- القوات البحرية الغازية تحركت من ميناءي أم قصر والزبير قبل الغزو بـ 24 ساعة والتوجيهات كانت بعدم الاقتراب من السواحل العراقية حتى لا نستفزهم
- قيادة الأركان طلبت منا الانسحاب إلى السعودية بعد وصول الدبابات العراقية إلى ميناء الشويخ وكانت الخشية من وقوعنا في مرمى نيرانهم ووقوع ضحايا
- نظمنا هجوماً مضاداً في الحادية عشرة صباح ٢ أغسطس على القاعدة البحرية وتمكنا من تدمير الزورق العراقي وشاهدنا إسقاط هيليكوبتر للعدو بصاروخ كويتي
- اضطررنا للانسحاب إلى جزيرة أم المرادم لإعادة تقييم الوضع بعد نفاد ذخيرتنا.. وجاءت الأوامر بالتوجه إلى منطقة الخفجي للتزود بالذخيرة وإكمال الاستعدادات
- واجهنا العدو بالزورقين «استقلال» و«السنبوك» مقابل عدد مهول من القطع البحرية وتمكنا من رد الهجوم الواسع جداً وأجبرناهم على التراجع عن شمال وجنوب جزيرة كُبّر
- جهزنا جميع الزوارق عدا اثنين في الرابعة من صباح 2 أغسطس وجاءتنا التقارير: المناوشات على الحدود ازدادت لكن لا توجد أي تحركات من العدو من جانب البحر
- الهجوم البحري لقوات العدو تم على 4 محاور تبعد عن ساحلنا نحو 40 ميلاً ومقدمته كانت سفناً صاروخية ونحو 250 قطعة بحرية وبدأنا الاشتباك معهم ٦:١٥ صباحاً
- الاشتباك الأخير كان مع زورق عراقي يبلغ طوله 150 قدماً وعليه 60 عسكرياً دُرّبوا بشكل كبير وتمكنوا من احتلال القاعدة البحرية بعد أن أمرنا بوقف إطلاق النار
أجرى الحوار: عبدالهادي العجمي
تحلّ اليوم الذكرى الـ 29 للاحتلال العراقي الغاشم للكويت، التي تثير الكثير من التداعيات خاصة في ظل الظروف الإقليمية الملتهبة في المنطقة.
ورغم الاحتلال الذي بدأ في 2 أغسطس 1990 واستمر شهورا فإن سطورا من البطولة سجلها أبناء الكويت في مختلف قطاعات الجيش الذي واجه عدوانا غادرا من جار دبر للكويت السوء على مدى سنوات.
القوات البحرية كانت احد التشكيلات العسكرية التي واجهت وجابهت العدوان بكل جسارة رغم فارق الامكانات، ومفاجأة الغزو.
«الأنباء» التقت آمر القوة البحرية السابق الفريق الركن بحري متقاعد جاسم الأنصاري بعد 29 عاما من الغزو والذي قال: لم نكن نتوقع من النظام العراقي أنه كان يبيت النية لغزو الكويت، لافتا الى ان الوضع العام لجميع قوات الجيش الكويتي قبل الغزو العراقي الغاشم كان يسير على حسب التعليمات الصادرة إلينا بعدم التصعيد مع القوات العراقية.
وشدد الفريق الأنصاري على أن المعركة البحرية التي حصلت في الساعات الأولى للغزو لم تكن متكافئة نظرا للهجوم المباغت للعدو، حيث كنا نواجه العدو بزورقين مقابل عدد مهول من القطع البحرية العراقية ومع ذلك استطعنا رد هذا الهجوم وإرباكه بعض الوقت.
وأشار الى ان كثيرا من ضباط وأفراد القوة كان صعب التواصل معهم كون القوات العراقية قصفت عُقد وأبراج الاتصالات وفي ذلك الوقت كان عدد من يملك جهاز اتصال متنقلا قليلا جدا.
وأضاف: كنا في موسم الصيف وأغلب القوة إما كانوا في إجازات سنوية أو عطلة نهاية الأسبوع واختيار يوم الخميس لاجتياح الكويت حتما كان مدبرا له منذ وقت.
وأوضح الأنصاري أن الهجوم العراقي جاء عبر أربعة محاور كانت مقدمته تتكون من سفن صاروخية يتبعها عدد مهول من سفن الإنزال تقدر بـ 250 قطعة بحرية، لافتا الى ان ابناء القوات البحرية بذلوا جهودا جبارة في محاولة صد الهجوم واستعادة مواقع تمكنت القوات العراقية من السيطرة عليها.
الفريق الركن بحري متقاعد جاسم الأنصاري تحدث بالتفصيل عن ساعات وأيام الغزو الغاشم، وكيف حاولت القوات البحرية بما لديها من إمكانيات القيام بدورها في الحفاظ على الكويت. فإلى التفاصيل:
حدثنا عن الأحداث والأوضاع قبل الاحتلال العراقي الغاشم وهل كان الجيش الكويتي على أهبة الاستعداد؟
٭ الوضع العام للجيش الكويتي قبل الاحتلال العراقي الغاشم في 2 أغسطس 1990 كان يسير على حسب التعليمات الصادرة إلينا بعدم التصعيد مع العراق ولم تصدر أي برقيات لحجز القوات المسلحة وكنا بانتظار اجتماع جدة وما يترتب عليه من أحداث، لكن للأسف فإن النية كانت مبيتة من قبل النظام العراقي بالهجوم على الكويت، والقوة البحرية في ذلك الوقت كانت تمتلك 8 زوارق صاروخية إضافة إلى بعض سفن الخدمات وسفن الإنزال، وكنا في موسم الصيف والإجازات، وبما أن القيادة السياسية لا تريد تصعيد الموقف مع العراق كانت القوة البحرية تكتفي بزورق واحد للدورية في اليوم وباقي الزوارق في القاعدة البحرية، وفي تاريخ ٢ أغسطس كان في البحر زورق واحد يحمل اسم «السنبوك»، وفي تلك الفترة كنت برتبة رائد وقائد زورق يحمل اسم «استقلال»، حيث تم استدعاء بعض الضباط وأنا كنت احدهم حوالي الساعة 2 صباحا، فتحركت من منزلي فور الاستدعاء ووصلت إلى القاعدة البحرية حوالي الساعة 2.30 والتحقت على الفور بزورقي، وكان في الزورق الملازم عادل الظفيري وكان متدربا في ذلك الوقت وغير منصّب على الزورق.
وكيف بدأتم ترتيب وتجهيز قواتكم لمواجهة الموقف؟
٭ عند الساعة 3 صباحا طلبت من الملازم عادل أن يستدعي طاقم الزورق «استقلال» من الضباط وضباط الصف والأفراد ومن ثم توجهت إلى مركز العمليات البحري في القاعدة البحرية، وطلب مني أن أكون على أهبة الاستعداد لتلقي الأوامر، وكان الوضع كما هو واضحا لدينا في مركز العمليات ان هناك مناوشات على الحدود الشمالية، وبعد ذلك عدت إلى الزورق وسألت الملازم عادل الظفيري إن كان أحد من الضباط رد عليه، فقال إن هناك مشكلة في خطوط الهواتف الأرضية، حيث اتضح لنا فيما بعد ان العراقيين قصفوا بعض عقد الاتصالات وكانت هناك صعوبة في استدعاء أطقم الزوارق من خلال الهاتف الأرضي أضف الى ذلك انتقال كثير من الضباط والأفراد للسكن في منطقة القرين وفي ذلك الوقت لم تكن مزودة بعد بالخدمة الهاتفية.
وفي بادرة مني ذهبت إلى الزوارق لتجهيزها للإبحار، حيث ان هذا التجهيز وهو تسخين المحركات وتشغيل البوصلة الرئيسية للزورق يستغرق من الوقت نصف ساعة إلى ساعة تقريبا خاصة البوصلة الرئيسية تحتاج إلى نصف ساعة حتى تعطيك الاتجاه الصحيح وبدلا من أن يكون التيار الكهربائي من الرصيف إلى الزورق قمت برفع جميع الجرانيتات الكهربائية «الكيبلات» وقمت بتشغيل المولدات الكهربائية للزوارق حتى عندما يأتي أي من أطقم الزوارق من الضباط والافراد يكون الزورق جاهزا للإبحار وذلك اختصارا للوقت والجهد.
بعد ذلك وفي الساعة 4 صباحا رجعت لمركز العمليات وأبلغتهم بأن جميع الزوارق جاهزة للإبحار عدا «زورقين» كانت تحت الصيانة وليس فيها وقود تلك اللحظة. واستفسرت منهم عن الوضع فكانت الإجابة ان المناوشات على الحدود ازدادت، أما من جهة البحر فلا توجد أي تحركات من جانب العدو.
صد الهجوم
كيف استطاعت القوة الكويتية المكونة من زورقي ردع التصدي لهجوم الزوارق العراقية وتدميرها؟ وماذا تستذكر من تلك العملية البطولية في بدايات الاحتلال؟
٭ كنا نتدرب على ان القوات البحرية العراقية ستكون انطلاقتها من ميناء أم قصر وميناء الزبير، وحتى تعبر خور عبدالله تحتاج إلى وقت كبير وبإمكاننا التصدي لها وإيقافها عند خور عبدالله ولكن لم نكن نعلم أن القوات البحرية العراقية غادرت ميناء أم قصر وميناء الزبير قبل الغزو بـ 24 ساعة، حيث كانت النية مبيتة وهذا الأمر حدث لأننا منعنا من الاقتراب من السواحل العراقية والاستطلاع حتى لا تكون هناك أي عمليات استفزازية للعراقيين وهو الأمر الذي أتاح لهم الفرصة بحشد قواتهم البحرية وانطلاقها من مناطق بعيدة استعدادا للهجوم دون ان نكتشفهم.
بعد ذلك التحق في زورقي 3 ضباط جميعهم تحت التدريب، أما الضباط الأساسيون الأربعة فلم نستطع التوصل اليهم، والزورق الواحد طاقمه يتكون من 28 عسكريا إضافة إلى 5 ضباط «قائد الزورق ومساعده وضابط العمليات وضابط الاتصالات والملاحة والمهندس». وفي الساعة الخامسة صباحا رجعت إلى مركز العمليات وأبلغتهم بوضع الزوارق وأننا ما زلنا بانتظار الأطقم وعدد الذين حضروا قليل.
وأنا في مركز العمليات تم إبلاغنا بأن هناك عملية إنزال جوي للقوات العراقية على قاعدة «علي السالم الجوية» فتوقعت أن تكون هناك عملية إنزال على القاعدة البحرية وعدت مرة أخرى إلى الزوارق وطلبت من القوة المتواجدة تجهيز الرشاشات الثقيلة بالذخيرة ووضعها على جوانب الزوارق والتعامل بشكل فوري مع أي هدف جوي يقترب من القاعدة البحرية، وفي تلك اللحظة كان مستودع الذخيرة مقفلا فأصدرت أمر بكسر الأقفال واستخراج الذخيرة، وفي الساعة 5.30 أرسل قائد الزورق «السنبوك» المتواجد في البحر برقية بأنه يشاهد من خلال الرادار الهجوم من جهة الشرق وهو هجوم مترافق مع طيران «هيليكوبتر» باتجاه الكويت، فتأكدنا ان القوات البحرية العراقية بدأت بالهجوم البحري.
