه 6 نساء تتحكم في مصيرهن احداث الحب والحرب.
الحب والحرب
واذا كان حرف الراء قد فصل بين كلمتي الحب والحرب وحوَّل معنى الكلمة الى نقيضها فإن الكاتبة والمخرج نجحا في تصوير عبثية الحرب ضمن قالب انساني يخدم بشكل اساسي رسائل الحب، او لنقل رسالة الحب الوحيدة التي حركت الاحداث في المسلسل ونقلتها ما بين النفسي والعقلي، وما بين الخيالي والواقعي، فعرج هذا العمل على تصوير حالات انسانية تأسرك معها، كالطبيبة النفسية التي تحتاج الى طبيب نفسي، او كأطفال دور الايتام ويكمن الجمال في ان جميع هذه الشخصيات المساندة تدخل ضمن صلب الحبكة الاساسية للعمل فلا تشعر ابدا بغرابة هذه الاحداث.
السعفة الذهبية
وبما ان هذا العمل عرض على شاشاتنا العربية في شهر رمضان الفائت وسط طوفان المسلسلات المتخمة بالنجوم، فكان من الطبيعي ان تتأثر نسبة مشاهدته إلا انه وبكل تأكيد سيأخذ حقه عند اعادة عرضه، فمنذ مسلسل «عصي الدمع» للمخرج حاتم علي والذي عرض منذ اربعة اعوام ونحن بانتظار عمل يوازيه اهمية وجمالا ليأتي «رسائل الحب والحرب» فاتحا مرحلة وصفحة جديدة في الدراما السورية والعربية، لدرجة اننا نستطيع القول انه لو كان في عالمنا العربي ما يسمى بالسعفة الذهبية للاعمال الرمضانية لحصد هذا العمل معظم الجوائز.
ومما ميز هذا العمل ايضا هو البطولة الجماعية، فكل شخصية في العمل رُسم لها خط درامي يؤثر في سير الاحداث، فتألقت سلاف فواخرجي في دور العاشقة المضطربة والزوجة الوفية، وتميز سلوم حداد في دور الضابط الذي يأمر وينهى، أما ريم علي التي عرفها الجمهور بأدائها الرائع لدور بلقيس زوجة نزار قباني فقد ابدعت في هذا المسلسل ايضا في دور عروبة الفتاة المقاومة التي تذهب الى بيروت للبحث عن شقيقها الهارب، فتنخرط في عمليات المقاومة لتصبح اسيرة في سجن الخيام، كما برع قصي خولي في شخصية العاشق الاديب الذي يهرب من عذابات حبه ليعيده القدر الى بلده كأديب عالمي مصاب بالسرطان، ولن ننسى بالطبع القديرتان ثناء دبسي وصباح جزائري بالاضافة لقمر خلف التي تستحق اكبر الجوائز عن دور «يارا» حيث ادخلتنا معها باضطراباتها النفسية وبأوجاعها المتتالية جراء فقدها لأقربائها، وكذلك مع مانيا البنواني التي لعبت دور ام الطفل المنغولي، ومع كريستين شويري في دور زوجة الاديب.
الموسيقى التصويرية
أما الموسيقى التصويرية لطارق الناصر فأقل ما يقال عنها انها رائعة اعطت اجواء جمالية مميزة لهذا العمل الذي شهد بعض الهنات والهفوات الصغيرة التي لا تؤثر في سير العمل، كأن تبقى الممثلة ثناء دبسي الى ان تؤدي دور الجدة دون اي تغييرات شكلية طوال 25 عاما، او ألا يخبر قصي خولي (جلال) اهله عن مكان وجوده طوال فترة غيابه وكأنه لا يوجد اتصالات، كما اصيبت الحلقة الاخيرة من العمل بمرض (كله تمام) فرأينا في لقطات سريعة متتابعة، كيف ان جميع شخصيات العمل عادوا ليعيشوا حياتهم بهناء وسعادة.
«رسائل الحب والحرب» عمل رومانسي حالم كتبته ريم حنا التي اصبحت مع شقيقتها أمل حنا من ابرز كتاب السيناريو، واصبح اسماهما جواز مرور العمل نحو النجاح، ويرجع الفضل لها في انها استطاعت ان تذكرنا من خلال عملها برابطة الروح هذه الايام، وعلى من فاتته مشاهدة المسلسل في عرضه الأول، ان يغتنم فرصة اعادته ليتمتع بعمل يأسر الألباب.
الصفحات الفنية في ملف ( pdf )