قال تقرير شركة مجمعات الأسواق التجارية الكويتية ان الكويت من بين أكثر دول العالم تصديرا لرأس المال وأقلها استيرادا له. فعلى مدى السنوات الخمس الماضية ظهرت الكويت في ذيل قائمة الدول من حيث الحجم الضئيل جدا لتدفقات الاستثمار إليها وتساوت تقريبا في العام 2008 مع جيبوتي عربيا في هذا المجال وفقا لإحصاءات دولية نقلتها المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وحللتها في تقرير صدر مؤخرا ووقفا لإحصاءات دولية أكدت ذلك في معلومات لها. وقال التقرير تكاد تكون الكويت البلد الأول في العالم من حيث خروج الأموال منها بحثا عن استثمارات في الخارج وذلك ليس بالحجم المطلق لحجم الأموال بل نسبة وتناسب قياسا بحجم اقتصادها.
ولفت التقرير الى انه خلال السنوات الخمس الماضية زادت الاستثمارات الكويتية العامة في الخارج بواقع 110 مليارات دولار أما الاستثمارات الخاصة فقد زادت على الرقم المذكور في تلك الفترة، وشركتا زين وأجيليتي وحدهما استثمرتا في الخارج ما يزيد على 15 مليار دولار خلال سنوات قليلة. ووصل رصيد الأصول الأجنبية للمصارف المحلية إلى نحو 28 مليار دولار والأصول الأجنبية لشركات الاستثمار (التقليدية والإسلامية) إلى نحو 22 مليار دولار، وأرقام استثمارات شركات العقار لا تقل أهمية عن تلك المذكورة والخاصة بالبنوك وشركات الاستثمار والخدمات.
الاستثمارات الداخلة
وعرج التقرير على إحصاءات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (انكتاد) وعبر مقارنة الاستثمارات الداخلة بتلك الخارجة وجد التقرير أن النسبة الخاصة بالكويت أقل من 1% أي مقابل كل 100 دولار خارجة لا يدخل البلاد إلا دولار واحد. وهذا المعدل يجعل الكويت الأولى عالميا كنسبة لحجم ناتجها في تصدير الأموال العامة والخاصة الباحثة عن فرص حول العالم ولا تجدها في الكويت.
والقى التقرير المزيد من الضوء على هذه القضية مشيرا إلى حاجة الكويت الماسة إلى جزء ولو يسير من تلك الأموال المهاجرة في ضوء نقص التنمية البائن في مختلف المرافق في البلاد. واقترح التقرير إنشاء هيئة عامة للاستثمار في الداخل مقابل الهيئة القائمة حاليا والموجهة باستثماراتها إلى الخارج وتلك الهيئة المقترحة تقوم أيضا مقام صندوق كويتي للتنمية الداخلية مقابل الصندوق الكويتي الموجه بقروضه الميسرة إلى عشرات الدول التي تستحق الدعم كما الكويت تماما.
هيئة الاستثمار
وقال التقرير انه تجدر الإشارة بداية الى أن الحصص التي تملكها الهيئة العامة للاستثمار في السوق المحلي عددها أقل من عدد أصابع اليدين وكلفتها على الهيئة تكاد لا تساوي نصف بالمائة من إجمالي قيمة استثمارات احتياطي الأجيال الموظفة في الخارج والبالغة حاليا أكثر من 200 مليار دولار. ومعظم استثمارات الهيئة محليا هي في شركات مدرجة وفي صناديق استثمار تديرها شركات بالإضافة الى حصص أخرى مختلفة. وبعض أكبر المساهمات هي في شركات طرحت للاكتتاب تملك المال العام فيها حصصا تصل الى 24% وامتنعت الهيئة عن الاستثمار المباشر في معظم القطاعات لان قانونها الأساسي لا يوافق على ذلك. وهنا مفارقة، اذ كيف يمكن تفسير مساهمات في بنوك وشركات اتصالات ومواش واسمنت مقابل منع الاستثمار المباشر. ما الفرق بين الاثنين؟ هو خيط رفيع يحتمل التأويل اذا شئنا ذلك. سؤال آخر: لماذا لا تبادر «الهيئة» بمباركة حكومية الى تأسيس وإطلاق شركات في مختلف القطاعات كما هو الحال في مساهمات قطاعات الاتصالات والبنوك؟
تأسيس شركات
وقال التقرير انه معلوم أن الحكومة أقرت خلال السنوات القليلة الماضية مبدأ تأسيس شركات في قطاعات الموانئ وتطوير الجزر والبريد والسكراب والتخزين والخدمات اللوجستية والمناطق الجمركية والحرة، فضلا عن شركتين عملاقتين أقرتا أيام كان بدر الحميضي وزيرا للمالية خصصتا للصناعة وتنمية المشروعات، وهناك توجهات لإطلاق شركات سكك حديد ومترو أنفاق ومدينة إعلامية ومدن سكنية ومدينة الحرير وشركة كهرباء وغيرها من الشركات التي أحيلت بعض ملفاتها الى هيئة الاستثمار وجهات معنية أخرى ونامت هناك. وقدرت الخطة الخمسية حجم أعمال مؤسسات عامة تطرح فرصا أمام القطاع الخاص بنحو 7 مليارات دينار أي نحو 10% من المتوسط السنوي للناتج المحلي خلال السنوات القليلة الماضية.
