توقع التقرير السنوي لآفاق النمو العالمي لعام 2009 الصادر عن البنك الدولي، انكماش حجم التجارة العالمية للمرة الأولى منذ عام 1982.
مشيرا الى ان التباطؤ الحاد في الاقتصاد العالمي أدى إلى تراجع أسعار السلع الأولية لينهي بذلك طفرة تاريخية امتدت لسنوات خمس.
وقال التقرير انه بعد فترة طويلة من النمو القوي الذي قادته البلدان النامية فإن الاقتصاد العالمي يمر حاليا بمرحلة انتقالية إلى حالة بالغة من عدم اليقين والغموض، وذلك من جراء الآثار الشديدة التي ألحقتها الأزمة المالية في الدول المتقدمة بالأسواق العالمية.
متوقعا نمو إجمالي الناتج المحلي العالمي بنسبة 2.5% في عام 2008 و0.9% في عام 2009، ورجح انخفاض معدل النمو في الدول النامية من 7.9% عام 2007 إلى 4.5% في العام المقبل في حين ستشهد الدول مرتفعة الدخل نموا سلبيا.
وقال رئيس الخبراء الاقتصاديين والنائب الأول لرئيس البنك الدولي لشؤون اقتصاديات التنمية جستن لين «اضطر الناس في الدول النامية إلى مواجهة صدمتين خارجيتين كبيرتين هما الارتفاع الشديد في أسعار المواد الغذائية والوقود، ثم الأزمة المالية التي جاءت في أعقاب ذلك مما أدى إلى تراجع حدة التوترات في أسواق السلع الأولية، لكنه يضع الأجهزة المصرفية على المحك، ويهدد بتزايد معدلات البطالة في مختلف أنحاء العالم».
وأكد لين على ضرورة اتخاذ خطوات عاجلة للمساعدة على الحد من وطأة الآثار الناجمة عن هذه الأزمة على الاقتصاد الحقيقي وعلى الشرائح الأكثر فقرا في العالم وذلك من خلال مساندة مشاريع إنشاء الطرق والسكك الحديدية والمدارس وأنظمة الرعاية الصحية الأفضل وغيرها.
وتعهد البنك الدولي بزيادة مساندته للدول النامية من خلال تقديم تعهدات جديدة من قبل البنك الدولي للإنشاء والتعمير تصل إلى 100 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة، وكذلك من خلال مؤسسة التمويل الدولية، وهي ذراعه المعنية بالتعامل مع القطاع الخاص، في شكل برامج تسهيلات من أجل تمويل التجارة، وإعادة رسملة البنوك، ومشاريع البنية الأساسية الحالية السليمة التي يمولها القطاع الخاص والواقعة تحت ضغوط مالية.
ومع توقع انكماش حجم التجارة العالمية بنسبة 2.1%في عام 2009، تنبأ البنك بأن تشهد الدول النامية هبوطا كبيرا في حجم صادراتها، كما توقع أن يؤدي التضييق الائتماني الشديد وحالة الضبابية إلى تباطؤ نمو الاستثمارات في الدول النامية والبلدان المرتفعة الدخل على حد سواء في عام 2009 حيث سينخفض فعليا بواقع 1.3% في الدول المتقدمة في حين لن يتجاوز نموه في الدول النامية 3.5% بانخفاض شديد من 13% عام2007.
من جانبه طالب مدير مجموعة آفاق التنمية في البنك الدولي يوري دادوش واضعي السياسات في الدول النامية بمراقبة القطاعات المصرفية في دولهم، وبالاستعداد لطلب المساندة الخارجية لتدعيم عملاتهم وأجهزتهم المصرفية.
كما حذر، في ظل الانكماش المتوقع في حجم التجارة العالمية، من انسياق وراء الدول المتقدمة والبلدان النامية وراء إغراء اللجوء إلى التدابير والسياسات الحمائية التي لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد هذه الأزمة وتعميقها.
وأشار التقرير إلى أن انهيار النمو العالمي أدى إلى كبح جماح الطفرة التي شهدتها أسعار السلع الأولية خلال النصف الأول من هذا العام مع هبوط أسعار جميع السلع الأولية تقريبا بحدة منذ يوليو الماضي.
مقدرا التكلفة التي تحملها المستهلكون في الدول النامية نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود بنحو 680 مليار دولار تكبدوه في شكل إنفاق إضافي عام 2008 مما أعاد ما يتراوح بين 130 و155 مليون شخص إلى براثن الفقر.
وتنبأ التقرير بأن يصل متوسط سعر برميل النفط في العام القادم إلى 75 دولارا، وأن تنخفض أسعار المواد الغذائية على مستوى العالم بنسبة 23% عن مستواها عام 2008.
واستشرافا لآفاق المستقبل على الأمد الأطول، ورغم المخاوف من احتمال أن تبعث موجات الارتفاع الأخيرة في الأسعار إشارات مفادها وجود نقص في الإمدادات في المستقبل، يرى التقرير أن جانب العرض يمكنه تلبية الطلب على مدى السنوات العشرين التالية بدرجة تكفي وتزيد.
وتوقع المؤلف الرئيسي للتقرير أندرو برنز، تراجع حدة نقص الإمدادات التي ساهمت في الزيادة الحادة في أسعار السلع الأولية مشيرا الى أن الطلب على منتجات الطاقة والمعادن والمواد الغذائية سيتباطأ نتيجة ضعف النمو السكاني، وتوقع تغير اتجاه الطلب المرتفع على المعادن في الصين مع انخفاض معدلات الاستثمار هناك.
وتوقع أن تزداد أهمية إنتاج مركبات مرشدة للطاقة، وخاصة السيارات التي تعمل بالكهرباء والهيدروجين حيث سيكون الطلب على السيارات الجديدة في البلدان النامية العامل الرئيسي في زيادة الطلب على الطاقة بنحو 75% خلال الفترة من الآن وحتى عام 2030.
كما قد تؤدي السياسات المتعلقة بتغير المناخ وسياسات الحفاظ على البيئة إلى الحد من الطلب على الهيدروكربونات ومن ثم إلى تحسينات طويلة الأجل في قطاع الزراعة.
ولفت التقرير الى أنه رغم الوفرة المتوقعة في إمدادات الغذاء عالميا، فإن إنتاج المواد الغذائية في الدول التي تشهد نموا سريعا في السكان لاسيما في أفريقيا قد لا يواكب الطلب على الغذاء.
ولتجنب الاعتماد المفرط على استيراد المواد الغذائية، فسيتعين على هذه الدول تنفيذ برامج لتعزيز الإنتاجية الزراعية مثل توسيع شبكات الطرق في المناطق الريفية وزيادة البحوث والتطوير في المجال الزراعي وتكثيف جهود التوعية والإرشاد.
ومن بين ما خلص إليه التقرير أن صادرات السلع الأولية يمكن أن تشجع النمو إذا كانت هناك سياسات سليمة.
وأوصى باتخاذ عدة تدابير من شأنها الحد من احتمال حدوث أزمة أخرى في أسعار المواد الغذائية ومن ذلك إثناء الدول عن فرض حظر على الصادرات، وإتاحة موارد تمويلية أكثر استقرارا لصالح الوكالات العاملة في تقديم المعونات الغذائية، وتحسين التنسيق والمعلومات بشأن مستويات المخزون العالمي من الأغذية.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )