قال التقرير الشهري لشركة سبائك للإجارة والاستثمار ان سوق التأجير التقليدي والإجارة الإسلامية في العالم، ينمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ سيتعدى حجم هذا السوق عالميا مبلغ 700 مليار دولار في 2008 فقط.
واعتبرت دراسات متخصصة في هذا المجال أن سوق التأجير مسؤول عن خمس إنفاق العالم على تمويل المعدات سنويا، ومع معدل نمو سنوي 7% خلال 20 عاما مضت، ويبدو سوق التأجير مختلفا اليوم، ومن المتوقع أن يكون مشرقا في المستقبل.
ويعتبر التأجير في المنطقة مفهوما جديدا نسبيا، مع انحسار معظم عمليات التأجير في السابق بقطاع المرافق العقارية والسيارات، وقد ساهمت السيولة المتراكمة بين أيدي الأفراد والشركات، وكذلك التمويل الائتماني السهل الذي تتيحه البنوك بتأخير انتشار هذا المفهوم على نطاق واسع في الخليج، بيد أن مرحلة النمو قد انطلقت منذ أعوام قليلة.
عوامل النمو
ينقسم سوق تأجير المعدات إلى قسمين:
تقليدي وإسلامي، لكن المفهوم لم يجد طريقه للانتشار بقوة في المنطقة إلا عبر المؤسسات الإسلامية خصوصا أن الفائدة الربوية ممنوعة، والشريعة تفرض وجود أصل لإتمام عملية التمويل، ومع نمو الصناعة المالية الإسلامية بدا سوق التأجير مستفيدا في هذا الإطار، وعلى وجه الخصوص التأجير الموافق للشريعة.
وينتشر حول العالم نوعان منه: الأول، هو عقد الإيجار التشغيلي.
والثاني: الإجارة المنتهية بالتملك، أو إجارة واقتناء، وهي:
أن يستأجر العميل معدات أو مرافق من صاحب الملك لمدة يتفق عليها، ويقدم صاحب الملك المعدات أو المرافق إلى المؤجر بعد انتهاء المدة المحددة ودفع جميع مبالغ الإيجار، وهذا النوع يعرف أيضا بالإجارة التمويلية.
ومن المتوقع نمو سوق الإجارة بوتيرة أسرع من سوق تأجير المعدات التقليدي لأسباب عدة:
- الإنفاق الرأسمالي في المناطق الإسلامية ينمو بشكل أسرع من المعدلات العالمية.
- التوجه الإسلامي الذي ينتشر بين أوساط العملاء في الدول العربية والدول ذات الأغلبية المسلمة.
- مستويات الاختراق للمنتجات الموافقة للشريعة في المناطق المسلمة وغير المسلمة لاتزال غير ناضجة بالمعنى الحقيقي للكلمة.
- الطفرة الاقتصادية والمالية التي تشهدها المنطقة بشكل عام، وذلك بفضل أسعار النفط المرتفعة مما خلق مستويات عالية من السيولة لدى المستهلكين.
مزايا عديدة
كجميع المنتجات أو الخدمات المالية تطور مفهوم إجارة المعدات في الفترة القليلة الماضية، وهو مفهوم قابل للتطوير بشكل كبير على المدىين القريب والمتوسط.
لكن ما المعدات التي يمكن تأجيرها؟
كل عين قابلة للتأجير بشقيها التمويلي والتشغيلي، وبمرونة قد لا تتوافر في الكثير من أنواع البيع المباح شرعا.
وأبرز ما يؤجر في المنطقة: المرافق العقارية بجميع أنواعها، معدات البناء والمقاولات، وسائل النقل: كالسفن، والطائرات، والسيارات، المعدات الالكترونية وغيرها.
وتتوافر في الإجارة مزايا متعددة بدأ يدركها العملاء والمستهلكون في دول الشرق الأوسط وبشكل خاص دول مجلس التعاون الخليجي، ومن هذه المزايا:
تحرر مال العميل من احتباسه في أصول مختلفة، فهو غير مضطر الى إنفاق الغالي والنفيس لشراء معدات قد تأتي بعوائدها بعد وقت طويل، فيكون مال العميل حرا طوال فترة التأجير وليس حبيسا فيما تبقى من القيمة السوقية للسلعة المستهلكة أو المستعملة.
عند شراء معدات ما ينتفع بها تكون القيمة الحقيقية كامنة بقدر المنفعة المرجوة من السلعة المشتراة، لكن الثمن المدفوع يتجاوز في بعض الأحيان قيمة حق الانتفاع ليشمل القيمة المتوقعة بعد الاستهلاك خلال فترة افتراضية، ويلحق ذلك تبعات وأعباء، أما الإجارة فهي عبارة عن دفع قيمة حق الانتفاع فقط، وتتلحق بذلك منافع عدة.
تسقط الأقساط الإيجارية في حال هلاك السلعة أو فسخ عقد الإجارة بالتراضي فهي ليست دينا ثابتا، ويتم في هذه الحال إرجاع العين المؤجرة إلى الشركة وتسقط الأقساط الإيجارية المتبقية.
