«مارك زوكربيرغ، ستيف جوبز، وبيل غيتس ما عندهم شهادات جامعية، الدراسة ما تفيدك في نجاحك كمبادر»، كثيرون يضربون المثل بهؤلاء المبادرين للتقليل من أهمية التعليم في نجاح المبادرين. لكن قليلا من يذكر أن بيل غيتس ومارك زوكربيرغ كانوا طلبة في جامعة «Harvard»، إحدى أفضل الجامعات في العالم.
كما أن بيل غيتس لم يترك جامعة «Harvard» إلا بعد عاما من بيعه لأول برنامج من مايكروسوفت، وأيضا مارك زوكربيرغ تركها بعد أن حصل على ردة فعل إيجابية من العملاء وشهد أول استثمار في شركته فيسبوك.
وبالعودة إلى ستيف جوبز نجد أنه كان طالبا في «Reed College» وقال لاحقا في خطاب قدمه في حفل تخرج في «Stanford» إنه لولا دراسته فن الخط في الجامعة لما استطاع «Macintosh» تقديم عدة خطوط للطباعة. فهؤلاء المبادرون يمثلون حالات استثنائية، لأنهم يملكون ذكاء عاليا واستطاعوا النجاح وهم طلاب. ولكن لم يتركوا التعليم لإنشاء مشروع جديد. بل تركوا تعليمهم لإدارة مشروعهم الناجح، وهو فارق مهم.
وإذا جئنا للمبادرين في الكويت تحضرني مقابلتي مع المبادر عبدالرزاق المطوع، مؤسس شركة غالية للتكنولوجيا، وهو شاب استطاع أن يحقق نجاحا باهرا في الكويت، فخلال ٥ سنوات من تأسيس شركته اشترت شركة إيفا ٤٠% من شركة غالية في صفقة تم تقييمها بملايين الدنانير، سألت عبدالرزاق عن سبب رغبته في إنشاء مشروع في بدايته، فقال لي «الكثير كان ينظر لي أني اقل نجاحا لأنني لم أدرس التخصصات المعتادة كالمحاماة، أو الطب، أو الهندسة أو المحاسبة، لكنني كنت مؤمنا بقراري، وأصبح هناك شغف بداخلي أن أثبت وأشرح للناس ان الذي درسته له قيمة اكبر مما هم يتصورون».
فالتعليم له عدة فوائد للمبادر، فهو يرسخ طريقة تفكيره وتحليله ويساعده على اتخاذ القرارات والنظر للأمور بشكل فذ.
وإذا نظرنا الى أمثلة لدول نجحت في خلق بيئة ريادة الاعمال مثل «Silicon Valley» في الولايات المتحدة وسنغافورة، نجد انه كان للتعليم والجامعات في تلك الدول دور أساسي في خلق بيئة المبادرة من خلال تنمية فكر الطلاب وخلق ثقافة الإبداع والمخاطرة والتجارب وعدم الخوف من الفشل، وخلق حاضنات للشباب تشجعهم على إنشاء أفكارهم.
لذلك فإنه يجب على الجامعات في الكويت ان تأخذ دورا أكبر في توفير بيئة لتعليم وتجهيز الطلاب لمواجهة تحديات إنشاء وإدارة مشروع جديد، من خلال:
١ - المقررات المختصة التي توفر للطالب معلومات عن إدارة مشروع صغير وتزرع فيه روح المبادرة والمخاطرة.
٢ - توفير حاضنات ومراكز ابتكار تمكن الطلبة من خوض تجارب من غير خسائر وتوفير مكان لاجتماع وتعارف الطلبة المهتمين بتبادل الأفكار.
٣ - تولي دور قيادي في التعاون مع الجهات المختصة كصندوق الكويت الوطني للمشاريع الصغيرة من اجل تنظيم دورات للطلبة قبل خوضهم لعمل المبادرة وتوفير ندوات تدعو المبادرين الى مشاركة تجربتهم ويكون هدفها تشجيع الطلبة.
بالإضافة الى ان هناك حاجة ماسة الى تعزيز «القدرة والرغبة في التعلم».
من خلال مقابلاتي مع المبادرين سألتهم عن صفات المبادر الناجح وفوجئت بأن الكثير منهم ذكر لي بالحرف الواحد «الرغبة والقدرة على التعلم». لتعزيز «الرغبة والقدرة على التعلم» من الضرورة تغيير أسلوب التعليم من التركيز على الحفظ أو تطبيق الحلول الى تعزيز روح البحث لإيجاد الحلول، أي تعزيز الرغبة والقدرة على التعلم والإبداع، فالقدرة على التعلم أصبحت صفة أساسية في نجاح كل شخص ليتعايش مع عالم التكنولوجيا والمعلومات.
فكرة هذا الأسبوع هي ان كان التخصص الدراسي في بعض الأحيان لا صلة له بنجاح المشروع (وهو موضوع الأسبوع المقبل)، فإن للتعليم دورا مهما في خلق بيئة المبادرة وإنشاء ثقافة المبادرة، وتوفير فرص للممارسة وإتقان المبادرة، بالإضافة إلى تنمية أسلوب فكر المبادر.
وإن كانت المؤسسات التعليمية توفر للطلاب فرصا لإتقان وتشجيع المواهب كممارسة الرياضة والرسم وغيره، فلمَ لا يكون هناك مخطط واضح لتشجيع وتدريب الابتكار؟
وفي الختام أقول إن ضرب الأمثلة بمبادرين لم يكملوا دراستهم الجامعية رغم التحاقهم بأفضل الجامعات للتقليل من أهمية التعليم لا يثبت شيئا، عدا ذكاء هؤلاء المبادرين.
د.نواف العبدالجادر - دكتور ريادة أعمال في جامعة الكويت
alabdulj@