بقلم: د.نواف العبدالجادر - دكتور ريادة أعمال في جامعة الكويت
يأتي دور الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة من منظور تشجيع عدد أكبر من أفراد المجتمع لإنشاء مشاريع، ودعم وتنمية تلك المشاريع لتحقيق نجاحات تساهم في الاقتصاد المحلي.
ولتحقيق الهدف، يجب تعديل بعض القوانين المتعلقة بالصندوق، فإن بعض شروط ومتطلبات الاستفادة من الصندوق تعتبر عائقا أمام تشجيع عدد كبير من الأفراد للاستفادة من دعم الصندوق.
على سبيل المثال، تنص المادة 19 من اللائحة التنفيذية للصندوق على ان «لا تقبل طلبات التمويل من أي شركة سبق أن حصل أي من الشركاء بها على تمويل من الصندوق» أي انه في حال نجاح مبادر سبق أن سدد ما عليه من التزامات، فلا يحق له الحصول على دعم الصندوق في وقت آجل. هذا وقد يمنع المبادرون الناجحون ذوو الخبرات من الاستفادة من الصندوق في وقت آجل. حيث تبين الدراسات أن المبادرين الذين يملكون عدة مشاريع أكثر نجاحا من غيرهم بحكم خبرتهم. فيجب تقبل الحقائق، ووضع شروط تتماشى مع هذه الحقائق.
كما تنص المادة 5 -10، من قانون 98/2013 على «أن يلتزم صاحب المشروع بتوظيف الكويتيين وفقا للجدول الزمني المحدد من قبل الصندوق». فإن هذا الشرط يسبب عائقا للمبادرين لكون معظم المشاريع التي تنشأ، لا تتماشى مع توقعات ومطالبات العمالة الكويتية، مما يصعب على المبادر توظيف الكويتي. كما أنه، وكما هو معروف، تعتبر الحكومة المنافس الأكبر للمشاريع في توظيف الكويتيين، حيث توفر الحكومة رواتب أفضل مما يسنح لمعظم المبادرين توفيره لاستقطاب العمالة الكويتية.
وعليه فيقترح العمل على تشجيع عدد أكبر من المواطنين للعمل في مشاريع صغيرة ومتوسطة، بدلا من وضع مسؤولية التوظيف على عاتق المبادرين. فمن الممكن، توفير «دعم عمالة مشاريع صغيرة ومتوسطة» يختلف عن «دعم العمالة» في القطاع الخاص ويوفر مزايا تشجع على العمل في المشاريع. ومن المفترض التعاون مع الجامعات وتشجيع حديثي التخرج للعمل في مشاريع صغيرة ومتوسطة. حيث نلاحظ تزايدا في عدد المنتظرين للتوظيف، حيث اوضحت أحدث البيانات، ان ما يزيد عن 11 ألف شخص مسجلون على قوائم انتظار التوظيف في ديوان الخدمة المدنية. فلم لا يتم الاستعانة بتلك الطاقات وتشجيعها للعمل في مشاريع صغيرة؟
بالإضافة الى ان معظم المشاريع ذات الامكانية العالية للنمو، تفتقد الخبرات المحلية القادرة على المساهمة في تحقيق أهدافها. لذلك، وإذا نظرنا للأمثلة المحلية، يلجأ المبادر لصرف مبالغ كبيرة لجلب العمالة الخارجية. ورغم أهمية الخبرات العالمية في نجاح المشاريع، وأهمية تلك المشاريع لتحقيق أهداف الصندوق، إلا أننا لا نكاد نرى أي جهود لتسهيل جلب عمالة ذات خبرات عالية، لتساعد وتشارك المبادرين المحليين. على سبيل المثال، توفر جمهورية تشيلي «تأشيرة تكنولوجيا» هدفها جلب الخبرات والمختصين في مجال التكنولوجيا وتوفير المزايا للخبرات، في حال مشاركتهم مع مبادر محلي او توظيفهم في مشروع محلي.
تنص المادة رقم 5 -3 على «أن يتفرغ صاحب المشروع تفرغا كاملا لإدارة المشروع، وإذا كان موظفا يمنح بناء على طلبه اجازة للتفرغ لا تزيد على ثلاث سنوات». فرغم ان هذا الشرط قد يحقق هدف تخفيف الضغط الوظيفي عن القطاع الحكومي، إلا أن طلب التفرغ قد ينفر الكثير من الاستعانة بالصندوق لإنشاء مشروع جديد ودعم مشروعهم، حيث ان ما يقارب 84% من العمالة الكويتية يعملون في القطاع الحكومي، والكثير من تلك العمالة لا تتقبل ترك الاستقرار الوظيفي واستمرارية الراتب. كما ان هذا الشرط لا يزيد من نجاح المشروع، حيث بينت الدراسات في الدول الأخرى ان نسبة فشل المبادر الذي يترك وظيفته لإنشاء مشروعه ثلاثة أضعاف نسبة فشل المبادر الذي يتمسك بوظيفته ويدير مشروعه. فإن هذا الشرط، لا يأخذ بعين الاعتبار متطلبات ورغبات المبادرين، ويبدو انه يفتقد لأي أسس علمية. لذا يقترح وضع شرط التفرغ في حال حقق المشروع نجاحا معينا، أو نسبة ربح معينة، بدلا من وضع شرط التفرغ للاستفادة من الصندوق.
أخيرا، مازال الصندوق يشترط على المبادر توقيع إقرار دين، والذي قد تصل عقوبته الى السجن في حال فشل المشروع. كما ان في حال مشاركة الصندوق في المشاريع بنسبة تتجاوز 25% من رأسمال المشروع، يخضع هذا المشروع لرقابة ديوان المحاسبة المشددة، حيث تنص المادة 9 لقانون 98/2013 على أن «تخضع جميع العقود المبرمة وفقا لأحكام هذا القانون للرقابة اللاحقة لديوان المحاسبة».
ورغم ان نسبة المخاطرة والخسارة في مثل هذه المشاريع عالية، إلا أن نصوص قانون حماية الأموال العامة لا تعفي أصحاب المشاريع من المسؤولية القانونية في حال خسارة المشروع، والذي يشمل، وفقا لنص المادة رقم 14، من قانون رقم 1، لسنة 1993، بشأن حماية الأموال العامة، إمكانية العقوبة بالحبس المؤقت، مما يشكل هاجسا للمبادرين، وقد يمنع المبادر من المخاطرة والابتكار. وعليه، فإن المقترحات الحديثة بشأن قانون الإفلاس، وإلغاء عقوبة الحبس تعتبر من التطورات الإيجابية، فيجب طرح قانون جديد مختص بمراقبة شؤون وأعمال المشاريع مع ما يتماشى مع واقع خسائره، حيث يضمن القانون استعمال المبادرين للأموال بالغرض المتفق عليه، على الا يعاقب في حال فشل المشروع..
وفقا لما طرح فيجب العمل على تطوير قانون رقم 98 لسنة 2013 بشأن الدعم المقدم من الصندوق الوطني. حيث ان هناك عدة شروط لا تشجع عددا أكبر من أفراد المجتمع لإنشاء مشروع، بل هي أشبه بأن تقول للمجتمع «أتحداك تبادر».
وللحديث البقية..