استشرت المشكلات من ايرلندا إلى البرتغال ثم امتدت لاسبانيا الأمر الذي يدفع الزعماء الأوروبيين إلى استنزاف صندوق للإنقاذ بقيمة تريليون دولار أسسوه منذ نحو ستة أشهر فقط للدفاع عن مشروعهم الطموح للوحدة النقدية. وتتصاعد الانتقادات داخل منطقة اليورو التي تضم 16 دولة ويتراجع التأييد العام للعملة الموحدة فيما يتمرد دافعو الضرائب الألمان على سلسلة من عمليات الانقاذ المكلفة ويبلغ الضجر من اجراءات التقشف في المنطقة مرحلة حاسمة.
وفي نهاية المطاف قد تعلن دولة أو أكثر أنها استكفت وتنسحب أو تضطر للخروج من المجموعة وتعود لعملتها الوطنية التي كانت تستخدمها قبل أن تقرر الانضمام الى مغامرة الوحدة النقدية والاقتصادية الأوروبية. وفي تطور كان ضربا من ضروب الخيال قبل بضعة أسابيع تعتقد مجموعة صغيرة ولكن متزايدة من الخبراء في الوقت الراهن أن صورة ما من هذا الاحتمال المرعب قد تتحول الى حقيقة لمنطقة اليورو إذا ما فشل واضعو السياسات في توحيد جهودهم لتطبيق استراتيجية أكثر فاعلية لإنقاذ الوحدة النقدية ومعالجة مخاوف المستثمرين حيال الاختلالات الاقتصادية والنقدية.
وحتى الآن تأتي التوقعات بتفكك منطقة اليورو من جانب المتشككين في بريطانيا الذين يرى بعضهم أن منطقة اليورو وسياساتها النقدية المفترض أن تناسب الجميع كانت الآفة وراء مشكلات الديون الأوروبية.
وهم يعتقدون أنه قد يكون من الصعب على منطقة اليورو ان تستمر بشكلها الحالي حتى وإن ظن كثيرون ان الاستمرار هو السيناريو الأكثر ترجيحا.
ويري آخرون أن مخاطر الاختلافات الاقتصادية بين قلب أوروبا المستقر ومنطقة اليورو المثقلة بالديون قد يشطر الاتحاد الى منطقتين «أوروبا الشمالية» و«أوروبا الجنوبية».
يقول العضو السابق في مجلس المديرين التنفيذيين لصندوق النقد الدولي والذي يرأس معهد السياسات الاقتصادية دومينيكو لومباردي «لا أظن اننا سنشهد خروجا من اليورو وعودة المانيا الى استخدام المارك لكن قد نرى تجانسا أكبر في منطقة اليورو بعد أن تتخلص من أصحاب الأداء الضعيف».
ولاتزال هذه الأصوات تمثل أقلية وبضعة من المتشككين على قناعة بأن منطقة اليورو ستتفكك قريبا.
وقال رئيس البنك المركزي الالماني «بوندسبنك» اليكس ويبر الاربعاء الماضي انه ليس هناك «أي سبيل للتراجع» عن اليورو وطمأن مستمعيه الفرنسيين إلى أن الساسة سيضخون بكل بساطة بالمزيد من الأموال إذ ما تبين أن شبكة السلامة الأوروبية وقيمتها تريليون دولار لا تفي بالغرض منها. وقالت كاتينكا باريش نائبة مدير مركز الاصلاح الأوروبي «في تقديري ان الساسة سيفعلون أقصى ما في وسعهم خلال السنوات القليلة المقبلة لانقاذ هذا الشيء. وتابع «إذا ما كانت تجلس في لندن فإنه أمر لا مفر منه. هم لا يفهمون الاستثمار السياسي. ينظرون الى أسعار السندات ويعتقدون أنه أمر محتوم».
ويرى جاكوب فونك كيركيجارد الباحث لدى معهد بيترسون للاقتصاد الدولي بواشنطن ان تفكك منطقة اليورو لايزال «أمرا غير متصور»، وأشار إلى تعامل المنطقة مع أزمة الديون في اليونان والذي خرجت فيه ـ بعد تأجيلات متعددة ـ عن القواعد المألوفة وتحركت بسرعة لوقف التدهور.
وأردف «إذا ما كان اليورو في خطر حقيقي يمكن للمرء أن يتوقع استجابة أكثر فاعلية بكثير. كنا سنرى البنك المركزي الأوروبي يطبع أوراق بنكنوت فئة 500 يورو ويسقطها بطائرات الهليكوبتر قبل أن تضطر اسبانيا الى اعلان تخلفها عن سداد ديونها أو تعريض اليورو للخطر».
وتوقعت الأسبوع الماضي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن يعود الفائض الحالي في الميزان الجاري لالمانيا الى مستويات مرتفعة تبلغ نحو 7% من الناتج المحلي الاجمالي بحلول عام 2012، كما تكهنت بأن تشهد اليونان والبرتغال عجزا يبلغ 5.9 و8.0% على التوالي في 2012، وهو ما ينخفض كثيرا عن مستويات العجز في الدولتين قبل الأزمة والتي جاءت في خانة العشرات لكنها رغم الانخفاض لاتزال مستويات مرتفعة. ووصف وزير مالية سلوفاكيا العضو الجديد في منطقة اليورو يوم الأربعاء الماضي احتمال تفكك المنطقة انه احتمال «واقعي للغاية» بعد يوم من ابلاغ المستشارة الالمانية انجيلا ميركل البرلمان بأن اليورو في موقف «خطير بصورة استثنائية».
وقال لومباردي «هذه أزمة منهجية تتطلب استجابة منهجية لكننا لم نر ذلك حتى الآن. يتم معالجة الأزمة في كل دولة على حدة أولا اليونان والآن ايرلندا. ويمكنك أن تثق بأنها لن تكون الدولة الأخيرة».