-
القدرات المالية لدول الخليج ساعدتها على اجتياز تداعيات الأزمة العالمية ولا بديل عن تعزيز تنافسيتها في المدى الطويل
أشــار بــنك الكــويت الوطـــني في تقــريره الاقتصادي الاخير إلى أن الاقتصادات الخليجية استطاعت أن تتفادى تداعيات تدهور الاقتصاد العالمي والأزمة الاقتصادية بتكلفة محدودة نسبيا، بفضل مركزها المالي القوي الذي أتاح لها إطلاق برامج تحفيزية لدعم النمو الاقتصادي. ومن دون شك، أثبتت الأزمة أهمية السياسات المالية والتدخل الحكومي المباشر لمواجهة تداعيات التدهور الاقتصادي في المدى القصير. لكن فضلا عن دورها هذا، لا يجوز اعتبار السياسات المالية بديلا عن تعزيز تنافسية الاقتصاد ودعم أسسه. ومن هذا المنطلق، يجب أن يكون تعزيز متانة الاقتصادات الخليجية في وجه الصدمات التي قد تطرأ في المستقبل على رأس أولويات الحكومات الخليجية.
ورأى التقرير أن الاقتصادات الخليجية تخطو رغم مصادرها الضخمة بوتيرة بطيئة في تحقيق رؤيتها وأهدافها الإستراتيجية، لاسيما تلك المتعلقة بالحد من الاعتماد الكبير على النفط من خلال تنويع الاقتصاد وتعزيز دور القطاع الخاص فيه. وفي الواقع، تظهر التجربة أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب خلق بيئة أعمال جذابة. ما لم يترجم على أرض الواقع في المنطقة بعد.
تحديان اقتصاديان
وإلى جانب عدم الاستقرار الناجم عن تقلبات أسعار النفط والقدرة المحدودة على توقع مسارها في المستقبل، لحظ التقرير أن الاقتصادات الخليجية تواجه تحديين أساسيين خلال العقد المقبل، يتمثلان في خلق العدد الكافي من الوظائف لاستيعاب النمو المتسارع في عدد المواطنين الداخلين إلى سوق العمل، واحتمال أن تقع الميزانيات الحكومية في عجوزات كبيرة.
وفي التحدي الأول، أوضح التقرير أن التقديرات تشير إلى أن أكثر من نصف عدد المواطنين الخليجيين الذين دخلوا سوق العمل في العام 2008 قد توظفوا في القطاع العام، وتتراوح نسبة العاملين في القطاع العام من إجمالي حجم القوى العاملة بين 30% في البحرين، و50% في السعودية، و82% في الكويت، و88% في قطر، ونحو 85% في الإمارات. وبالتالي، من الواضح أن قدرة القطاع العام على استيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل ستكون محدودة أكثر في المستقبل.
أما التحدي الثاني فيتمثل في احتمال أن تقع ميزانيات دول الخليج في عجوزات كبيرة، إذ دفعت الطفرة النفطية الأخيرة، التي بدأت في العام 2003 واستمرت خمس سنوات متتالية، بالحكومات الخليجية إلى زيادة مصروفاتها بوتيرة غير مسبوقة. وقد نمت المصروفات الحكومية بمتوسط 16% سنويا خلال السنوات الخمس الماضية، ويتوقع أن ترتفع بواقع 12% إضافية في العام الحالي، ومن المرجح أن يحد ذلك من قدرة الحكومات الخليجية على مواجهة التحديات الاقتصادية في المستقبل، ويزيد من احتمال وقوع ميزانيات الدول الخليجية في عجز في حال انخفضت أسعار النفط.
ورأى التقرير أن الحكومات الخليجية تستطيع مواجهة هذين التحديين عبر إتاحة المجال أمام القطاع الخاص للعب دور أكبر في الاقتصاد، وذلك بهدف خلق الوظائف الكافية وليكون الموفر الأساسي للخدمات العامة. وللقيام بذلك، على الحكومات أن تتخذ سياسات تسهل من عمل القطاع الخاص وتزيل العقبات غير الضرورية أمام المستثمرين. ورغم التقدم الذي تحقق على هذا الصعيد، يبقى الكثير لتحقيقه.
بيئة الأعمال
وذكر أن التقرير السنوي للبنك الدولي عن سهولة القيام بالأعمال، الذي أطلق في العام 2003، يمثل مصدرا مهما لتقييم نوعية بيئة الأعمال عالميا، ويلقي التقرير الضوء على آفاق البيئة الاقتصادية حيث الإصلاحات ضرورة ملحة. كما أنه يشكل معيارا لوتيرة تنفيذ الإصلاحات ويساعد المستثمرين على اتخاذ القرارات الاستثمارية.
ولحظ التقرير أن تقرير العام الحالي يصنف الدول الخليجية في الثلث الأول بين كل الدول من حيث بيئة الأعمال، وتتصدر السعودية الدول الخليجية من حيث جاذبية بيئتها الاقتصادية، تليها البحرين، ثم تأتي الكويت وعمان في المرتبتين الأخيرتين خليجيا في التصنيف.