للعلم قبل 2 أغسطس أزلنا جميع الصواريخ من على الزوارق للصيانة ولكننا أمام واقع لابد من التعامل معه فطلبت من القيادة الاستئذان بالخروج بما هو متوافر لدي من الطاقم لمساندة زورق «السنبوك» في التصدي للهجوم، فخرجت بالزورق بطاقمه الذي لا يتعدى ربع الطاقم الأساسي ولكنهم كانوا رجالا، وكنا نتوقع انتشار القوات البحرية من جهة «خور عبدالله» شمالا، فاتضح لنا أن العدو قام بنشر قواته من ناحية الشمال والوسط والجنوب والهجوم البحري كان على 4 محاور تقريبا تبعد من الساحل الكويتي مسافة 40 ميلا بحريا وتحديدا شرق جزيرة كبر بعشرين ميلا وكانت محاور الهجوم كالتالي: المحور الأول متجه إلى جون الكويت للسيطرة على قصر دسمان وقصر السيف والمباني الحكومية والمحور الثاني كان متجها إلى السالمية والأجزاء التي حواليها والمحور الثالث كان متجها إلى الموانئ النفطية الشعبية والأحمدي وميناء عبدالله والمحور الهجومي الرابع كان متجها إلى الحدود الجنوبية بما فيها القاعدة البحرية وما رصدناه من خلال الرادار ان مقدمة الهجوم للقوات العراقية تتكون من سفن صاروخية يتبعها عدد مهول من سفن الإنزال تتراوح بين 200 و250 قطعة بحرية، وبدأنا الاشتباك مع العدو في السادسة والربع صباحا بزورقي «استقلال» و«السنبوك» ومع عدم جاهزيتهما أيضا جاهزية كاملة، ولكننا استطعنا رد هذا الهجوم الواسع جدا وارباكه وتراجعه عندما رأى ان هناك مقاومة شرسة من موقعين، حيث كان زورق السنبوك مشتبكا مع العدو شمال جزيرة كبر، وزورقي «استقلال» اشتبكنا مع العدو جنوب جزيرة كبر، حيث المدفع الأمامي للزورقين مداها 16 كيلو والمدفع الخلفي مداها 8 كيلوات للأهداف السطحية.
وكيف تطورت الأحداث بعد ذلك؟ وكيف تمكن العراقيون من السيطرة على القاعدة البحرية؟
٭ الهجوم العراقي جاء شمالا بالقرب من قصر السيف ونظرا لبعد المسافة عنا وكذلك ذخيرتنا كانت محدودة جدا والطاقم أيضا كان محدودا والاتصال بالقيادة بدأ يتقطع، وبحكم اني أقدم رتبة من قائد زورق «السنبوك» كانت القيادة لي في المعركة البحرية، وكان الاشتباك الأخير مع زورق عراقي الذي كان في المقدمة ورأس الحربة للمعركة يبلغ طوله تقريبا 150 قدما، وكانت سرعته عالية جدا، واتضح لنا فيما بعد انه محمل بوحدات خاصة عراقية تقدر بسرية عسكرية كاملة تقريبا يبلغ عدد أفرادها ما بين 50 و60 عسكريا مدربين بشكل كبير ويريدون احتلال القاعدة والسيطرة عليها قبل طلوع النهار، وهذا الزورق وصل الى القاعدة البحرية، وبدأ بالاشتباك مع حرس القاعدة الساعة 7 صباحا، واستشهد في هذا الاشتباك الشهيد بإذن الله تعالى الملازم جمال سعد سلطان السالم، وأصيب عدد من العسكريين الكويتيين واستطاع العدو السيطرة على القاعدة، وبالتالي جاءنا امر بوقف إطلاق النار من قبل مركز العمليات في القاعدة، وكنت متأكدا ان هذه الأوامر صدرت من زملائنا وهم تحت تهديد سلاح العدو، وطلب منهم ان يصدروا أوامر لنا بوقف القتال، وعلى الفور طلبت من قائد زورق «السنبوك» تغيير جميع الذبذبات حتى لا يدخل علينا العراقيون ويبدأوا بمساومتنا على أرواح زملائنا، وتم تغيير الذبذبات، وطلبت من زورق «السنبوك» الانسحاب جنوبا لموقعي الذي كان قريبا من القاعدة البحرية حتى لا نسمح للعراقيين الذين دخلوا القاعدة بأن يتمددوا أكثر، وكذلك قطع اي إسناد لهم، وفي الساعة 8 صباحا قلت لقائد زورق السنبوك «ما عاد فيها خلنا نبحر» الى قصر دسمان ونبدأ بالقتال مع القوات البحرية العراقية إما يدمروننا او ندمرهم، وأثناء توجهنا الى الساحل بالقرب من قصر دسمان كانت القوات العراقية تبتعد كلما اقتربنا منها ولم نتعرض لأي هجوم منها او أي قصف من طائرات الهيليكوبتر او الطائرات الحربية الأخرى التابعة للعدو.
