من أجمل ما يميز هوليوود أفلام السيرة الذاتية والتي تلقي الضوء على أشخاص خلدوا أسماءهم في التاريخ، حيث تمتلك السينما الأميركية الامكانيات اللازمة لصناعة فيلم يبرز معالم الشخصية من حيث المخرجين، الاستوديوهات، المصورين والممثلين وهم من يقع عليهم العبء الأكبر في لعب الشخصية التاريخية التي لا نعلم عنها الكثير الا من خلال قراءتنا للكتب، ولعل أبرز أعمال السيرة الذاتية مؤخرا كانت فيلم «First Man» للمخرج داميان شازيل وكان من بطولة النجم رايان غوسلينغ، وتناول الفيلم قصة حياة رائد الفضاء الأشهر في التاريخ «نيل آرميسترونغ» أول من مشى على سطح القمر، ولذلك أطلق على الفيلم اسم «First Man» أو «أول رجل».
كان الفيلم صعبا فلا أحد يعلم أي شيء عن حياة هذا الرجل أو مشاعره، مما جعل المخرج يضيف بعضا من لمساته الخاصة على الفيلم في سياق درامي متناسق جدا أشاد به النقاد حول العالم، أما اختياره لرايان غوسلينغ فقد كان مفتاح نجاح العمل، لما يتمتع به غوسلينغ من موهبة وقدرة على جعل الجمهور ينخرط بكل وجدانه ومشاعره في المشاهد التي يؤديها ببراعة.
استطاع غوسلينغ تجسيد شخصية آرميسترونغ بأسلوب جعل كل من شاهدوا الفيلم يعلمون الأجزاء المفقودة عن أول انسان يطأ بقدمه سطح القمر في رحلة مذهلة ومغامرة علمية في الفضاء الخارجي.
ومن المعروف أن نيل آرميسترونغ ولد في 5 أغسطس 1930، بأوهايو وتوفي في 25 أغسطس 2012 كان رائد فضاء أميركي وأول شخص يمشي على سطح القمر، حصل على درجة علمية في هندسة الفضاء من جامعة بوردو ثم على الماجستير في هندسة الفضاء أيضا من جامعة جنوب كاليفورنيا، ويحمل عددا من شهادات الدكتوراه الفخرية من عدة جامعات إضافة إلى العديد من الأنواط والأوسمة.
التحق أرميسترونغ بوكالة الفضاء الأميركية في وظيفة طيار باحث في مختبر لويس في كاليفورنيا، وشارك بحكم وظيفته في مائتي رحلة جوية في مختلف أنواع الطائرات، وفي سنة 1962 تمت ترقيته إلى منصب رائد فضاء، حيث عمل قائدا لرحلة جيميناي، وخدم أرميسترونغ في الجيش الأميركي وشارك في الحرب الكورية سنة 1950 وقام بأول عملية اشتباك ناجحة بين مركبتين في الفضاء. وفي سنة 1971 أصبح أستاذا في هندسة الفضاء بجامعة سنسيناتي. تزوج أرميسترونج وأنجب ولدين، وكان يعيش متمتعا بعزلته في مزرعة له، وكان يعرف عنه رفضه الحديث عن نفسه أو إنجازاته، كما رفض دعوة كل من الحزبين الجمهوري والديموقراطي للترشيح للانتخابات الأميركية. يعد أول شخص في تاريخ البشرية وطئت قدماه سطح القمر.
في أول رحلة فضائية لأرميسترونغ قاد مركبة جيميناي 8 وذلك في عام 1966. وقام خلال هذه المهمة مع ديفيد سكوت بإجراء أول عملية التحام مركبتين فضائيتين تتم بواسطة إنسان.
كما قاد أرميسترونغ طاقم رحلة أبولو 11 والتي هبط فيها على القمر مع بيز ألدرن في 21 يوليو1969 وكانت هذه الرحلة الثانية له.
خلال هذه الرحلة التي وصفها أرميسترونغ بأنها «خطوة عملاقة للبشرية» قام هو وبز ألدرن بالهبوط على سطح القمر وقضيا ساعتين ونصف يستكشفان المكان في حين دار مايكل كولينز بمركبة الفضاء في مدار حول القمر.
وقد تمت مكافئة نيل ارميسترونغ مع كل من ألدرين وكولينز بميدالية الحرية الرئاسية من قبل الرئيس ريتشارد نكسون.
وفي 1978 سلم الرئيس جيمي كارتر نيل ارميسترونغ ميدالية الكونغرس الفخرية للفضاء (Congressional Space Medal of Honor)، وفي عام 2009 تسلم هو ورفيقاه ميدالية الكونغرس الذهبية.
في سنة 2010 زار الرئيس الأميركي باراك أوباما مركز كينيدي لأبحاث الفضاء لتوضيح إستراتيجية ناسا التي تعرضت للهجوم حيث وصفها نيل أرميسترونغ قائد رحلة أبولو 11 ورواد فضاء آخرون بأنها انتكاسة ستجعل برنامج الوكالة معتمدا على حسن نوايا روسيا.
لم ير أحد مشاعر آرميسترونغ في كل تلك المناسبات ولا علاقته بأبنائه وزوجته ولكن بفضل هوليوود وصلنا الى ذلك ببراعة واتقان من خلال فيلم سينمائي رائع، وهذا ما يميز السينما.