جرأة قياسية
وطرح التقرير سؤالا: لماذا ترددت «الهيئة» في المضي قدما ولو بملف واحد من هذه الملفات مقابل جرأة قياسية سجلت لها عندما هبت مسرعة لتلبية نداء استغاثة من بنوك أميركية متعثرة مثل ميريل لنش وسيتي بنك؟ مجيبا ان المعطيات تشير إلى أن فلسفة عمل «الهيئة» خلال السنوات الماضية موجهة محليا للاستثمار بالأسهم وبالشراكة مع شركات الاستثمار تحديدا. تلك الفلسفة معتمدة على الريع وليس على الإنتاج. وخير دليل المحفظة الوطنية الاستثمارية صاحبة مئات الملايين التي وجدت طريقها الى سوق الأسهم لتحقيق عائد للمال العام في عز الأزمة وذروة تداعياتها. وقال ان خير دليل المساهمات التي قامت بها في عشرات الصناديق الاستثمارية التي تديرها شركات استثمار. وها هي تلك الشركات العارفة لفلسفة الهيئة تسعى مجددا لطلب أموال كمساهمات في صناديق جديدة أبرزها صناديق تضم أصول شركات لمقابلة ديون. أما الفلسفة الإنتاجية والتنموية فهي شبه غائبة عن طريقة العمل والاستثمار. حتى ان بعض الأذرع التابعة للهيئة تعمل بنفس الطريقة تقريبا مثل الكويتية للاستثمار، علما أن الكويتية تشارك أحيانا في مشاريع إنتاجية خارج البلاد سواء كان ذلك في مدن عقارية أو مشاريع طاقة وذلك تلبية لطلبات تأتيها من شركات أجنبية أو مؤسسات عامة تابعة لدول عدة. وأكد التقرير ان معظم الدول النفطية الخليجية عرفت أن التنمية الداخلية أفضل من الاستثمار الخارجي، وأن أقصر طريق لتنويع مصادر الدخل بعيدا عن أحادية مصدر النفط هو طريق تنمية القطاعات غير النفطية. وعرفت أن زيادة عدد سكانها تفرض عليها خلق وظائف لآلاف الوافدين سنويا الى سوق العمل.
كما عرفت أن الاستثمارات الخارجية ومهما كانت آمنة تبقى تحت رحمة الأزمات وتحريكها تداخله السياسة أحيانا كما حصل مع موانئ دبي عندما أرادت الاستثمار في الموانئ الأميركية وجوبهت بقيود أمنية، وكما حصل مع معظم الصناديق السيادية الخليجية ومنها الهيئة العامة للاستثمار التي اتهمت بأنها تخرق الأمن الاقتصادي للدول الغربية عندما اتجهت إلى الاستثمار في قطاعات معنية.
الفورة النفطية
وأيضا عرفت معظم دول الخليج أن الفورة النفطية المستمرة منذ 2003 فرصة ذهبية لا تتكرر كثيرا ولابد من الإفادة منها على أكمل وجه في جعل الصحاري واحات حضارية ومدنية. وخير دليل عشرات المدن الجديدة التي انتشرت مشاريعها في السعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان.. بالمقابل فان الكويت عرفت كل ذلك على الورق فقط. فلا تنقص الخطط ولا الدراسات، ولا الكفاءات اللازمة، ولا نقص في الموارد المالية.. النقص الوحيد هو في جرأة القرار المعطل حينا بالتسييس لكل شاردة وواردة وأحيانا أخرى بالبيروقراطية والروتين الإداري الخانق للمبادرات والقاتل لها في مهدها. وختم التقرير بالقول: «هذا غيض من فيض فإن المشروعات التي لا يمكن للهيئة العامة للاستثمار أن تطلق لها مبادرات بمشاركة المواطنين والقطاع الخاص. فالمسألة أبسط مما يعتقد كثيرون. فالأمر يقتضي الخروج قليلا من ثقافة الريع القائم على العائد السريع المصحوب بالمخاطر إلى ثقافة الإنتاج والتنمية القائمة على العائد المضمون للمديين المتوسط والبعيد. وهكذا يكون للمال العام دور ليس في تكديسه للأجيال القادمة وحسب بل بتسخيره لرفاه المجتمع كله اليوم وغدا جيلا بعد جيل».
