سلطت المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات «ضمان» في عددها الاخير من مجلة «ضمان الاستثمار» الضوء على مؤشر النفاذ لأسواق المال المحلية والدولية وأهم نتائجه خلال العام 2010.
ولفتت «ضمان» في بداية دراستها الى تزايد أهمية عنصر رأس المال في العملية الاستثمارية بشكل خاص في الدول النامية، ومنها عدد كبير من الدول العربية غير النفطية التي تعاني نقصا حادا في مصادر التمويل اللازمة للإنفاق على المشاريع المختلفة، ونظرا لاضطلاع القطاع الخاص بدور متزايد الاهمية في دول العالم المتقدم منذ زمن بعيد، وكذلك في الدول العربية، منذ فترة ليست بالقصيرة، فقد كان من الضروري أن يتم التركيز على سبل تعزيز دور القطاع الخاص من مختلف النواحي، وفي مقدمتها قدرته على النفاذ لأسواق رأس المال المحلية والعالمية، والحصول على الاموال اللازمة لانطلاقته وتأسيس مشاريعه.
وتتعاظم أهمية الحصول على رأس المال في الأزمات، خصوصا الأزمات المالية التي يمر بها العالم من وقت لآخر، ففي الآونة الاخيرة واجه العالم أزمة مالية حادة نجمت بشكل رئيسي عن أزمة الرهن العقاري الأميركي ترتب عليها انهيار وخسارة العديد من المؤسسات المالية العالمية، ومعاناة غالبية مؤسسات الأعمال حول العالم من شح في الائتمان ونقص شديد في المصادر البديلة للحصول على رأس المال.
ومن هذا المنطلق قام معهد ميلكن الاميركي قبل 11 عاما بأولى محاولاته لرصد مدى مرونة أو سهولة حصول أصحاب الاعمال في مختلف الدول حول العالم على رؤوس الاموال اللازمة لتمويل مشاريعهم، وأصدر ما يسمى بمؤشر النفاذ لأسواق رأس المال محليا ودوليا، حيث هدف المعهد الى تحقيق أهداف عامة تمثلت في تحسين مستويات المعيشة والظروف الاقتصادية لمختلف شرائح السكان حول العالم وذلك من خلال تقديم المساعدة لرجال الأعمال وصانعي السياسات على تصميم وتنفيذ الابتكارات الجديدة لتحقيق الرفاه الاقتصادي على نطاق واسع، وإيجاد سبل لتوليد رؤوس الاموال لأصحاب الأعمال والشركات الجديدة.
ولتحقيق تلك الاهداف يركز مؤشر الحصول على رأس المال على: رصد مدى امكانية وقدرة حصول أصحاب الاعمال القائمة والجديدة في دول العالم على رؤوس الاموال اللازمة لأعمالهم، وقياس القوة النسبية لتمويل الشركات في مختلف الدول.
وقياس مدى اتساع وعمق وحيوية أسواق المال، وقياس مدى انفتاح الدول على اتاحة الحصول على رؤوس الاموال دونما تمييز، وهو ما يجسد توجها عالميا لإتاحة رؤوس الاموال بعقلية أكثر عدالة، وإلقاء الضوء على الدول التي يتعين عليها اتخاذ المزيد من الاجراءات المناسبة لتخفيف المعوقات التي تحول دون الحصول على مصادر التمويل، وتحفيزها لتطوير البنية التحتية المالية اللازمة لدعم قطاع الاعمال، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام.
يتكون المؤشر الكلي للنفاذ لأسواق رأس المال المحلية والدولية من 7 مؤشرات فرعية، منها: بيئة الاقتصاد الكلي ومدى تطور المؤسسات المالية والمصرفية ومدى عمق أسواق الاسهم والسندات ومصادر رأس المال البديلة المتاحة في 122 دولة حول العالم، من بينها 12 دولة عربية، ويتم الاعتماد في قياس المؤشرات الفرعية على قيم 56 متغيرا اقتصاديا وماليا ومؤسسيا، وتمثل الدول التي يشملها المؤشر للعام 2010 نحو 94% من الاجمالي العالمي لعدد السكان، ونحو 95% من الناتج المحلي الاجمالي العالمي، وتمتلك 98% من الاصول المالية العالمية.
