- حياة صباح الشخصية طغت على تفاصيل العمل وسط غياب شبه كلي لصباح المطربة
- أعاد العمل جسور التواصل الفني بين لبنان ومصر
محمد ناصر
من النادر مرور عرض مسلسل يروي سيرة شخصية معروفة دون اعتراضات ودعاوى ترفع قبل عرض المسلسل واثناءه وبعده ومسلسل «الشحرورة» ليس إلا واحدا من تلك السلسلة التي تحظى عادة بجماهيرية كبيرة، قياسا على جماهيرية النجم أولا وعلى مدى الجمالية والحرفية والصدق في التنفيذ ثانيا.
في المبدأ تتمتع صباح بجماهيرية عريضة جعلت شريحة كبيرة من المشاهدين تترقب عرض المسلسل لما لحياة صباح من غنى درامي مشعب يبدأ بصعودها الصاروخي نحو النجومية مرورا بحياتها العائلية المعقدة وزيجاتها المتعددة وعلاقتها بأبنائها وصولا الى وحدتها الحالية التي تعيشها برفقة اصدقائها المقربين في فندق في بيروت.
فمع مرور اكثر من نصف حلقات المسلسل ظهر واضحا تحقيقه لنسبة مشاهدين مرتفعة خاصة في لبنان ومصر رغم وابل الانتقادات الذي يتعرض له المسلسل خاصة من قبل الشحرورة نفسها التي ابدت ملاحظات لم تنفذ إلى جوهر العمل وبدت سطحية كملابس والدها وبُعد بيوت الضيعة عن بعضها وغيرها من ملاحظات شكلية.
دعاية غير مناسبة
ولكن قبل الدخول في التفاصيل الفنية للعمل نتساءل عن مغزى التطرق لشخصيات ومشاهير مروا بحياة صباح دون التأثير المباشر في حياتها أو دراميا في أحداث المسلسل فما اهمية ظهور عاصي الرحباني وفيروز في 3 مشاهد وولع عاصي بصباح هذا إذا تغاضينا عن صحة الواقعة من عدمها أو كشخصيات أخرى مرت دون موافقة عائلات تلك الشخصيات ولكن على ما يبدو كان الهدف الوحيد هو تحقيق دعاية مناسبة قبل عرض المسلسل ولو كان على حساب اخلاقيات العمل الفني.
كما يظهر ان المسلسل يروي حياة صباح الشخصية اكثر من حياتها الفنية إذ تنقلنا الحلقات من زواج إلى طلاق ومن حب الى فراق ومن حب الى زواج، أما فنيا فتهيمن صباح الممثلة دون التطرق الا نادرا جدا للغناء مع ان شهرة صباح كمطربة تفوقها بمرات كممثلة، فهل يعقل ان من تربعت على عرش الغناء لأكثر من 30 عاما لا يتم التركيز على تفاصيل أغانيها والاكتفاء بجلسات ما قبل تصوير الأفلام؟ إضافة إلى ان سيناريو العمل اكتفى بسرد الوقائع دون المقدرة على خلق حالة من متعة المشاهدة التي تتطلبها مسلسلات السير الذاتية والا اكتفينا بقراءتها أو مشاهدة فيلم وثائقي عن حياتها.
أبيض وأسود
في مسلسلات السير الذاتية عادة لا يكون هناك لون رمادي فإما أبيض وإما أسود بمعنى أن يكون هناك نجاح كبير كمسلسل أم كلثوم واسمهان أو فشل ذريع كمسلسلي السندريلا سعاد حسني ومسلسل ليلى مراد وغيرها، بالنسبة لمسلسل الشحرورة يتمتع العمل بنقاط قوة أساسية ألا وهي التمثيل وخاصة الركن اللبناني إذ ابدع معظم فريق العمل بتجسيد شخصياتهم بإتقان تام وعلى رأسهم كارمن لبس بدور آسيا داغر ورفيق علي أحمد بدور والد الشحرورة وجوليا قصار بدور والدتها ولكن حضر الجميع تمثيليا وغابت صباح أي كارول سماحة التي لم تستطع ان تستحضر روح صباح وليس شكلها فعندما ابدعت سولاف فواخرجي بدور اسمهان كانت الروح هي مقياس النجاح، فبدت كارول في العمل جامدة غير متفاعلة مع تطورات الشخصية عكس الصبوحة الفتاة الدلوعة والشقية التي تخلق من الحزن فرحا ومن التعاسة سعادة فأخفقت كارول في اقناع المشاهد بصفة صباح الأساسية الا وهي خفة الدم.
ورغم جمالية المشهد الذي ينقلنا فيه المخرج من تجسيد جانيت الطفلة وهي تنزل الدرج برفقة صديقها محمود الى الشابة المراهقة جانيت إلا ان الإصرار على أن تؤدي كارول سماحة دور صباح الشابة في بداية الحلقات كان خطأ آخر إذ بدت أكبر بكثير من ان تؤدي دور فتاة مراهقة واكتفى فريق العمل بوضع الضفائر على شعرها وكأن الضفائر كفيلة بأن تقنع المشاهد بطفولة الممثل!
فكارول في العمل لم تستطع إلا ان تكون كارول وهذا نجاح لها كمطربة لها شخصيتها المستقلة واخفاق لها في تأدية الدور الذي يتوقع البعض ان تصبح فيه اكثر اقناعا مع التقدم العمري لصباح خاصة المرحلة التي أخذ منها بوستر العمل أي كارول بالشعر الأشقر.
من وحي الخيال
مشكلة اخرى واجهت ولاتزال تواجه فريق العمل وهي الدعاوى المتلاحقة التي جعلت من المسلسل غابة من الأسماء الوهمية لتهرب من الملاحقة القانونية بدءا من عاصي الرحباني الذي أصبح «عاصم سبليني» وفيروز التي أصبحت «روز» وسعيد فريحة الذي اصبح «سعد فرح» إلا ان الطامة الكبرى ما شهدناه بدءا من الحلقة التاسعة في بداية تتر المسلسل والذي جاء فيه ان جميع الشخصيات الواردة في المسلسل هي من وحي الخيال واي تشابه بينها وبين اي شخصية حقيقية هو مجرد صدفة!
ويبدو ان فريق عمل المسلسل أرادوا ان يجعلوا من أغنية صباح الشهيرة «شو اسمك قل لي شو اسمك» هي فزورة العمل اي ان على المشاهد ان يكتشف بنفسه من صاحب الشخصية الحقيقية التي يؤديها الممثل في «الشحرورة».
ملائكية صباح
مسألة اخرى دائما ما تقع فيها مسلسلات السير الذاتية وهي الملائكية التي تغلف الشخصية وجميعنا نعلم ان مسيرة صباح الفنية والشخصية أصابها من العثرات الكثير، كانت الشحرورة تعود بعد كل عثرة أقوى من ذي قبل ولكن حتى الآن نرى العكس فمثلا المنافسة بين صباح ونور الهدى يصور لنا السيناريست فداء الشندولي أن نور الهدى شخصية شريرة تتربص بصباح وتحيك لها المكائد بينما صباح بملائكية مبالغ فيها تدافع عن نور الهدى وتعشقها وهو ما سبق لمسلسل «أم كلثوم» ان صور لنا ايضا شخصية منيرة المهدية بطريقة سوداوية أيضا إلا ان الحلقات اللاحقة حققت توازنا في هذه المسألة.
يبقى ان المسلسل أعاد مد جسور التواصل الفني بين لبنان ومصر وذكرنا بسلسلة أفلام السبعينيات والستينيات التي كانت تصور في جبال لبنان، وبرزت صورة طبيعة لبنان بأبهى حلة بإدارة المخرج أحمد شفيق الذي نجح في إدارة الممثلين وتقديم عمل استطاع وسط ازدحام الأعمال ان ينال نصيبا وافرا من المشاهدة.
وكما كانت الشحرورة سفيرة للأغنية اللبنانية يبدو ان المسلسل سيكون سفيرا للسياحة في لبنان لما قدّم من مناظر طبيعية خلابة لجبال وأنهار وطبيعة لبنان.