هيئة للاستثمار والتنمية الداخلية
تساءل التقرير: لماذا لا تقوم في الكويت هيئة للاستثمار والتنمية الداخلية؟ لماذا لا تعدل لوائح عمل الهيئة العامة للاستثمار بما يسمح بالانخراط أكثر في الاستثمار المباشر محليا؟
لقيام هيئة استثمار محلي منافع لا عد لها ولا حصر أبرزها:
يشارك المواطنون كافة في تنمية بلدهم عبر شركات تطلقها تلك الهيئة باكتتابات توزع على المواطنين مجانا أو بأسعار رمزية وتوضع ضوابط ليتمسك المواطنون بأسهمهم مدة معينة من الاستثمار.
تنشأ شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص على غرار ما أوصى به البنك الدولي بما يعرف بمشروعات الـ ppp التي هي صيغة أو إطار عام لإطلاق مشاريع b.o.t
تخف وطأة الدولة في القطاعات الاقتصادية الأساسية وفي المؤسسات الخدمية التي هي مصدر عراك يومي بين الحكومة ومجلس الأمة.
تخلق فرص عمل لآلاف المواطنين الآتين الى سوق العمل سنويا.
تزداد تنافسية الاقتصاد وجاذبيته للاستثمار الأجنبي.
تعود بعض الأموال الخاصة المهاجرة بحثا عن فرص استثمارية في مشارق الارض ومغاربها.
ينتعش سوق الكويت للاوراق المالية بفعل شركات ذات قيمة مضافة حقيقية بعيدا عن الشركات الورقية التي تعج بها السوق حاليا.
نجد عشرات المشاريع الخاصة المتوقفة حاليا شريكا في التمويل والادارة والاستثمار.
تتحرك عجلة مشاريع الـ b.o.t الراكدة حاليا والعالقة في شرك قانون أقل ما يقال فيه أنه جامع مانع في بنوده المحبطة لكل أنواع المبادرات والمجهضة لكل أشكال المشروعات.
تخف هجرة الأموال المتسربة عبر استيراد السلع والخدمات وعبر السياحة في الخارج إذا قامت مشروعات إنتاجية وسياحة داخلية.
الكويت ومشاكل دول العالم الثالث الفقير
قال التقرير ان المشاكل التي تعاني منها الكويت أشبه بمشاكل دول العالم الثالث الفقير. فمنها ما يلي:
-
ـ الكهرباء تصل ذروة تحملها مع خطر الانقطاع والتقنين.
-
والماء يتعرض بين الحين والآخر لمشاكل الإمداد أيضا.
-
ـ قطاع التعليم لم يرق بعد الى المستوى المأمول.
فقد قالت عنه خطة طوني بلير التي قدمت الى الحكومة قبل عدة أشهر أنه غير كفؤ، فما ينفق على الفرد محليا يزيد على المتوسط الأوروبي العام أي أعلى مما يحظى به الفرد الأوروبي لكن بكفاءة أقل ونتائج لا توازي ذلك الإنفاق السخي.
-
ـ قطاع الصحة يعاني ما يعاني حتى أن العلاج في الخارج بات ذات كلفة باهظة قل نظيرها في أي دولة أخرى.
-
ـ البنى التحتية غير متطورة كفاية لاسيما على صعيد المواصلات حيث الاختناقات المرورية تضرب أطنابها وترهق أعصاب المواطنين وتعطل أعمالهم في عدد من المناطق لاسيما العاصمة ومحيطها.
-
ـ الموانئ والمطار من زمن غابر من دون تحديث أو توسعة تذكر.
-
ـ الجزر قاحلة لا حياة فيها رغم آلاف صفحات دراسات الجدوى لتطويرها.
-
ـ لا منطقة تجارية حرة بكل ما للكلمة من معنى.
-
ـ لا مناطق صناعية حديثة تنتعش فيها صناعات ذات قيمة مضافة.
-
ـ لا مناطق تخزينية كافية.
-
ـ لا بريد متطورا كما في كل بلدان العالم المتطور.
-
ـ لا مدينة إعلامية تليق بهذه الصناعة التي تتوافر لها الحرية محليا بعكس دول أخرى محيطة بها لكن لا قرار بإنشائها.
-
ـ لا مدينة طبية ولا مدينة رياضية ولا مدينة تكنولوجية ولا... ولا...
إلقاء اللوم على العوائق المانعة دون انخراط المال العام في التنمية المحلية
أكد التقرير ان اللوم ملقى على عاتق الجهات التي تم ذكرها بقدر ما هو لوم على العوائق التي تحول دون انخراط المال العام في التنمية المحلية. فكم من مشروع عرض على تلك الجهات ورفض، وكم من مبادرة قدمت إليها وتم الإعراض عنها والأسباب باتت شبه معروفة كلها:
-
1ـ تجنب الاستثمار المحلي المباشر وفقا للوائح الصماء التي وضعت في زمن غير هذا الزمن.
-
2ـ تجنب الدخول في مبادرات للقطاع الخاص خوفا من اتهامات المحاباة لهذا أو ذاك.
-
3ـ خوف لا بل هلع من نواب صقور في مجلس الأمة لا هم لهم سوى رصد حركات وسكنات هيئة الاستثمار ووزارة المالية.
-
4ـ غياب الوعي الحكومي الكافي في هذا المجال، حتى إن وزراء أتوا من القطاع الخاص غرقوا في متاهة بيروقراطية وسياسية ناسين شعارات حملوها عشرات السنوات.
-
5ـ سيادة ثقافة الريع لدى شريحة واسعة من القطاع الخاص الباحث عن الربح السريع وذلك على حساب ثقافة الإنتاج والتنمية.
-
6ـ استسهال الاستثمار في سوق الكويت للأوراق المالية بحثا عن عوائد سريعة بعيدا عن وجع الرأس في استثمار وإدارة مرافق تنموية للمدى الطويل.
-
7ـ استسهال استثمار الأموال في محافظ دولية تديرها بنوك ومؤسسات مالية عالمية.
-
8ـ التذرع بأن السوق المحلي لا يمكن أن يستوعب الفوائض المالية المحققة من الإيراد النفطي.
-
9ـ الاختباء وراء حجة أن الدولة متجهة الى الخصخصة وليس الى التملك الإضافي في قطاعات الاقتصاد وشركاته. فإذا بنا أمام واقع مرير: الخصخصة مؤجلة ولا أطر واضحة لها، والاستثمار المباشر الإضافي غير وارد.
-
10ـ الهروب من الاحراجات الآتية من ديوان المحاسبة وتقاريره. فاذا زادت حصة المال العام في منشأة ما على 25% توجب دخول الديوان في تفاصيل عمل تلك المنشأة لاظهار أي عيب فيها واعتباره هدرا للمال العام.
الكويت أقل الدول النفطية جذبا للاستثمارات
قال التقرير انه يتعين مقارنة الكويت بدول نفطية تشبهها في الدخل وأنماط الاستثمار والادخار. وإذا كان لابد من مؤشرات للمقارنة فيمكن البدء بتدفقات الاستثمار لأنها دليل على حيوية الاقتصاد المعني بها والفرص المتاحة فيه. وتؤكد المؤسسة العربية لضمان الاستثمار بشأن التدفقات الاستثمارية في 2008 ما يلي:
-
ـ السعودية: 29.6 مليار دولار (24.3 مليارا في 2007).
-
ـ الإمارات: 13.7 مليار دولار (13.2 مليارا في 2007).
-
ـ البحرين: 1.7 مليار دولار (660 مليونا في 2007).
-
ـ الكويت: 65 مليون دولار (123 مليونا في 2007).
مؤكدا على ان الأرقام وحدها تتكلم فالبحرين التي ليست بلدا نفطيا على قدم المساواة مع الدول الخليجية الأخرى استطاعت جذب 26 ضعف ما استطاعته الكويت في 2008. أما مقارنة الكويت مع الإمارات والسعودية فلا داعي لها لان المقارنة ستكون بين أرقام فلكية وأخرى أكثر من هزيلة. لنجاحات بعض الدول في جذب الاستثمار وتعبئة الأموال في المشاريع الاستثمارية والتنموية أسباب عديدة أبرزها وجود هيئات تعنى بذلك الجذب وتيسير الحصول على فرص الأعمال وتذليل عقبات تنفيذ المشاريع، فضلا عن وجود شراكات للمال العام في تلك المشروعات.
لقد قامت خلال الـ15 سنة الماضية في العديد من الدول العربية هيئات للاستثمار المحلي.
حتى أن بعض الدول دمجت أهداف هيئات الاستثمار الداخلي والخارجي لديها لتحصل على أفضل النتائج التي بدت ظاهرة أولا في تنمية الفرص الداخلية على حساب التوسع الخارجي.
وتلك «الهيئات» تجاوزت في أدوارها عقبات البيروقراطية الوزارية القائمة وخلقت ما يسمى بـ «الشباك الموحد» المعنى باستصدار كل التراخيص من مكان واحد لتجاوز الروتين وتسريع التنفيذ.