قال تقرير الشال الاقتصادي الاسبوعي انه اذا كان لابد من الدقة في ترتيب اولويات الهدف التنموي، فإن تحول الكويت الى مركز تجاري يسبق اهمية تحولها الى مركز مالي، ليس لان هدف التحول الى مركز تجاري اهم من الناحية النظرية، ولكن لانه الاكثر اهمية للكويت تحديدا من الناحية العملية، فالكويت مركز مثلث ضاغط محاطة بثلاث دول اقليمية عظمى يقطنها ما بين 125 ـ 135 مليون نسمة، اثنتان منها يقطنهما اكثر من 100 مليون نسمة، بالكاد خرجتا من حروب مدمرة ويحتاجان الى ربع قرن من الزمن للحاق بركب التقدم الحادث في العالم، وببعض التخطيط الاستراتيجي الواعي، يمكن خدمة احتياجاتهما من الكويت التي لديها بنى تحتية شبه مكتملة ومياه عميقة وخزين من التجربة التاريخية في العمل التجاري وقطاع مالي متفوق وضروري جدا لدعم خدماته التجارية.
وبين التقرير ان ذلك يعني الا جدال على صحة شعار التحول، ونعتقد بأسبقية التحول الى مركز تجاري يخدمه قطاع مالي متفوق، ولكن لا معنى لكل ما تقدم ما لم نع ان الشعار في اتجاه، وما يحدث على ارض الواقع في اتجاه معاكس، فالشعار يحتاج حتى يتحول الى واقع، ومن اجل الكويت ولمصلحتها، ان نبدأ بتأسيس علاقات جوار مختلفة، علاقات تبنى على المصالح المتبادلة، وفيها القليل من العواطف واجترار الماضي، وضمنها وضع الاسس لفتح البلد لما يسمى بالسياحة التجارية، وتعمير الحدود وفتح المناطق وربما المدن الحرة المشتركة، وقوانين تشجيع الاستثمارات والاعفاءات الضريبية، ويعني فتح المجال لبناء الخدمات المتقدمة مثل التعليم والصحة، واي نهج تنموي ناجح، يعني الاصرار على دعم منظومة القيم الايجابية، مثل الافضلية لمن يتعلم افضل ومن ينتج اكثر ولمن يحترم التزاماته، ذلك يعني تشجيع الانسان على شحذ همته والمنافسة الحادة في الابداع للحصول على ما يريد.
واشار التقرير الى انه في التاريخ المعاصر، بدءا من تصدير الكويت لاول شحنة نفط، في منتصف اربعينيات القرن الماضي، قدم العالم نماذج تنموية شديدة النجاح، بدءا من بلدين مدمرين تماما بعد الحرب العالمية الثانية وبلا موارد وهما اليابان وألمانيا ومرورا بنمور آسيا وايرلندا وفنلندا، وبعض دول افريقيا في الطريق، وجميع هذه التجارب اجتمعت على خاصية اساسية واحدة، هي تفوق الادارة العليا التي تبنت رؤية واضحة والتزمت بها ومعظمها عوضت شح الموارد بالتفوق الاداري، ولكن العالم لم يقدم تجربة واحدة بعد، نجحت فيها الموارد فقط في صناعة بلد متفوق، ويمكن للكويت لو حسمت امر اولوياتها شاملة الحرص على ادارة عليا متفوقة ان تصنع تجربة متفوقة وبوقت اسرع نتيجة الوفرة المؤقتة للموارد، والامر يتطلب تحويل الشعار الفارغ بالتحول الى مركز تجاري ومالي الى واقع، والبداية
ستكون بوقف الاتجاه الحالي الذي يرفع من تكلفة التحول.
26% من الكويتيين مقترضون
قال التقرير ان حدة الدعوات لشراء ديون المواطنين الاستهلاكية والمقسطة واسقاط الفوائد واعادة جدولة الأصل اشتدت، ويبدو ان الموقف الحكومي منقسم، بعد ان تسرب ما يوحي بأن للحكومة رأيا غير المعلن حول الموضوع. وضعف الحكومة الى جانب ما يبدو من انقسام فيها يخلق فراغا كبيرا في السلطة، وعندما يحدث فراغ من الطبيعي ان يتقدم من يحاول احتلاله بالحق او بالباطل، والتعدي على الخزينة العامة وحقوق الصغار ومن لم يولدوا بعد، جزء من محاولات ملء الفراغ بالباطل.
وقبل الخوض في خطورة الدعوة الى شراء القروض، لابد من التذكير بآخر الأرقام المتوافرة، وقد لا تكون دقيقة ولكنها قريبة من الواقع، فالأرقام حتى نهاية العام الفائت تشير الى وجود نحو 278 الف مقترض كويتي بعدد نحو 508 آلاف قرض، اي بمعدل 1.83 قرض لكل مقترض، او اقل قليلا من قرضين. يبلغ عدد القروض الاستهلاكية منها نحو 282 الف قرض او نحو 55.5% من اجمالي عدد القروض، ويبلغ عدد القروض المقسطة نحو 226 الف قرض او نحو 45.5% من اجمالي عدد القروض. واوضح التقرير ان اجمالي رصيد القروض الاستهلاكية يبلغ نحو 977 مليون دينار، بمعدل لقيمة القرض الواحد بحدود 3.5 آلاف دينار، بينما يبلغ رصيد القروض المقسطة نحو 3906 ملايين دينار، بمعدل لقيمة القرض الواحد بحدود 17.3 الف دينار، او نحو خمسة اضعاف معدل القرض الاستهلاكي، وبلغ اجمالي رصيد القروض الاستهلاكية والمقسطة نحو 4883 مليون دينار بين تقليدية غير مضمنة بفوائدها وبين اسلامية مضمنة بالفوائد، وبمعدل قرض للفرد الواحد ـ وليس للقرض الواحد ـ بحدود 17.6 الف دينار، وبمعدل قيمة للقرض الواحد بحدود 9.6 آلاف دينار.
عدد المقترضين
وذكر التقرير ان الأرقام تشير الى ان عدد المقترضين يعادل نحو 26% من عدد الكويتيين ونحو نصف الراشدين منهم، بما يعني ان نحو ثلاثة ارباع الكويتيين او نصف الراشدين لم يقترضوا، ولا معنى لمعاقبة من لم يقترض لأنه اكثر شعورا بالمسؤولية وافضل في تخطيطه المالي. وحتى على مستوى المقترضين هناك تباين شاسع بين معدل القرض الاستهلاكي والمقسط، وحتى ضمن كل شريحة هناك تباين كبير، فالقروض الصغيرة دون الـ 5 آلاف دينار للقروض الاستهلاكية تبلغ 82.2% من اجمالي عدد قروض تلك الشريحة، وتلك مفارقات حادة تلغي مبدأ العدالة بين المواطنين، كما ان هناك شكا في دستوريتها، وتكلفتها، أيا كانت في مثل هذه الظروف، تعني انها اقتطاع من حق العمل وحق التعليم وحق الخدمة الصحية للصغار ولأجيال لم تر الدنيا بعد.
ولعل الأهم في المشروع هو تخريب قيم الانتاج والالتزام لدى الانسان، وهي دعوة الى التهور والامعان فيه، لأن المكافأة بقدر التهور، والعقوبة للملتزم. وفي الدول الأخرى التي كانت منشأ الأزمة، والتي تحملت اشد وزرها، أقصى ما فعلت هو خفض مؤقت للضرائب، لأن المواطنة تعني توازن الحقوق والواجبات، وتعني توازن التضحية والمكافأة بين الحاضر والمستقبل، وجميعها، حاليا، تبشر بالعودة الى زيادة الضرائب بعد تجاوز الأزمة، اما سياساتنا فهي شيء آخر همومه الوطن والمستقبل. ذلك كله لا يعني انه ليست هناك قضية انسانية، وهناك بعض المعسرين الذين يستحقون العون، ونعتقد بضرورة التفكير بفرض ضريبة، ولو رمزية، على كل القادرين للتكافل مع غير القادرين، ولابد للوزراء والنواب ان يكونوا في مقدمة دافعي الضريبة.
2.9 مليار فائض الموازنة في 4 شهور
ذكر التقرير ان تقارير المتابعة الشهرية لحسابات الادارة المالية للدولة، لشهر يوليو 2009 تشير الى استمرار الارتفاع في جانب الايرادات، رغم الانخفاض الملحوظ في معدلها الشهري مقارنة بالسنة المالية الفائتة، فحتى 31/7/2009 (اربعة شهور من السنة المالية الحالية) 2009/2010 بلغت جملة الايرادات المحصلة نحو 4.884 مليار دينار او ما نسبته 60.5% من جملة الايرادات المقدرة، لكامل السنة المالية الحالية، والبالغة نحو 8.074 مليار دينار وبانخفاض كبير، قاربت نسبته 47.4% عن مستوى جملة الايرادات المحصلة، خلال الفترة نفسها من السنة المالية الفائتة 2008/2009 والبالغة نحو 9.280 مليار دينار. واشار التقرير الى ان نشرة الايرادات النفطية الفعلية حتى 31/7/2009 تقدر بنحو 4.563 مليارات دينار اي ما نسبته 65.9% من الايرادات النفطية المقدرة، لكامل السنة المالية الحالية، والبالغة نحو 6.924 مليار دينار، وما تحصل من هذه الايرادات في اربعة شهور من السنة المالية الحالية كان اقل بنحو 4.215 مليار دينار اي بما نسبته 48% عن مستوى مثيله، خلال الفترة نفسها من السنة المالية الفائتة، وتم تحصيل ما قيمته 321.112 مليون دينار ايرادات غير نفطية خلال الفترة نفسها، وبمعدل شهري بلغ 80.278 مليون دينار بينما كان المقدر في الموازنة لكامل السنة المالية الحالية، نحو 1.15 مليار دينار اي ان المحقق سيكون ادنى بنحو 186.6 مليون دينار عن ذلك المقدر، اذا افترضنا استمرار مستوى الايرادات بالمعدل الشهري المذكور نفسه.
وكانت اعتمادات المصروفات للسنة المالية الحالية قد قدرت بنحو 12.116 مليار دينار وصرف فعليا طبقا للنشرة، حتى 13/7/2009، نحو 1.942 مليار دينار، بمعدل شهري للمصروفات بلغ 485.4 مليون دينار ولكننا ننصح بعدم الاعتداد بهذا الرقم، لان هناك مصروفات اصبحت مستحقة، ولكنها لم تصرف فعلا، ورغم ان النشرة تذهب الى خلاصة مؤداها ان فائض الموازنة في نهاية الشهور الاربعة هذه، بلغ نحو 2.942 مليار دينار، الا اننا نرغب في نشره دون النصح باعتماده، اذ اننا نعتقد ان رقم الفائض الفعلي للموازنة في أربعة شهور سيكون اقل من الرقم المنشور.
خسائر صندوق احتياطي الأجيال القادمة تتراوح بين 20 و41%
أوضح تقرير الشال أنه لا يفترض أن يثور جدل كالذي حدث حول أداء الصندوق السيادي أو احتياطي الأجيال القادمة للكويت، ونعتقد أن مبدأ سرية المعلومات من أساسه خطأ وغير مبرر، ويفترض أن تحتذي الكويت، سياسة وشفافية، صندوق النرويج السيادي. وكانت الحكومة قد عرضت للحالة المالية للدولة في جلسة سرية لمجلس الامة، وأنها جلسة سرية لا يمكن الاعتداد بما نشر عنها، لأن نشر الأرقام الاجمالية دون الخوض في تفاصيلها قد يكون مضللا، وكانت خلاصة ما نشر هي أن حجم الصندوق السيادي للكويت ـ رصيد احتياطي الاجيال القادمة ـ حتى 31/3/2009 هو بحدود 48.4 مليار دينار هبوطا من نحو 57.9 مليار دينار في 31/3/2008 هبوطا بنحو 20% ولكن دون خصم ما أضيف عليه من الايرادات العامة. وبين التقرير ان ارقام مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية «انكتاد» حول الصناديق السيادية الأسبوع قبل الفائت، خلاصتها أن صندوق الكويت السيادي كان أكبر الخاسرين في الازمة المالية، حين خسر نحو 41% من قيمته أو نحو 94 مليار دولار، ما يعني أنه قدر حجم الصندوق قبل الازمة المالية بنحو 230 مليار دولار. وجاءت خسائر صندوق أبوظبي ثانية بنحو 40% وصندوق قطر بنحو 36% وهي نسب متقاربة وتوحي باتباع هذه الصناديق استراتيجية متشابهة، بينما خسر الصندوق السعودي نحو 12% والنرويجي نحو 30%. والتفاوت الكبير بين اداء صناديق الكويت وأبوظبي وقطر، من جانب، والصندوق السعودي، من جانب، يعود إلى اختلاف جوهري في النهج، فالسعودية تركز بنحو 80% من استثمارات صندوقها على السندات أي لا تأخذ مخاطر، بينما 60% من الصناديق الأخرى الثلاثة مستثمر في الاسهم، ولسنا هنا بصدد تقويم أيهما اصح وان كنا نميل إلى شيء وسط ما بين الاثنين.
واضاف التقرير انه في فقرة من تقريرنا بتاريخ 12 يوليو 2009 قد انتقدنا خلاصة ارقام الحالة المالية للدولة، وذكرنا أن الرقم المتدني لخسائر الصندوق السيادي الكويتي غير صحيح، وقدرنا خسائر الصندوق على أقل تقدير بنحو 25.5% في حالة اخذنا في الاعتبار ما اضيف إلى رصيده أو نسبة الـ 10% من الايرادات العامة.
وذكر التقرير ان العضو المنتدب للهيئة العامة للاستثمار صرح الاسبوع قبل الفائت، بأن ارقام انكتاد حول خسائر صندوق الكويت السيادي غير صحيحة ومبالغ فيها إلى الأعلى، ولكنه لم يذكر الرقم الصحيح في حين طالبهم بنشر الارقام الصحيحة. ومن غير الصحي أن يتعرض الاداء لهذا الجدل وبتفاوت حاد بين مصدر وآخر، بينما يمكن حسم الأمر بنشر الارقام، فالأصل هو الشفافية في كل ما يتعلق بالحالة المالية للدولة، وفي غياب الرقم الرسمي، سينزع أي باحث أو سياسي إلى مصدر معروف، وهو في هذه الحالة إحدى منظمات الأمم المتحدة.
توزيع استثمارات الصندوق
ولفت التقرير إلى انه بينما نعتقد أن توزيع استثمارات الصندوق لابد ان تخضع لاستراتيجية معلنة تميل إلى التحفظ لانه صندوق تقاعد لحقبة ما بعد النفط، نعتقد أن الصندوق قد حقق خسائر لا يمكن تفاديها بسبب أزمة العالم المالية، وخسائر غير ضرورية بسبب القرارات المبكرة في دعم أوضاع بعض المؤسسات المالية العالمية في وقت مبكر من الأزمة او في الربع الاخير من العام الفائت، لذلك نعتقد أن خسائره وسط بين ما ذكرته الهيئة 20% وما ذكرته الانكتاد 41%.
ورغم ان الاسواق قد عوضت بعض خسائرها، وبسبب تماسك اسعار النفط فاننا لا نعتقد أن الكويت قد اضطرت إلى تسييل بعض اصولها بما يعنيه هذا من تحويل خسائر غير محققة إلى خسائر محققة، الا ان الصندوق مازال يحقق مستوى مرتفعا من الخسائر، وان اقل من مستواها في نهاية مارس الفائت.