إمكانية التجديد والتحديث دون تكاليف باهظة.
توفر الإجارة القدرة على تقسيط الدفعة الأخيرة من خلال الشراء بالتقسيط أو إرجاع التأجير لمدة أخرى.
تتميز أيضا بإمكانية الحصول على خصم من المديونية عند شراء العين المؤجرة، وهو ما يعرف بخصم السداد المبكر دون الوقوع في شبهة الربا المحرم شرعا.
تقدم الإجارة إمكانية تملك السلعة عند نهاية العقد أو إرجاعها للشركة أو استبدالها بسلعة أحدث وتعاقد جديد.
من المنافع أيضا الكفالة الممتدة طوال فترة التعاقد، بالإضافة إلى التأمين التكافلي الشامل لتكون السلعة مغطاة عن الأخطار، وهذا ما لا يوفره التأجير التقليدي إلا في حال وضعت هذه الشروط في عقد التأجير، مما يرتب على المستأجر تكاليف إضافية.
تتمتع الإجارة بشقيها التمويلي والتشغيلي بمرونة كبيرة، ولعل أوضح أوجه هذه المرونة تتجلى في ارتباط نسبة الدفعات الأخيرة قيمتها بقيمة الأصل المؤجر المتوقعة عند نهاية مدة التعاقد، وليست مرتبطة بشكل مباشر بالقدرات الائتمانية للعميل.
سهولة الإجراءات تشجع العملاء على التوجه نحو هذا الخيار في أعمالهم.
عدد الشركات
وللمزايا التي ذكرناها، والعوامل التنموية للإجارة بدأت تتسع بقعة انتشار مفهوم الإجارة الإسلامية في المنطقة، خصوصا مع تأسيس عدد كبير من الشركات المتخصصة في هذا المجال خلال الأعوام القليلة الماضية، وعادة تطبق المؤسسات في الخليج هذا المفهوم في أعمالها إلى جانب خدمات التمويل أو الاستثمار بشكل عام غير أن كيانات بدأت تتأسس في العامين الماضيين يعتمد صلب أعمالها على الإجارة، كالشركة الدولية للإجارة وشركة أعيان في الكويت، وبنك الإجارة الأول في البحرين، وهذا على سبيل المثال لا الحصر.
وتقدم هذه الشركات الإجارة والتمويل للأفراد والمؤسسات عبر برامج التأجير التشغيلي أو التمويلي، ويمكن للعملاء نيل منفعة الاستغلال أو تملك ما يتناسب مع حاجاتهم ورغباتهم من السيارات والشاحنات والمعدات والمواد الإنشائية من خلال هذه البرامج.
ولم تحدد دراسات أو إحصاءات رسمية عدد الشركات العاملة في هذا المجال في المنطقة إلى الآن، بيد أن أرقاما غير رسمية تشير إلى ارتفاع عدد مؤسسات التأجير التقليدي والإجارة الإسلامية في دول الخليج الست ليتخطى الـ 45 شركة، تختلف أعمالها بين تأجير المعدات والمرافق، وتتراوح رؤوس أموالها بين مليون و200 مليون دولار، وتتركز شركات الإجارة بشكل كبير في الكويت والبحرين، وبدأت تجد ضالتها في السوق الإماراتي في الفترة القليلة الماضية، في حين مازالت البنوك تسيطر على هذه الصناعة في السعودية.
وتعتبر شركات تأجير وسائل النقل الأكثر شهرة في هذا المجال على الصعيدين الإعلامي والإعلاني، كما شهدت المنطقة في الأعوام القليلة الماضية طفرة في صناديق الإجارة التي تساهم في نمو السوق أيضا.
وفي السياق نفسه تلعب البنوك الخليجية والعربية دورا بارزا في التأجير التشغيلي للمعدات أو المنتهي بالتملك، وذلك منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومازالت المصارف تسيطر على حوالي 40 % من إجمالي هذا السوق في المنطقة، سواء بطريقة مباشرة عبر توفير الخدمات المناسبة أو بطريقة غير مباشرة عبر أذرع مؤسسية أنشئت لهذا الغرض، ومن أبرز اللاعبين في هذا القطاع بيت التمويل الكويتي وبنك دبي الإسلامي.
وتتجه شركات إجارة عدة في المنطقة نحو أسواق إسلامية واعدة في العالم مثل باكستان ومصر وتركيا وإندونيسيا والمغرب واليمن والأردن لتحقق نتائج مرضية من أول سنوات عمل هناك.
