منذ 57 عاما وفي اليوم التاسع عشر من مايو 1952 أصدر المغفور له بإذن الله الشيخ عبدالله السالم الصباح، المرسوم الأميري السامي إيذانا بتأسيس بنك الكويت الوطني ليصبح بذلك «الوطني» أول بنك وطني وأول شركة مساهمة في الكويت ومنطقة الخليج العربي.
وتأتي هذه الذكرى تتويجا واستمرارا لمسيرة من النجاح تحول خلالها «الوطني» من بنك صغير انطلق من مساحة 3 دكاكين وبضعة موظفين يعملون بالأساليب اليدوية التقليدية إلى واحد من أكبر مصارف المنطقة وأكثرها ربحية وريادة وابتكارا وانتشارا داخل الكويت وخارجها معززا بشبكته الدولية من الفروع الخارجية ومكاتب التمثيل والشركات التابعة المتواجدة في أهم عواصم المال والأعمال حول العالم، وليصبح البنك الوطني اليوم البنك العربي الوحيد ضمن قائمة أكثر البنوك أمانا في العالم لعام 2009.
مصرف وطني
وفي الوقت الذي يعرف فيه الجميع ان العام 1961 هو تاريخ الاستقلال السياسي للكويت، إلا أن الذي لا يعرفه غالبيتهم هو أن عام 1952 قد شهد نوعا آخر من الاستقلال، ألا وهو الاستقلال الاقتصادي للكويت من خلال بنك الكويت الوطني.
ففي هذا العام ظهرت إلى الوجود شركة مساهمة صغيرة لم يتجاوز رأسمالها مليون دينار فقط وحملت اسم بنك الكويت الوطني المحدود، لتعلن عن بدء عهد جديد من الحرية والاستقلال الاقتصادي لدولة الكويت التي عاشت سنوات طويلة تحت الانتداب البريطاني، ولتقدح الكويت بذلك الحدث شرارة الاستقلال الاقتصادي في المنطقة التي لم تكن لتعرف الى ذلك سبيلا لولا مبادرة كبار تجار الكويت ومؤازرة أميرها مؤسس نهضة الكويت وأبوالدستور.
وقبل عام 1952، لم يكن في الكويت سوى بنك أجنبي واحد هو البنك البريطاني للشرق الأوسط في الكويت الذي تم افتتاحه رسميا في فبراير من العام 1942 أثناء الحرب العالمية الثانية.
ومنذ العام 1949، شعر القائمون على البنك البريطاني في الكويت بعدم رضاء المواطنين الكويتيين عن نشاطاته وخدماته، كما علموا أن هناك توجها لدى بعض التجار الكويتيين وميلا لتأسيس بنك خاص بهم، وكان أن أرسل المعتمد البريطاني في الكويت آنذاك عددا من الرسائل السرية إلى وزارة الخارجية البريطانية يعبر فيها عن قلقه وتخوفه من تأسيس البنك الوطني وكيفية القيام بمحاولات لعرقلة تأسيسه واستمراره.
وقد كان الدافع الأساسي الذي نبعت منه فكرة تأسيس بنك كويتي وطني هو الحاجة الى بنك متفهم لاحتياجات أهل الكويت وطبيعتهم الخاصة كما يخدم المصالح الوطنية بالدرجة الأولى ويأخذ على عاتقه تطوير وتنمية الاقتصاد الكويتي وإنعاش السوق التجاري وتنمية مدخرات المودعين وحفظها، ففي أوائل عام 1952، اجتمع كل من: خالد زيد الخالد، أحمد سعود الخالد، خالد عبداللطيف الحمد، خليفة خالد الغنيم، سيد على سيد سليمان الرفاعي، عبدالعزيز حمد الصقر، محمد عبدالمحسن الخرافي، يوسف أحمد الغانم ويوسف عبدالعزيز الفليج.
وقد اجتمعوا مع المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، الذي بارك لهم الفكرة ووعدهم بالدعم والتأييد، وكان عقد تأسيس فرع البنك البريطاني في الكويت مع حكومة الكويت ينص على عدم السماح بإنشاء بنوك أخرى في الكويت، إلا أن أمير الكويت الشيخ عبدالله السالم، رأى في حينها أن ذلك لا ينطبق على إنشاء بنوك كويتية وطنية داخل البلاد.
وهكذا سمح بإنشاء بنك الكويت الوطني في 19 مايو عام 1952 حيث صدر المرسوم الأميري القاضي بتأسيس البنك، وفي 15 نوفمبر 1952، افتتح بنك الكويت الوطني للعمل رسميا باعتباره شركة مساهمة كويتية للقيام بالأعمال المصرفية.
ويعد بنك الكويت الوطني أول مصرف وطني في الكويت ومنطقة الخليج العربي على الإطلاق.
وكان مجلس إدارة بنك الكويت الوطني وجميع المؤسسين من الكويتيين الذين لهم نشاط تجاري عريق داخل وخارج الكويت، وتأسس البنك برأسمال قدره 13 مليونا و100 ألف روبية، أي ما يعادل مليون دينار كويتي فقط، موزعة على 13 ألفا و100 سهم بقيمة ألف روبية للسهم الواحد.
وفي مبنى صغير يقع في الشارع الجديد بدأ العمل بعدد قليل من الأفراد لم يتجاوز عدد أصابع اليد وبمساحة لا تتجاوز 3 دكاكين، حيث زاول البنك في بداياته أعمالا مصرفية بسيطة وبدائية تتلخص في الاعتمادات التجارية، وتبادل العملات، والحوالات المصرفية البسيطة، بالاضافة الى عمليات السحب والايداع.
