- بدر الجاسر: لا تودعني على نية سفر.. أنا أخشى ساعة فيها الوداع
دلال العياف
المطار بقعة جغرافية صغيرة لكنها خطيرة من ناحية المشاعر، خصوصا انه فيها يتم توديع الشخص وأيضا استقباله، وتحدث فيه عدة مفارقات وتناقضات، فقاعة تحمل الحزن والأسى والتوديع وقاعة أخرى فيها الفرحة باستقبال العائدين من السفر، ونحن الآن في موسم سفر والمشاعر تفيض في تلك اللحظات.
وأسباب السفر كثيرة إما لإكمال الدراسة والبحث عن المستقبل وهنا يكون الشخص مضطرا للسفر، أو للعلاج وهو سفر أيضا موجع لانتظار عودة الاحباب بشوق ولهفة، وهناك من يسافر مضطرا لكسب رزقه، فهي أسباب عديدة منها الموجع ومنها المفرح، كما أن هناك من يسافر للسياحة والترفيه واكتشاف البلدان وللراحة من بعد تعب وشقاء في العمل، وبالتالي هناك مقولة تقول ان «من لم ير الا بلده يكون قد قرأ الصفحة الاولى فقط من كتاب الكون» والمعادلة الصعبة هنا اننا نحب السفر ولكن نكره الرحيل!
طرق السفر يقع عليها اناس كثيرون لا يبكون.. لا يضحكون.. انهم مسافرون.
لذا نرى ان هناك شعراء كثيرين يغوصون في إلهامهم ويرحلون بأذهانهم وتقطر احبارهم ذهبا على ورق مقوى لتدوين اجمل الاشعار ويتغنى بها اعظم المطربين ويلحنها اروع الملحنين، وهناك قصص كثيرة لهم ونبدؤها مع غناية «على سلم الطائرة» للقدير الراحل طلال مداح، والتي كان لها قصة، وهي ان الشاعر القدير الراحل يسلم بن علي باسعيد رحمه الله وهو الذي مكث فيما بين الرياض وجدة لمدة 45 عاما، حينما كان مسافرا الى عدن وعلى متن الطائرة وبالهواء جاءه الالهام وسطر بقلمه اروع الكلمات الشعرية المؤثرة والتي يقول مطلعها: «في سلم الطائرة بكيت غصبا بكيت.. على محبين قلبي عندما ودعوني.. وشفت محبوب قلبي بين نخله وبيت»، وعندما وصل الى عدن وضعها في صندوق البريد ليرسلها الى القدير الراحل طلال مداح في عام 1964 ونشرها سريعا في صحيفة البلاد ولحنها أيضا لشدة إعجابه بها، وأصبحت من اشهر أغانيه، وأثناء وجود الشاعر يسلم بن علي في مدينة بحضرموت اثناء فتحه للراديو سمع الاغنية التي كتب كلامها بصوت وبألحان المداح وأحبها حبا جما.
غناية «انتي وين تعبت مني المطارات» كلمات حبيب الارض وشهيد الوطن فايق عبدالجليل، وتغنى بها صديقه القدير الراحل ابوبكر سالم وهي احدى اغنيات الراحلين التي ربطتهما من ضمن مجموعة عاطفية شعرية تخفق لها القلوب، وكلمات تلك الأغنية تهز الوجدان، ويقول مطلعها: «انا لولا عيونك عمري ما حبيت ولا سافرت ولا دورت ولا ناديت ولا صحيت أحلامي، ولا مليت أيامي بحبيبة وبيت، انتي وين تعبت مني المطارات.. تعبت مني المسافات وانا في كل المدن مريت وانا من غربتي مليت».
وهناك القدير أيضا عبدالله الصريخ والذي قال: «فز قلبي وارتجف وسط المطار حين نادى الناس مأمور السفر، انتهض خلي وودعني وسار، قمت اطالع لاختفي نور البدر، صرت ما دري ليل حنا ولا نهار دكت الونات قلبي والكدر».
اما الصوت الجريح عبدالكريم عبدالقادر فقدم اروع الغنايات عن السفر والمودعين والمستقبلين، وفي كل رحلة وعند الصعود الى الطائرة يتخيل المرء نفسه وكأنه يركب السماعة ويتخيل غناية بوخالد وهو يتغنى بأغنية مرتبطة بالكويت، ونحن نستشعر حب الوطن والرجوع اليه، ولكل المغتربين لأي سبب ما مجموعة العواطف المرتبطة بها مع انها اغنية عاطفية جدا، وهي «انا رديت لعيونج انا رديت لعيونج.. انا رديت ولج حنيت مثل ما يحن حمام البيت.. واحبج حب يا روحي ماحبه ابد انسان.. ولعيونج انا رديت»، وأيضا له اغنية تقول: «راجع بشوفي ولهفتي من غربتي، راجع لأهلي وديرتي ومحبوبتي.. داير بعيني الحايرة وسط الزحام ودي الاقي عيونها وأبدا الكلام»، وله أغنية اخرى جميلة من كلمات القدير أطال الله في عمره الشاعر عبداللطيف البناي وألحان القدير انور عبدالله، وهي «ياذا المسافر حبيبي اشكي عذابي لمن واذكر حبيب يودك.. واعطف عليه وحن.. يا سيدي هذي الحقيقة.. البعد ما اقدر اطيقه».
ولفنان العرب محمد عبده أيضا أعمال زاخرة للتوديع والسفر والعتب بداعي السفر، منها اغنية يقول مطلعها: «طال السفر والمنتظر مل صبره والشوق يا محبوب في ناظري شاب» من كلمات دايم السيف الامير خالد الفيصل وهي في حقبة الثمانينيات.
وهناك أغنية شهيرة علقت في أذهاننا وهي «سافروا ما ودعوني سيبوني وراحوا» للقديرة ابتسام لطفي، وتقول فيها: «سافروا ما ودعوني سيبوني وراحوا.. سيبوني للنوى انكوي في جراحه.. يا حمام ارسل سلام للحبيب الغالي.. خبره اني ما نام ولا شي يهنالي».
وللشاعر الراحل القدير بدر الجاسر العياف اعذب الكلمات التي تخفق بالخفوق وتلامسه حين غنت له القديرة شريفة فاضل ولحنها القدير يوسف المهنا اغنية يقول مطلعها: «لا تودعني على نية سفر..انا اخشى ساعة فيها الوداع.. روح لا تطرش لي خبر.. الفراق يصير وأمر الله مطاع.. لا تودعني ولا يطري عليك».