وقد استطاعت الإمارات والسعودية تحسين تصنيفهما بشكل ملحوظ خلال السنوات الخمس الماضية، إذ تقدمت الأولى 36 مرتبة والثانية 25 مرتبة، مع الإشارة إلى أن التقرير قد أضاف 28 دولة جديدة على لائحته خلال هذه الفترة. وفي المقابل، تراجع تصنيف الكويت وعمان بواقع 14 مرتبة خلال هذه الفترة، ما يشير إلى أنهما قد فقدنا بعض المميزات لصالح دول أخرى، حيث الإصلاح يمضي بوتيرة أسرع، ومن بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تبدو الدول الخليجية في وضع أفضل، وتأتي بين الدول الــ 19 الأولى في الترتيب. وباستثناء تونس التي تأتي بعد عمان ببضع مراتب فقط، تبتعد دول المنطقة الأخرى عن الدول الخليجية من حيث التصنيف، إذ تأتي الأردن في المرتبة 100، ومصر في المرتبة 106، ولبنان في المرتبة 108، والمغرب في المرتبة 128.
نقاط القوة والضعف
وأوضح التقرير أن المؤشر العام لسهولة القيام بالأعمال يحسب لكل بلد على أساس متوسط عشرة مؤشرات تقيم سهولة القيام بالأعمال التالية: البدء في عمل جديد، استخراج الموافقات للأعمال الإنشائية، التوظيف، تسجيل الملكية، الحصول على التمويل، حماية المستثمرين، تسديد الضرائب، التجارة عبر الحدود، إلزامية العقود، وإقفال عمل قائم.
ورأى التقرير أن هذه المؤشرات العشرة تكشف دلالات مهمة بالنسبة للاقتصادات الخليجية، بداية، لم تستطع أي دولة خليجية، منذ العام 2006، أن تحرز تقدما في جميع المؤشرات. وهذا ينطبق أيضا على قطر والبحرين اللتين بدأ تصنيفهما في العام 2009. ثانيا، كانت السعودية والإمارات الوحيدتين اللتين حققتا تقدما واضحا في وتيرة الإصلاحات. إذ تقدمت السعودية في تصنيف ستة مؤشرات منذ العام 2006، لاسيما من ناحية البدء في عمل جديد والتجارة عبر الحدود، بينما حققت الإمارات تقدما في تصنيف سبعة مؤشرات، لاسيما من ناحية البدء في عمل جديد أيضا واستخراج الموافقات. ثالثا، جاءت جميع الدول الخليجية بين الدول الـ 15 الأولى من حيث تدنى المعدلات الضريبية وسهولة الإجراءات الضريبية. رابعا، تأتي بعض الدول الخليجية في المراتب الخمس الأولى عالميا في عدد من المؤشرات. فالسعودية، على سبيل المثال، تتصدر دول العالم في سهولة تسجيل الملكية وتبسيط إجراءاته، بينما تحتل قطر المرتبة الثانية من حيث تسديد الضرائب، والإمارات في المرتبة الخامسة من حيث التجارة بين الحدود. وأخيرا، تعاني الدول الخليجية كافة من نقاط ضعف أساسية في مؤشر إلزامية العقود، الذي يأخذ في الحسبان الوقت والتكلفة وتعقيد الإجراءات في الدعاوى التجارية، ويتراوح تصنيف الدول الخليجية وفق هذا المؤشر بين المرتبة 95 عالميا لقطر، والمرتبة 140 للسعودية.
تحسين بيئة الأعمال
وأشار إلى أن تصنيف الدول الخليجية في تقرير سهولة القيام بالأعمال يلقي الضوء على الحاجة إلى مواجهة بعض القصور في بيئة الأعمال. ورغم التقدم الذي تحقق في هذا المجال، إلا أنه يبقى محدودا. ومن حسن الحظ أن الإصلاحات المطلوبة ليست صعبة التنفيذ بمعظمها، ويمكن تبنيها من دون عوائق. ويمكن اعتبار السعودية مثالا من حيث وتيرة الإصلاحات الأسرع خليجيا في السنوات الأخيرة، رغم أن أجندة الإصلاحات التي وضعتها السعودية مازالت طويلة. بينما تأتي الكويت وعمان في المرتبتين الأخيرتين من حيث بيئة الأعمال، وأيضا من حيث وتيرة الإصلاحات. ومن مصلحة البلدين أن يعملا بشكل حاسم لردم الهوة القائمة في هذا المجال بينهما وبين الدول الخليجية الأخرى، إذ يتطلب بدء عمل جديد في الكويت، على سبيل المثال، 13 إجراء و35 يوما، مقارنة مع 4 إجراءات و5 أيام في السعودية. كذلك، يتطلب التصدير والاستيراد في الكويت 8 و10 معاملات على التوالي، مقارنة مع 5 معاملات للحالتين في السعودية. لكن التقرير رأى أن من شأن البيئة الاقتصادية العالمية حاليا أن تشجع الدول الخليجية على تسريع وتيرة الإصلاحات في بيئة الأعمال لديها.