المؤشرات الفرعية المكونة للمؤشر الكلي
1 - بيئة الاقتصاد الكلي: يقيس هذا المؤشر الفرعي مدى ملاءمة الظروف المحيطة بالمشروع أو الشركة من خلال رصد قيم متغيرات اقتصادية شملت: معدلات التضخم وأسعار الفائدة ومعدلات الضرائب، وقياس مدى بلوغ سوق المال لمستويات النضج والعمق المالي وفقا للمعايير الدولية المتفق عليها.
2 - البيئة المؤسسية: يقيس هذا المؤشر درجة الدعم المالي الذي توفره المؤسسات المالية لأغراض تمويل المشاريع والشركات التجارية، وذلك عن طريق رصد متغيرات مؤسسية شملت: حماية حقوق الملكية، نزاهة النظام القضائي، كفاءة إجراءات الإفلاس، ومستويات انتشار الفساد.
3 - المؤسسات المالية والمصرفية: يقيس مدى مساهمة مؤسسات الوساطة المالية التي لها حق الاحتفاظ بالودائع المصرفية ومنح القروض في تمويل المشاريع وشركات الاعمال التجارية، من خلال رصد مؤشرات مصرفية، شملت: مدى إتاحة الائتمان المصرفي للقطاع الخاص سلامة المؤشرات المالية لمؤسسات الوساطة المالية، سهولة الحصول على القروض من المصارف، وكفاءة القطاع المصرفي.
4 - مدى نمو سوق الأسهم: يقيس مدى أهمية تمويل حقوق الملكية من خلال رصد متغيرات مالية، شملت: القيمة السوقية للأسهم كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. درجة سيولة الأوراق المالية، وعدد الشركات المدرجة.
5 - مدى نمو سوق السندات: يقيس مدى أهمية تمويل المشاريع من خلال متغيرات شملت: قيمة السندات الخاصة والعامة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة الأوراق المالية المضمونة بأصول من الناتج المحلي الإجمالي.
6 - مصادر بديلة للحصول على رأس المال: يقيس مدى تنوع وتعدد مصادر التمويل المتاحة مثل: رأس المال المغامر، بطاقات الائتمان، وأساليب الاكتتاب المغلق.
7 - التمويل الدولي: يقيس توافر رأس المال الأجنبي للشركات بناء على متغيرات تشمل: تقلبات أسعار الصرف، رصيد الاحتياطات الدولية، استثمارات محفظة الأوراق المالية والاستثمار الأجنبي المباشر، تدفق رؤوس الأموال الواردة والصادرة، والتصنيف السيادي.
وضع دول العالم في المؤشر
حلت مجموعة الدول الصناعية (27 دولة) في المراكز الثلاثين الأولى من الترتيب العالمي، حيث تقدمت 13 دولة في الترتيب، وتراجعت 8 دول، في حين استقرت باقي الدول الصناعية عند نفس ترتيبها للعام السابق، وقد حافظت كندا وهونغ كونغ على صدارة الترتيب العالمي بالمركزين الأول والثاني للعام الثاني على التوالي.
ويرجع الأداء المتميز لكندا الى التحسن النسبي في جميع المؤشرات الفرعية، باستثناء مؤشر سوق الأسهم، بينما تركزت أبرز نقاط القوة في سوق السندات والتمويل الدولي، اضافة لمواصلة الاستفادة من الاستقرار في بيئة الاقتصاد الكلي، والبيئة المؤسسية وتنمية القطاع المصرفي.
أما هونغ كونغ، فقد تصدرت الترتيب العالمي في مؤشري بيئة الاقتصاد الكلي والتمويل الدولي، حيث حظيت ببيئة مستقرة للائتمان المصرفي أدت الى جذب العديد من المستثمرين المحليين والأجانب، ومن ثم تنفيذ مشاريع عدة، اضافة الى انخفاض معدلات الضرائب وتراكم الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي، الا انها لاتزال في حاجة لتطوير وتنمية سوق السندات.
