عمر راشد
لاحظت الدول الصناعية الغربية أن صناديق الثروة السيادية أخذت تنمو بشكل كبير وواسع خلال الفترة الأخيرة؛ حيث قدر إجمالي حجم الأموال التي ضختها تلك الصناديق في بورصة وول ستريت عام 2007 بنحو 40 مليار دولار، كما بدأت تلك الصناديق تدخل في صفقات ضخمة مثل صفقة شراء موانئ دبي لشركة بريطانية تدير موانئ أميركية رئيسة، وشراء الصناديق لحصص كبيرة نسبيا في شركات أميركية وأوروبية عملاقة مثل «سيتي جروب»، و«مورغان ستانلي»، و«بير ستيرن»، و«ميريل لينش»، و«يو بي إس»، وغيرها من الشركات، مما أثار لديها مخاوف من هيمنة تلك الصناديق السيادية على حصص كبيرة في شركات عملاقة أو دخولها إلى قطاعات البنية التحتية الاستراتيجية مثل الموانئ والمطارات وسكك الحديد، أو دخولها إلى صناعات استراتيجية مثل التكنولوجيا والاتصالات والطيران والطاقة، وخاصة الطاقة النووية، والصناعات الحربية وغيرها، لاسيما أن أغلب تلك الصناديق تملكها وتديرها حكومات، وبالتالي فإذا ما حدث ذلك فسيكون لتلك الصناديق تأثير كبير في صنع القرار الاقتصادي، وبالتالي يكون للدول المالكة لتلك الصناديق سلطة التدخل في صناعة القرارات الاقتصادية المهمة في الدول الصناعية، أي التدخل في سيادة الدولة والتأثير في أمنها القومي.
كما لاحظت الدول الصناعية المستضيفة لثروات الصناديق السيادية أن البيانات المالية لتلك الصناديق تنقصها الشفافية ودقة الإفصاح اللازمة للأمن القومي لتلك الدول.
وانطلاقا من ذلك بدأت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي بالتفكير جديا في كيفية وضع مزيد من القيود والضوابط على تلك الصناديق السيادية للحد من حريتها.
بيد أنها اصطدمت مباشرة بمبادئ الاقتصاد الرأسمالي الحر التي تشدد على حرية كل من المستثمر والمنتج والمستهلك، وكذلك مبادئ منظمة التجارة العالمية التي تؤكد هي الأخرى المبادئ ذاتها، إضافة إلى تأكيدها مبدأ المعاملة بالمثل.
علاوة على الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية الموقعة بين البلدان والتي تؤكد الحرية الاقتصادية أيضا.
من هذا المنطلق فإن الدول الصناعية الغربية تفكر الآن في كيفية الاحتيال على تلك المبادئ الثابتة التي وضعتها بنفسها، ومن ثم استغلال ثروات تلك الصناديق والاستفادة منها بأقل التكاليف الممكنة، ولاسيما أن تلك الثروات الفائضة تشكل زيادة في عرض المال، وبالتالي فإنه ما دام العرض مرتفعا فإن عوائد تلك الأموال يفترض أن تكون منخفضة وفقا للمنطق الاقتصادي للدول الصناعية.
ورغم ذلك فإن الدول الصناعية الغربية، كحكومات وكأفراد، لم يتبلور لديها موقف واضح موحد من صناديق الثروة السيادية، وقد تخضع ذلك إلى التصويت في برلماناتها بصفتها دولا ديمقراطية؛ فهناك من يرحب بصناديق الثروة السيادية ويقيم دورها على أنه إيجابي وبناء، وهناك من يرى عكس ذلك.
ولا شك أن احتدام المنافسة في تلك الأسواق قد يدفع كثيرا من المستثمرين إلى سلوك طرق ملتوية ووضع حيل كثيرة للاستئثار بالسوق وطرد تلك الصناديق منه.
غير أن الدول المالكة لتلك الصناديق السيادية يجب ألا تستسلم بسهولة؛ فالأنظمة والمبادئ والأعراف الدولية في صفها كما أشرنا.
كما أن الثروة الإجمالية لتلك الصناديق مجتمعة، رغم ضخامتها وسرعة نموها قد تعادل أصول شركة واحدة أو شركتين من الشركات الغربية العملاقة.
ويجب كذلك على الدول المالكة لتلك الصناديق أن تفكر بجدية في زيادة نسبة استثماراتها محليا وإقليميا مهما كانت درجة المخاطر والتضحيات، ومهما كان حجم الإيرادات المتوقعة، وذلك لأن العوائد الاجتماعية والثقافية والمعنوية والترابط الإقليمي لا يقل أهمية عن الإيرادات المالية.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )