- الشبيلي: بمجرد صدور حكم إشهار الإفلاس تُقيّد يد الشركة عن التصرف في أموالها
- سميران: معالجة إعسار المؤسسات العربية والإسلامية يحتم إيجاد حلول سريعة وقابلة للتطبيق
- العنزي: الشركات الإسلامية الأكثر تأثراً من البنوك الإسلامية بالأزمة المالية
عاطف رمضان - أحمد يوسف
اختتم المؤتمر الفقهي الثالث للمؤسسات المالية الإسلامية جلساته الأربعاء الماضي الجلسة الثالثة «بعنوان أحكام إعسار وإفلاس المؤسسات المالية» والتي ترأسها الرئيس التنفيذي لشركة الرتاج للاستثمار جهاد القبندي حيث قدم د.يوسف الشبيلي بحثا تناول فيه إفلاس الشركات وإعسارها في الفقه والنظام حيث عرف في مبحثه الأول الإفلاس بان يكون الدين الحال الذي على المدين أكثر من أمواله، وقيّد الفقهاء معنى الدين بكونه حالا لأنه الذي يطالب به المدين اما اذا كان مؤجلا فلا يعد ذلك إفلاسا ولو كان أكثر من ماله الموجود فانه غير مطالب به واستثنى المالكية من ذلك ما إذا كان مال المدين يزيد على دينه الحال ولكن تلك الزيادة لا تفي بدين المؤجل فيفلس، ولو أتى بضامن، إلا ان كان يرجى من تنميته بتلك الزيادة وفاء الدين المؤجل.
وعن علاقة الإفلاس بالتفليس قال الشبيلي ان الإفلاس يكون بفعل المدين نفسه بأن يتحمل من الديون مايزيد عن أمواله وأما التفليس فهو حكم القاضي عليه انه مفلس فالأول سبب للثاني، اما عن علاقة الإفلاس بالتصفية فقال ان العلاقة بينهما فقهيا علاقة عموم وخصوص مطلق فإفلاس الشركة من المنظور الفقهي ينتهي حتما بتصفيتها لتسديد ديونها، مشيرا إلى انه ليس كل تصفية يكون سببها الإفلاس فقد تكون التصفية اختيارية بإرادة الشركاء وقد تكون إجبارية كما في الإفلاس والعلاقة بينهما في النظام علاقة عموم وخصوص وجهي اذ لا تلازم بينهما، فالتصفية قد تكون بسبب الإفلاس وقد تكون طوعية، وكذلك الإفلاس قد ينتهي بالتصفية وقد تبقى الشركة تزاول نشاطها مع الحكم عليها قانونا بالإفلاس.
وأفاد الشبيلي بأنه يجوز إشهار الإفلاس في الحالات التالية: إذا تعثرت الشركة عن دفع ديونها لاضطراب أوضاعها المالية، إذا طلب احد الدائنين إشهار إفلاسها، لابد لحالة الإفلاس أن تنشأ بحكم قضائي، إشهار إفلاس الشركة يحتم إفلاس جميع الشركاء المتضامنين فيها، يجوز للمحكمة أن تؤجل حالة الإفلاس إذا ارتأت أنه من المحتمل تحسن مركزها المالي. وتطرق إلى الحديث عن كيفية إدارة الشركة المفلسة، قائلا انه بمجرد صدور حكم إشهار الإفلاس تقيد يد الشركة عن التصرف في أموالها باستثناء الأموال التي لا يجوز الحجر عليها قانونا، ويعين قاضي التفليس مديرا لادارة التفليس، يكون له عدة مهام تتعلق بأمور إدارية مؤقتة.
الأزمة المالية
وفي السياق نفسه قال د.محمد سميران في بحثه المتعلق بأحكام إعسار وإفلاس المؤسسات الإسلامية أن الأزمة المالية العالمية كشفت عن فشل النظام الرأسمالي، وثبّتت توجهات النظام الاقتصادي الإسلامي البعيد عن الربا، حيث النقود خلاله لاتلد النقود.
وفرق سميران في حديثه عن الافلاس بين الدين الحال والمؤجل، حيث عرف الدين الحال بأنه ما يجب أداؤه عند طلب الدائن، أما المؤجل فأنه ما لا يجب أداؤه إلا بحلول وقتي، مستشهدا على عدم مطالبة المدين بالدين المؤجل بقوله سبحانه وتعالى (يأيها الذين امنوا أوفوا بالعقود).
وتحدث في مبحثه عن حكم التعامل مع المدين المعسر، حيث قسمه الى حكم الدين في ذاته، وحكم الدين في حق الدائن، وحكم الدين في حق المدين، وإنذار المدين لقاء زيادة مبلغ الدين، مشيرا الى أن اسقاط بعض الدين عن المدين من النظرة الإسلامية يوجب ذلك في حال العثرة.
وعن الأحكام الفقهية التي تطبق على اعسار المؤسسات المالية أشار سميران إلى انه من المفترض ألا تتأثر الأسواق بانهيار فرد أو عدد من الأفراد لاوزن لهم بالسوق، ولكن الواقع المعاصر أفرز هذه الظاهرة، بدليل ان الأزمة المالية العالمية الحالية تسببت في انهيار كبريات الشركات العالمية العملاقة، ما دعا النظام الغربي الى وضع أسس بديلة إلى حماية شركاته ولم تكن المؤسسات الإسلامية والعربية بمنأى عن ذلك، بل الحقيقة أن بعضها تأثر بشكل كبير، وتكبد خسائر مليارية، وأصيب بعضها بالإفلاس.
وأشار إلى أن معالجة إعسار وافلاس المؤسسات العربية والإسلامية يحتم إيجاد حلول سريعة وقابلة للتطبيق في العصر الحالي، لافتا إلى أن الإسلام لم يغفل تلك الأخطار المفاجئة ووضع لها الحلول المناسبة، وهو ما ظهر جلياً في تعرضه لحال الجوائح معرفا الجائحة في اللغة بأنها تأتي من الاستئصال والاجتياح، وهي الشدة العظيمة التي تجتاح المال.
واقترح سميران في دراسته عدة أسس تنظيمية لسداد الديون حال إعسار أو إفلاس المؤسسات المالية منها إنشاء وتأسيس صندوق لتقاص الديون يكفل أعماله صندوق الزكاة باعتبار أن الديون المفقودة تدخل في باب الغارمين المستحقين للزكاة وتحول الديون المستحقة إلى صندوق التقاص وتدفع أول بأول إلى الدائنين حسب حاجتهم، مشيرا إلى أن أهمية هذا الصندوق تكمن في عدة أشياء منها:
- ـ تقليل مدة النظر بالنسبة للدائن.
- ـ تنظيم إجراءات النظرة.
- ـ السيطرة على الآثار الجانبية التي تنعكس على الدائن جراء عدم حصوله على الدين.
أما الاقتراح الثاني تمثل في بإنشاء صندوق تعاوني يمول جزئيا من مستخدمي الأموال ومن صندوق الزكاة.
وبين ان الاقتراح الثالث هو مبادرة تقوم بها البنوك الإسلامية لشراء الديون، وينص الاقتراح الرابع على أن تقوم الدول المصدرة للنفط والغاز باقتطاع نسبة ناتجها المحلي لإنشاء صندوق لسداد الديون المتعثرة، انطلاقا من أحقية الدائنين في أموال الزكاة.
وشرح في دراسته بعض التنظيمات التجارية المعاصرة والحلول الملائمة من الوجهة الشرعية في حالات الإفلاس ومنها أحكام الإفلاس التجارية، شارحا أن نظام الافلاس في القانون التجاري خاص بالتجار، يهدف لتنظيم التنفيذ الجماعي على أموال المدين بغرض حماية الدائنين من المدين المفلس وحماية الدائنين من بعضهم البعض، لكن هناك بعض الملاحظات على الإفلاس في ظل القانون التجاري، منها انه لا يدخل مفهوم الإفلاس إلا على الدائنين، التشهير بالمفلس في المجالات الرسمية بخلاف ما ينصح به الإسلام، إسقاط الحقوق المهنية والسياسية للمفلس، فضلا عن وقف سداد الفوائد على الديون العادية دون غيرها.
وذكر أن من أرفق الحلول للطرفين (الدائن والمدين) هو الصلح الواقي للإفلاس والذي يتضمن إسقاط بعض الدين والنظرة وتأجيل بعضه، مشيرا إلى أن قانون التجارة الكويتي في المادة 743 نص على أنه يجوز للتاجر الذي اضطربت أعماله أن يطلب الصلح الواقي من الإفلاس بشرط ألا يكون قد غشا جسيما وأن يكون قد زاول التجارة بصفة مستمرة ولمدة سنتين.
العلاقات الاقتصادية
وفي الإطار ذاته قال د.عصام العنزي في بحثه إن مسألة الديون في الفقه الإسلامي تعتبر من المسائل المهمة جدا، وقد أخذت جهدا ووقتا من العلماء لبيان أحكامها، لأن أمرها من الخطورة بمكان خشية الوقوع في الربا وما حرم الله. كما أن الأزمة المالية العالمية إنما أصابت المؤسسات بمقتل بسبب هذه الديون التي أصبحت سلعا تباع وتشترى. وأضاف العنزي أن هذه الأزمة أثرت في المؤسسات المالية الإسلامية سواء بطريق مباشر أو غير مباشر بسبب ترابط العلاقات الاقتصادية بين الدول بعضها ببعض وتشابك وترابط العلاقات بين المؤسسات المالية بعضها ببعض. وقد تأثرت الشركات الإسلامية على وجه الخصوص بهذه الأزمة أكثر من البنوك الإسلامية، لأنها قامت على فكرة التمويل قصير الأجل والاستثمار طويل الأجل مما أوقعها في أزمة أخرى وهي نقص السيولة مما جعلها تحجم عن سداد ديونها، مع أنها تملك من الأصول ما يفيض عن حجم هذه الديون.
وأشار إلى أن هذا الأمر جعل بعض الأصوات تنادي بتفليس هذه الشركات، والبعض الآخر أخذ ينادي بوجوب إنظارها، لأنها معسرة، وحق المعسر الإنظار، فكان لزاما بيان هذه المصطلحات: الإعسار، الإفلاس، التعثر، لبيان الحكم الشرعي، لأن الحكم الشرعي للإعسار يختلف عن الإفلاس، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره، فكلما اتضحت الصورة للمسألة كان الحكم الشرعي فيها أوضح وأبين. كما أن الأزمة المالية العالمية فرصة بالنسبة للمراقبين الخارجيين للصناعة المالية الإسلامية بفحصها واختبار مدى قدرتها على الصمود في مواجهة الأزمات، فهي في الحقيقة بالون اختبار لهذه المؤسسات لكي تراجع حساباتها وطرقها، فالأزمات سبيل وطريق لتصحيح المسيرة والرجوع إلى جادة الصواب. إلا أننا في خضم الأزمة نحتاج إلى طرق ووسائل للخروج منها بأقل الخسائر ومن ثم محاسبة هذه الشركات على ما فعلته لتصحيح مسيرتها.
وأوضح العنزي أنه اختار موضوع تعثر المؤسسات، لأنه الموضوع الذي برز خلال الأزمة المالية، بل إن البعض قال إن الأزمة المالية إنما هي أزمة سيولة، بل إن هذا الأمر هو السبب الرئيسي لتعثر هذه المؤسسات.
ولفت العنزي بعد تعريفه لمفهوم الإعسار والإفلاس من الناحية الفقهية والقانونية إلى أن هناك فروقا بينهما يمكن تلخيصها فيما يأتي:
ـ الإفلاس حالة خاصة بالمدين- التاجر- الذي توقف عن دفع ديونه، أما الإعسار فحالة خاصة بالمدين- غير التاجر- وهي الحالة التي تكون فيها ديون المدين المستحقة الأداء أكثر من حقوقه. فالإفلاس يخضع للقانون التجاري بينما الإعسار يخضع للقانون المدني.
ـ يؤدي الإفلاس إلى وقف الدعاوى والإجراءات الفردية، ويؤدي إلى ائتلاف الدائنين ـ بقوة القانون ـ في جماعة تقوم على اتحاد مصالحهم ووحدة مصيرهم، كما يؤدي إلى تحقيق المساواة بينهم في توزيع ثمن أموال التفليسة عليهم وفقا لقسمة الغرماء. بينما شهر الإعسار لا يحول دون اتخاذ الدائنين لإجراءات فردية ضد المدين، فيجوز لكل دائن ـ على حسب مصلحته الخاصة ـ أن يبادر قبل غيره من الدائنين الى رفع الدعوى واتخاذ إجراءات ضد المدين لاستيفاء حقه ولو ترتب على ذلك حرمان الدائنين الآخرين من حقوقهم كلها أو بعضها، ويكون للدائن في سبيل ذلك الحجز والتنفيذ على ما يختار من أموال المدين التي يجوز الحجز والتنفيذ عليها لكن بالقدر الذي يكفي لاستيفاء حقه كاملا.