هكذا كانت البداية، ولكن الوطني أثبت مع مرور الأيام كفاءته وجدارته مساهما وراعيا لحركة النهضة في الكويت وليقدم كل أنواع الدعم للأفراد والمؤسسات لتمويل إنشاء مشاريع البنية التحتية في كويت الخمسينيات حيث كان هو البنك الكويتي الوحيد آنذاك.
استبدال العملة المحلية
وقد لعب بنك الكويت الوطني دورا رئيسيا في استبدال العملة المحلية مرتين، أولاهما في شهر مايو من عام 1959 عندما استبدلت أوراق النقد من الروبية الهندية بأوراق روبية جديدة سميت بروبيات الخليج.
أما الاستبدال الثاني فقد كان في شهري ابريل ومايو من عام 1961 عندما أصدر مجلس النقد الكويتي دنانير كويتية بدلا من أوراق النقد من روبيات الخليج وكان هذا الاستبدال ضرورة من ضروريات الاستقلال وإعطاء طابع الشخصية المستقلة لتتمتع الدولة بالسيادة على اقتصادها ونقدها.
وفي سبعينيات القرن الماضي استمر البنك الوطني في تمويل مشروعات البنية الأساسية والتنمية في الكويت الحديثة، وتمثلت تلك المشاريع في محطات تحلية المياه ومحطات الكهرباء وشبكات الطرق وبناء وتطوير حقول ومصافي النفط والخدمات المساندة لها وخدمات الاستيراد وبناء المستشفيات والمدارس ودعم حركة التوسع العمراني في البلاد، ففتح بذلك نوافذ المستقبل أمام الكويت.
كما بدأ تكوين الشخصية المؤسسية الحقيقية للبنك من خلال خطط التطوير وإعادة الهيكلة والتنظيم، وقد كانت هذه الفترة هي اللبنة الأساسية التي قامت عليها نهضة بنك الكويت الوطني.
وخلال الثمانينيات اجتاز بنك الكويت الوطني اختبارا قاسيا، حين وقعت أزمة انهيار سوق الأسهم والمسماة أزمة «سوق المناخ» عام 1982، وقد كان أسلوب العمل المصرفي المتزن والمتحفظ لبنك الكويت الوطني خلال هذه الأزمة وراء كونه البنك الوحيد الذي لم يتأثر سلبا، ونتيجة لذلك أطلق عليه اسم «البنك الفائض الوحيد»، وكان الوطني قد حذر مرات عديدة في تقاريره الدورية ونشراته الاقتصادية من خطر هذه الأزمة قبل وقوعها وقبل أن يتضرر منها الكثيرون.
ثم جاءت أزمة الاحتلال العراقي للكويت في عام 1990، والتي كانت اختبارا كبيرا آخر لصلابة موقف بنك الكويت الوطني، حيث استمر في آداء أعماله من خارج الكويت والوفاء بجميع التزاماته نحو عملائه وللبنوك في الخارج، كما كان له دور رئيسي في تمويل مشاريع إعادة إعمار الكويت.
وقد أدى ذلك الأداء المميز لبنك الكويت الوطني خلال هاتين الأزمتين إلى دعم واستمرارية الثقة من قبل عملاء البنك وتعزيز ثقة البنوك العالمية به.
دور رائد
وخلال تسعينيات القرن الماضي وبعد تحرير الكويت، لعب بنك الكويت الوطني دورا رائدا وأساسيا في خدمة الاقتصاد الكويتي عن طريق إدارة القروض العملاقة من بينها القرض الذي رتبه وأداره بعد التحرير عام 1991 لصالح الحكومة وقدره 5.5 مليارات دولار، وهو أكبر قرض عرفته المنطقة العربية، كما أدار الوطني كذلك قرضا لشركة ايكويت قدره 1.25 مليار دولار.
ويمكن القول ان فترة التسعينيات ونهاية القرن العشرين هي الحقبة الذهبية للبنك والتي ظهرت خلالها ملامح النضج والازدهار المصرفي والانطلاق إقليميا وعالميا، حيث توسع وزاد من رقعة انتشاره جغرافيا وأصبح لديه اليوم أكثر من 67 فرعا في الكويت بالاضافة الى فروع ومكاتب تمثيل وشركات خارجية في كل من نيويورك ولندن وباريس وجنيڤ وسنغافورة وڤيتنام وتركيا والصين إلى جانب لبنان ومصر والبحرين والأردن وقطر والإمارات والعراق والسعودية.
ومع بدايات القرن الواحد والعشرين، نجح الوطني في أن يكون سوقا ماليا متكاملا للخدمات المصرفية والمالية المتطورة ولجميع شرائح عملائه من الأفراد والشركات والمؤسسات الكبيرة، كما عزز من مكانته كمصرف تمويلي استثماري شامل من خلال العديد من الصفقات على مستوى منطقة الشرق الأوسط.
الأكثر أمانا في العالم
ولقد استمرت مسيرة الوطني في تطور دائم منذ التأسيس محققا أرباحا قياسية على مستوى العالم العربي، ومحققا أعلى العوائد لمساهميه، كما يعد بنك الكويت الوطني أكبر شركة مدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية، وقد حاز الوطني أعلى التصنيفات الائتمانية بين جميع بنوك الأسواق الناشئة والشرق الأوسط من قبل مؤسسات التصنيف العالمية مثل موديز وفيتش وستاندارد أند بورز، كما حاز مؤخرا جائزة أفضل صفقة قرض في الشرق الأوسط عن ترتيبه لقرض شركة زين، كما حاز لقب البنك العربي الوحيد ضمن قائمة أكثر البنوك أمانا في العالم لعام 2009، وهي إنجازات جديرة بالفخر لبنك بدأ من الصفر في دولة صغيرة وفتية مثل الكويت أمام عمالقة الصناعة المصرفية في الشرق الأوسط والعالم.
الصفحات الاقتصادية في ملف ( pdf )