محمد البدري
تمثل المشروعات الصغيرة والمتوسطة أهم دعائم اقتصادات الدول المتقدمة، والدول الآخذة في النمو، ويكفي ان نلقي نظرة سريعة على اقتصادات كل من الولايات المتحدة وكندا والمانيا والصين والهند وماليزيا لنعرف الاهمية الاقتصادية المتعاظمة التي اصبحت توليها مختلف دول العالم للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
ومع تواتر الحديث عن ضرورة تطوير مصادر للدخل الوطني رديفة او بديلة للنفط الخام، وبروز القطاع الصناعي كأحد أهم القطاعات الوطنية المرشحة بقوة للقيام بهذا الدور لما يمثله من قيمة اقتصادية وانتاجية مضافة، وما يمكن ان يتيحه من فرص عمل امام الآلاف من الخريجين، ناهيك عن قدرته على تشغيل العديد من القطاعات الاقتصادية الاخرى المساندة له، بالإضافة إلى السعي الحثيث لجعل الكويت مركزا ماليا وتجاريا في المنطقة.
في ضوء ذلك تبرز بقوة اهمية مثل هذه المشروعات نظرا للفوائد الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن ان تجنيها الكويت جراء تطويرها لقطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
انطلاقا من ذلك «الأنباء» تناقش واقع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في الكويت، وتستشرف مستقبلها في المدى المنظور.
مقومات تنافسية ومعوقات متراكمة
غني عن البيان بالقول التأكيد على أهمية تشجيع وتطوير المشروعات الصغيرة والمتوسطة من اجل تعزيز القدرات التنافسية للاقتصاد الكويتي، وعلى رأسها المشروعات ذات الطابع الصناعي والخدمي، لاسيما مع امتلاك الكويت مقومات بناء وتطوير هذا القطاع المتميز، وذلك بالنظر إلى توافر المواد الخام الطبيعية بما فيها النفط، كما توجد الموانئ المؤهلة والتي لا تحتاج لانفاق الكثير من الاموال على بنيتها التحتية، بالإضافة إلى الوفرة المالية الضخمة سواء من قبل الحكومة او القطاع الخاص، فضلا عن الجهود الحكومية على مدار العقد الاخير لتنمية هذا القطاع الحيوي للاقتصاد الوطني، ومن ذلك انشاء الحاضنات الصناعية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في الشويخ الصناعية، وتخصيص محفظة لتمويل هذه المشروعات تابعة لبنك الكويت الصناعي.
إلا أنه رغم توافر هذه المقومات، فإنها لم تستغل ـ حتى الآن على الأقل ـ على الوجه الاكمل نظرا لوجود العديد من المعوقات التي اعترضت ذلك على مدار العقود الماضية وحتى الوقت الحالي، وحالت دون افساح المجال لتكون تجربة المشروعات الصغيرة ـ لاسيما الصناعية منها ـ على نفس القدر المأمول خاصة بالنسبة للكويت صاحبة الريادة الاقتصادية فالمنطقة.
ويأتي في مقدمة هذه المعوقات:
1 غياب استراتيجية صناعية متكاملة تتضمن اهدافا واضحة ومحددة زمنيا لجهة النهوض بالصناعات الوطنية سواء الثقيلة منها والاستراتيجية او تلك المتوسطة والصغيرة او حتى الحرفية واليدوية.
2 بروز البيروقراطية التي تمثل العقبة الكأداء والتي هي العدو اللدود لكل مبادر ومبدع اقتصادي سواء من داخل الكويت او من خارجها، حيث طول الدورة المستندية وكثرة الاوراق الرسمية المطلوبة والبطء في انجاز المعاملات الصناعية، ما نجم عنه عزوف الكثيرين عن الاستثمار في الصناعة وتفضيل اما اختيار ايسر طرق الاستثمار ـ في سوق الاوراق المالية ـ او اجداها اقتصاديا مع نسبة مخاطر منعدمة تقريبا ـ من خلال الاستثمار في القطاع العقاري.
3 غياب التنسيق والتعاون المستمر بين الجهات التمويلية والتنظيمية التي تدعم وتعزز المشروعات الصغيرة في البلاد بما في ذلك الهيئة العامة للصناعة، واتحاد الصناعيين الكويتيين، وبنك الكويت الصناعي، وبرنامج اعادة هيكلة القوى العاملة والجهاز التنفيذي للدولة.
4 الافتقار، حتى وقت قريب، الى الجهود التسويقية للمنتج الصناعي الكويتي، بما في ذلك لدى الجهات الحكومية التي لم تكن تلتزم بقرارات مجلس الوزراء ذات الصلة بتخصيص نسبة معينة من مشترياتها السنوية من المنتج الوطني تشجيعا للمصنعين الكويتيين، فما بالنا بأصحاب المشاريع الصغيرة من المبادرين والمبادرات.
مستقبل واعد
رغم هذه المعوقات، يبقى التفاؤل حاضرا بقوة بأن المستقبل المنظور سيكون واعدا ومبشرا بكل خير للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، خاصة ان آليات التطوير واضحة ولا تحتاج لبذل جهد كبير أو لاجراء مزيد من الدراسات والاستشارات، ويظل رهنا بتوافر الارادة والعزيمة على الانجاز والتفعيل بعيدا عن الشعارات المرسلة او الطموحات الجامحة.
ويأتي في مقدمة آليات تطوير قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ما يلي:
1 تضمين الخطة الاستراتيجية التنموية «كويت حتى 2035» محورا رئيسيا للنهوض بهذا القطاع الحيوي باعتباره عصب التنمية الاقتصادية الحقيقية في العقدين القادمين، مع استكمال ذلك بصياغة برامج تنفيذية مرحلية محددة الاهداف ومؤطرة زمنيا بحيث يسهل متابعتها وبيان مدى تحقيقها للأهداف المرجوة.
2 ايجاد آلية عملية فعالة للتنسيق بين الجهات الحكومية والاهلية المعنية بقطاع المشروعات الصغيرة..
3 المضي قدما في تنظيم الحملات التسويقية والتوعوية بأهمية وجودة وتنافسية المنتج الصناعي الوطني بما في ذلك إقامة المزيد من المعارض والمؤتمرات والندوات التي تعزز العمل الحر والحرفي.
4 الزام الجهات الحكومية بشراء نسب معينة من احتياجاتها السنوية من منتجات المشروعات الصغيرة والمتوسطة، مع تشديد الرقابة عليها، وتوقيع الجزاءات الكفيلة بمعاقبة الجهات المخالفة لذلك والقائمين عليها.
5 تيسير الإجراءات وخفض نسب الفائدة على القروض التي تقدمها الجهات التمويلية الحكومية للمشروعات المتوسطة والصغيرة والصناعات اليدوية.
6 زيادة الاهتمام بالتعليم التطبيقي والتأهيل الفني لتخريج كوادر كويتية مؤهلة قادرة على النهوض بمواقع عملها الفني والصناعي.
7 انشاء المراكز التجارية في عواصم الدول التي تمثل شركاء تجاريين واقتصاديين استراتيجيين للكويت، ومن ثم المساهمة في فتح مزيد من الاسواق الخارجية امام تصدير المنتجات الصناعية الكويتية.
8 الاستفادة من التجارب العالمية والاقليمية الناجحة في مجال المشروعات الصغيرة، كما هو الحال في الهند، والصين، وسنغافورة، والبرازيل، وكندا، واستراليا وغيرها.