في حين احتلت المملكة المتحدة وسنغافورة المركزين الثالث والرابع على التوالي، وعلى الرغم من تأثر المملكة المتحدة بشكل ملحوظ من الأزمة المالية العالمية، الا ان قوة سوق السندات ساهمت في تخفيف تباطؤ الإقراض المصرفي، حيث تجاوزت معدلات طرح سندات الشركات نظيرتها الحكومية، وفي حين شهدت سنغافورة بعض التحسن في مؤشري التمويل الدولي وسوق السندات، تراجعت، بدرجة محدودة، في مؤشري مصادر التمويل البديلة وسوق الأسهم.
وتمكنت الولايات المتحدة الأميركية من البقاء في قائمة أفضل عشر دول خلال العام، وعلى الرغم من تأثرها بتداعيات الأزمة المالية العالمية بشكل حاد الا انها ارتفعت ترتيبها مركزا واحدا لتحتل المركز الخامس عالميا، ويعزى ذلك لعدد من الأسباب منها: زيادة الائتمان الحكومي قصير الأجل للشركات، بما عوض سكون سوق الائتمان الخاص الى حد كبير، تمتعها بأعلى تصنيف للودائع والديون السيادية بفضل نظام التأمين والضمانات، أهمية الدولار كمكون رئيسي للاحتياطيات الرسمية حول العالم، اضافة الى تركز الاستثمارات الدولية، أثناء الأزمة الأخيرة، في سندات الخزانة والأوراق المالية الأميركية، مما أدى الى توفير التمويل للحكومة والشركات والأسر الأميركية.
وفي إشارة واضحة للحاجة الملحة لتطوير أسواق المال المحلية واتاحة التمويل الدولي للشركات في الدول الأفريقية، جاءت 17 دولة أفريقية ضمن قائمة أسوأ 20 دولة في المؤشر لهذا العام، حيث عانت جميع هذه الدول تقريبا من ضعف في بيئاتها المؤسسية، مما يحتم على المجتمع الدولي ضرورة تقديم يد العون والمساعدة من أجل تحسين البنية التحتية الاقتصادية، وتوفير قاعدة مستقرة لتمويل الأعمال التجارية الخاصة في هذه الدول. يرصد المؤشر منذ انطلاقه قبل 11 عاما أداء 12 دولة عربية فقط هي: الإمارات، الكويت، سلطنة عمان، السعودية، لبنان، الأردن، تونس، مصر، المغرب، اليمن، سورية، موريتانيا، وتراوح ترتيب تلك الدول في مؤشر عام 2010 بين المركزين 22 و116 عالميا وتشير بيانات المؤشر الى تقدم الدول العربية على نظيراتها في الدول النامية في عدد من المؤشرات الفرعية المكونة للمؤشر الكلي، لاسيما مؤشرات بيئة الاقتصاد الكلي، مؤشر سوق السندات، مؤشر البيئة المؤسسية، ومؤشر التمويل الدولي. وتصدرت الإمارات الترتيب عربيا ببلوغها المركز الثاني والعشرين عالميا، تلتها الكويت بالمركز الثلاثين، ثم سلطنة عمان 35، فالسعودية 36، ولبنان 39، في حين تراوح ترتيب باقي الدول العربية عالميا ما بين المركزين 46 للأردن والمركز 116 لموريتانيا.
كما تقدمت 8 دول عربية في ترتيبها العالمي مقارنة بالعام السابق، نسبة لإحرازها تحسنا في بعض المؤشرات الفرعية.
وتشير بيانات المؤشر الكلي ومؤشراته الفرعية ما بين عامي 2007 و2009 الى تمكن 10 دول عربية من تحسين قيمة مؤشراتها الفرعية والمؤشر الكلي مما ادى الى تحسن ترتيبها العالمي.