تشريعات وقوانين
بدأت بعض دول المنطقة - وإدراكا منها أهمية سوق الإجارة- بوضع أطر تشريعية وقوانين لتنظيم هذا القطاع، فعلى سبيل المثال، عمدت مملكة البحرين في عام 2003 الى تطوير ترخيص خاص لتنظيم أنشطة الإجارة، ويفصل هذا الترخيص أعمال الإجارة عن النشاط المصرفي، خصوصا أن الكثير من هذه الأعمال تمارس بشكل ما من قبل البنوك والمؤسسات المالية، لذلك تخضع لرقابة البنوك المركزية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن العديد من الحكومات في المنطقة بدأت تتخلى عن الممارسات التقليدية القائمة على تملك وإدارة وتمويل القطاعات الاستراتيجية مثل المرافق العامة وشركات الملاحة والخطوط الجوية، وهي تسعى لإيجاد أنجح السبل لإدارة موازناتها على نحو أفضل، ولا شك في أن التأجير سيلعب دورا مهما في عملية الخصخصة من خلال الحد من المشتريات وتمويل عمليات البيع، فمثلا، تتيح صناعة الطيران وحدها في المنطقة سوقا يقدر حجمه بحوالي 200 مليار دولار في السنوات القليلة المقبلة.
ولعل أبرز التحديات التي تواجهها صناعة الإجارة في المنطقة هي ضعف القوانين والتشريعات المنظمة، فمازال المشرع في دول الخليج والدول العربية بشكل عام لا يفرق بين أدوات التأجير العادية والأدوات المعقدة، كما هو حاصل في معظم الدول المتقدمة أمثال بريطانيا والولايات المتحدة، وكذلك يجدر التفريق في القوانين أيضا بين التأجير الاستهلاكي (مثل السيارات) وتأجير المعدات لاستخدام الشركات، تماما كما التفريق بين خدمات الأفراد وخدمات المؤسسات في القطاع المصرفي.
توقعات مستقبلية
في الحقيقة لايزال تأجير الموجودات يمثل خيارا غير مستغل لتمويل المشاريع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بيد أنه يتميز بإمكانيات هائلة للنمو.
وتتوقع «سبائك» أن يقفز حجم سوق التأجير العالمي، التقليدي والإسلامي، إلى تريليون دولار في السنوات الخمس المقبلة.
وتبلغ حصة الشرق الأوسط 10% من إجمالي هذه الصناعة، لتكون المنطقة عاشر أكبر سوق إجارة في العالم، ومن المتوقع أن تصبح مصدرا خصبا لتأجير المعدات، فعلى سبيل المثال ترافق الطفرة العقارية في دول الخليج العربي موجة من تأجير معدات البناء والإنشاء لا مثيل لها في العالم كله.
يشار هنا إلى أن الولايات المتحدة الأميركية وحدها تستحوذ على ثلث سوق التأجير العالمي مع حصة تتجاوز 220 مليار دولار من الإجمالي.
وفي السياق نفسه بدأت قاعدة عملاء إجارة المعدات في المنطقة تتوسع لتضم شرائح مختلفة من الشركات والأفراد، وهذا ما دفع شركات الإجارة إلى الاهتمام بقطاعات خدمات العملاء محاولة جذب زبائن جدد لمنتجاتها والاحتفاظ بالزبائن القدامى عبر مروحة من الخدمات المتنوعة.
تحديات
على الرغم من التوقعات المتفائلة للقطاع في المنطقة، إلا أن سوق الإجارة لايزال يواجه تحديات جمة، أبرزها:
- ضعف البيئة التشريعية والقانونية كما سبق ان ذكرنا.
- قلة الكوادر البشرية المحترفة أو المتدربة في هذا المجال.
- غياب المعلومات الائتمانية والبيانات والأرقام عن السوق.
- قلة الخبراء المتخصصين في هذا المجال خصوصا مع توسع مروحة المعدات المؤجرة.
- الوعي غير الكافي بأهمية هذه الصناعة في توفير التمويل المناسب للطفرة الموجودة حاليا في المنطقة.
- ضعف الثقافة في التفريق بين أدوات المال الإسلامي.
فعلى سبيل المثال لا يفرق الكثير من المستهلكين بين المرابحة والإجارة التشغيلية.
- احتدام المنافسة خصوصا مع الشركات العالمية، والتي تعتبر الشريك الاستراتيجي للكثير من الشركات المحلية في هذا المجال.
- بالنسبة للشركات الإسلامية، يشكل النقص في أعضاء الهيئات الشرعية تحديا آخر.
- إدارة المخــــــاطر ضعيفة في هذا السوق الجديد نسبيا، كما سبق ان ذكرنا.
ولعل التحدي الأكبر لصناعة الإجارة في الخليج هو ثقافة المواطنين والشركات ونزعتهم نحو تملك الأصول.
وقد يكون الوقت مناسبا اليوم لنمو قوي في سوق التأجير خصوصا مع الطفرة في الخدمات المالية وانفتاح المستثمرين إلى أصول منتشرة في أصقاع الأرض الأربعة.
وفي الختام تتوقع «سبائك» أن تكون الإجارة أحد أضلع عملية التنويع الاقتصادي لدى الحكومات والمؤسسات في الخليج، لتقود في المستقبل جزءا لا بأس به من النمو في دول مجلس التعاون الخليجي، فالعالم الإسلامي مازال في بداية اكتشافه لهذه الصناعة الناشئة، التي تقدم فرصا عديدة على طبق من ذهب.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )