- الاندماج والتكامل الاقتصادي والمالي بين الدول العربية يتطلب إعداد إستراتيجية طويلة الأمد تتوافق مع مستجدات الأزمة العالمية
- معظم الدول العربية تعاني تخلفاً واضحاً في مجال توفير المعلومات والبيانات والأبحاث المالية الدقيقة
- ضرورة تفعيل دور القطاع الخاص وتشجيع الاستثمارات الخاصة بالدول العربية وتوفير البيئة التشريعية الملائمة
منى الدغيمي
تناولت دراسة أعدها مدير إدارة البحوث الاقتصادية وأمين سر مجلس إدارة بنك الكويت الدولي د.صادق ابل القضايا التي تتعلق بالاندماج المالي في الدول العربية والسمات الأساسية للأنظمة المالية العربية واستعرضت التحديات التي تواجه المؤسسات المالية العربية في توسعة أنشطتها المتعلقة بالتدفقات المالية البينية واقترحت رؤية في تطوير وتنمية الاندماج بين الأسواق المالية ونظم المدفوعات العربية.
التدفقات المالية البينية
وأوضحت الدراسة أن حجم التدفقات المالية البينية من الصناديق ومؤسسات التنمية العربية إلى الدول العربية بلغت خلال الفترة من 1970 إلى 2008 نحو 140 مليار دولار.
وأشارت الدراسة إلى أن حجم هذه التدفقات بلغ في عام 2008 5.5 مليارات دولار بنسبة نمو 17% مقارنة بعام 2007 الذي بلغ حجمها فيه 4.7 مليارات دولار.
وأضافت ان التدفقات المالية تشكل نحو 0.7% من إجمالي الناتج القومي العربي، لافتة إلى انها نسبة جيدة مقارنة بالنسب العالمية للتدفقات المالية إلى الناتج القومي والتي تبلغ لدى الولايات المتحدة الأميركية نحو 0.98% والنرويج بنحو 0.88% والدنمارك نحو 0.82%، وهولندا بنحو 0.80%، مشيرة بهذا الخصوص الى أن غالبية التدفقات العربية البينية هي من مؤسسات حكومية او شبه حكومية ومعظمها من دول مجلس التعاون الخليجي، في حين بلغت التدفقات المالية العالمية الى الدول العربية نحو 120 مليار دولار تشكل التدفقات العربية البينية منها 4.6% فقط.
توظيف الفوائض المالية
وقالت الدراسة ان أهمية التدفقات المالية العربية تكمن في مساهمتها الفاعلة في التنمية العربية عبر توظيف الفوائض المالية من وحدات الفائض الى وحدات العجز، كما لها أيضا انعكاسات ايجابية على معدلات النمو الاقتصادي في الدول العربية، مشيرة إلى أن الدول العربية حققت وفقا لإحصاءات التقرير العربي الموحد للمؤسسات الاقتصادية العربية لعام 2009 نموا ملحوظا في ناتجها المحلي الحقيقي.
ولفتت إلى أن معدلات النمو الاقتصادي في جميع الدول العربية سواء لمجموعة الدول المستوردة للعمالة أو لمجموعة الدول غير المستوردة للعمالة كانت جيدة خلال عامي 2007 و2008.
التنمية الاقتصادية
وكشفت عن أن التدفقات المالية البينية تلعب دورا هاما في التنمية الاقتصادية العربية، مشيرة إلى أن التدفقات المالية العربية ساهمت خلال الفترة من 1970 الى 2008 في تمويل 471 مشروعا في 17 دولة عربية واستحوذت على نحو 28% من اجمالي تكلفة إجمالي المشاريع العربية، حيث بلغت نسبة مساهمة التدفقات العربية البينية الى اجمالي القروض والتمويل نحو 61.6%.
السمات الأساسية لبيئة التدفقات المالية
وأفادت بانه على الرغم من وجود عدد من المؤسسات العربية المتخصصة التي تعمل تحت مظلة ما يسمى بمجموعة التنسيق في شأن التدفقات العربية المالية البينية، الا انها مازالت تعمل بصورة شبه منفردة ولا يوجد تعاون وثيق فيما بينها، وهي مجموعتان، المجموعة التي تعمل في الدول العربية وهي عربية التأسيس وتساهم في مجال التدفقات المالية العربية البينية وعددها 7 مؤسسات (الصندوق الكويتي للتنمية العربية، وصندوق النقد العربي، والمؤسسة العربية لضمان الاستثمار، والصندوق العربي للانماء العربي الاقتصادي والاجتماعي، وصندوق ابوظبي للتنمية، والصندوق السعودي للتنمية، والبرنامج العربي الخليجي والأمم المتحدة للمساعدات والتنمية)، ثم المجموعة الثانية والتي تتألف من 3 مؤسسات وهي بنك التنمية الاسلامي، وصندوق أوپيك العالمي للتنمية والبنك العربي الأفريقي للتنمية الاقتصادية وهي تخدم الدول العربية وغيرها من الدول، وبمقارنة بعض المؤسسات العالمية مع ما هو موجود في الدول العربية من حيث الأهداف يلاحظ ان هناك مؤسسات عربية مناظرة لتلك الموجودة على مستوى العالم مثل صندوق النقد الدولي ويقابله صندوق النقد العربي، والبنك الدولي وتقابله المؤسسات والصناديق العربية، ووكالة الضمان وتقابلها المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، في حين لا يقابل المؤسسات العالمية التالية أي مؤسسات عربية مناظرة لها مثل مؤسسة التمويل الدولي، وبنك التسويات الدولية، ومنظمة التجارة العالمية. وهذه ليست دعوة لانشاء مؤسسات عربية جديدة ونسخ المؤسسات العالمية اذ من خلال المؤسسات العربية الحالية يمكن توسيع نطاق أعمالها لتغطي الأنشطة المفتقر اليها حاليا.
تحديات التدفقات المالية العربية
واستعرضت الدراسة ابرز التحديات التي تواجه التدفقات المالية العربية البينية لاسيما ضعف التجارة البينية العربية مقارنة بحجم التجارة العربية الدولية، وذلك على الرغم من معدلات النمو التي شهدتها التجارة العربية خلال الأعوام الخمس الماضية.
وقد عددت الدراسة كذلك أبرز أشكال التحديات التنظيمية في البيئة الاقتصادية العربية، لافتة إلى أن البيئة العربية التشريعية والقانونية في بعض الدول العربية تعاني من ضعف في مجال تشجيع التدفقات المالية العربية البينية، وذلك على الرغم من نجاح عدد كبير من الدول العربية في اتخاذ اجراءات جيدة في مجال تشجيع التدفقات المالية ومن أهم ما تم تطبيقه في معظم الدول العربية ما يلي:
ـ برامج الخصخصة وسياسات رفع القيود عن التحويلات المالية.
ـ منح المستثمر الأجنبي حرية الامتلاك والاستثمار المباشر وغير المباشر، وفتح الحسابات البنكية وغيرها.
ـ حماية الاستثمارات الأجنبية من التأميم.
ـ إنشاء عدد كبير من المناطق الحرة، وتخفيف قيود البيروقراطية واجراءات الرخص ومزاولة الاعمال الحرة وممارسة الاعمال بحرية واسعة.
ولفتت الدراسة إلى انه مع توافر كل هذه المتطلبات الأساسية، فإن هناك تحديات مؤسسية تواجه التدفقات المالية البينية العربية، لاسيما أنه لا توجد حتى الآن مؤسسة عربية واحدة متخصصة في منح التمويل الطويل الأجل مثل حالة البنك الدولي للانشاء والتعمير، ولا توجد مؤسسة عربية متخصصة في التسويات المالية ودعم القطاع الخاص العربي.
وأضافت أن معظم مؤسسات التمويل في الوطن العربي هي حكومية او شبه حكومية، مشيرة الى التحديات في الجانب التشريعي المتمثلة في غياب تشريع موحد للأسواق المالية العربية، اضافة الى قصور في جوانب الحوكمة والشفافية.
وعلى الصعيد القطري كشفت ان هناك تحديات على مستوى بعض الأقطار العربية، حيث تعاني هذه البلدان من القصور في البيئة التشريعية وضعف البنية المؤسسية، وعدم جاذبية البيئة الاقتصادية لعدم توافر البنية التحتية المطلوبة، فالقدرة التنافسية لبعض الدول العربية ضعيفة مقارنة بالدول الأخرى.
المعلومات والأبحاث
وتعرضت الدراسة إلى المشاكل التي تعاني منها معظم الدول العربية في مجال توفير المعلومات والبيانات والأبحاث، لافتة إلى أن هناك تخلفا واضحا في هذا المجال. وأكدت على أن الشمولية والدقة والمصداقية والتوقيت المناسب لصدور مثل هذه البيانات تعد مطلبا أساسيا لأي مستثمر يرغب بالاستثمار في الدول العربية، مشيرة إلى أن معرفة حركة التدفقات المالية ورصدها تعتبر عاملا أساسيا لدراستها والعمل على تنميتها.
التمويل الإسلامي
وطالبت الدراسة الدول العربية إيلاء أهمية خاصة للتمويل الاسلامي لما يتميز به من مرونة وفاعلية في توفير التمويل اللازم الذي يتصف بالمشاركة الفعالة في المشاريع المشتركة التي تخدم الطرفين وتنتج عنها قيمة مضافة حقيقية لاقتصادات الدول العربية المضيفة وتعمل على تشغيل جانب كبير من العمالة، على عكس التدفقات المالية الكبيرة التي تأتي الى البورصات العربية بهدف المضاربات وجني الأرباح السريعة والتي تتسبب في ارتفاعات وتضخم وتقلبات في اسعار الأصول وتخرج بسرعة عائدة الى مصادرها دون أي فائدة مرجوة على اقتصادات الدول العربية.
الرؤية المستقبلية والتوصيات
وتوصلت الدراسة إلى مجموعة من التوصيات دعت الى تعزيز التكامل الاقتصادي والمالي بين الدول العربية والإسهام في زيادة حجم التدفقات المالية العربية البينية والاستثمارات بهدف دعم المشاريع التنموية التي تقوم بها.
وقالت ان الاندماج والتكامل الاقتصادي والمالي بين الدول العربية يتطلبان إعداد إستراتيجية طويلة الأمد تأخذ بعين الاعتبار الأزمة المالية العالمية وابعادها وانعكاساتها على الدول العربية، ويتم من خلالها انشاء كيانات متعددة متجانسة تشكل نواة للاندماج الكلي بين الدول العربية في فترة زمنية لاحقة، على ان يتم تبني اصلاحات هيكلية لاقتصادات الدول العربية وتوفير البيئة المناسبة للتكامل الاقتصادي، ورفع حجم التجارة البينية والعمل على استقرار معدلات النمو الاقتصادي في الدول العربية، وان يتم التنسيق بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي.
وأكدت الدراسة في توصياتها على الحاجة الماسة لتفعيل دور القطاع الخاص وتشجيع استثمارات القطاع الخاص بالدول العربية وذلك من خلال توفير التشريعات والقوانين المشجعة لذلك.
هذا وقد أوصت الدراسة بتدعيم دور صندوق النقد العربي وذلك من خلال دعم ميزانيته واعطائه صلاحيات أوسع على غرار صندوق النقد الدولي وخاصة في مجال المشاورات مع الدول الأعضاء مثل مشاورات المادة الرابعة من اتفاقية صندوق النقد الدولي، وتعزيز دور صندوق النقد العربي في مجال البحوث وتوفير المعلومات والبيانات الدقيقة وتقديم الدعم الفني للدول الأعضاء.