«خلنا نسوي شي»
هل صدرت لكم أوامر بالانسحاب بعد ان تبين الحجم الكبير للهجوم العراقي الغادر؟
٭ عند وصولنا المنطقة البحرية مقابل ميناء الشعيبة في الساعة العاشرة لم يكن لدي جهاز اتصال وكان قائد زورق «السنبوك» لديه جهاز تلفون «انطلق واحد»، فأعطيته أرقام هواتف رئاسة الأركان العامة للجيش والإدارة العامة لخفر السواحل في وزارة الداخلية، وطلبت منه الاتصال بهم ويستفسر منهم عن الوضع الحاصل على السواحل وعن الأوامر التي صدرت، وبعد ذلك حدثني قائد زورق «السنبوك» قائلا: اتصلت برئاسة الأركان وطلبوا مني الانسحاب الى المملكة العربية السعودية الشقيقة فرددت عليه بالقول «ما فيه انسحاب.. خلنا نسوي شي»، وبعدها اتصل قائد زورق «السنبوك» بقيادة خفر السواحل ورد عليه قائد خفر السواحل الرائد عبدالله ابا الخيل، وقال ان الدبابات العراقية وصلت ميناء الشويخ، وهنا أعدت تقييم الموقف بأننا اذا ذهبنا الى هناك سنقع بين المدفعية العراقية المتمركزة على ساحل ميناء الشويخ وبين القوات البحرية العراقية، لذلك قررت الخروج من هذه المعمعة وأعيد مرة اخرى تقييم الموقف لعلي أفعل شيئا، فرجعنا الى جهة الجنوب مقابل القاعدة البحرية وقلت لقائد «السنبوك»: «خلنا نقوم بآخر محاولة بفك الحصار عن القاعدة البحرية وتحرير زوارقنا والخروج بها الى المملكة العربية السعودية الشقيقة». ونحن في الطريق حدثني الملازم اول فاضل الوثيقي وكان قائد سفينة إنزال في ذلك الوقت من خلال جهاز لاسلكي وزودني بجميع ما يحدث في القاعدة وان العدو أسر قائد القوة البحرية والقيادة الموجودة ونقلوهم الى مكان قرب «بركسات» الغواصين، وأبلغني الوثيقي بان أفراد العدو يتراوحون بين 50 و60 منتشرين على الساحل ومباني القيادة ولم يسيطروا على جميع القاعدة حتى الآن، واستفسرت من الضابط الوثيقي عن الدخان المتصاعد من القاعدة، فقال الوثيقي ان العراقيين قصفوا الـ «آر.بي.جي» الحارق للمدرسة البحرية، وقال الفريق الأنصاري ان الضابط الوثيقي لم تكن لديه أكثر من هذه المعلومات لأنه كان على متن سفينته، وحسب كلامه لي انه حاول ان يصطدم بالزورق الذي انزل القوات ولكنه لم ينجح في ذلك نظرا لسرعة الزورق العراقي، بعد ذلك قمت بوضع خطة بأن نهجم على القاعدة من جهة البحر، خاصة انني رصدت ثلاثة زوارق للعدو: الاول من جهة الشمال للقاعدة والثاني من جهة الجنوب والثالث مقابل القاعدة، فطلبت من قائد «السنبوك» الدخول أولا كون حجم زورقه أصغر من زورقي وأن يشتبك معهم بالأسلحة المتوافرة على متن زورقه وبالتالي نقوم بتحرير زوارقنا، وبدأنا الهجوم الساعة 11 صباحا ونجحنا في تدمير الزورق العراقي من جهة الجنوب واشتعلت فيه النيران، ومن ثم اتجهنا الى القاعدة، وخلال هذا الوقت شاهدنا حركة طائرات كثيفة كانت متجهة الى القاعدة البحرية، فسقطت احدى طائرات الهيليكوبتر التابعة للعدو من جهة الشرق بواسطة صاروخ انطلق من سلاح الدفاع الجوي الكويتي القريب من القاعدة البحرية والذي كان بقيادة الرائد عبدالله العصفور، واتضح لنا فيما بعد ان الطائرة العراقية التي تم اسقاطها محملة بقياديين من القوة البحرية كانت مهمتهم إدارة القوة البحرية العراقية من القاعدة وقتلوا جميعا بعد سقوط الطائرة في عرض البحر، فاستمررنا في الهجوم حتى الساعة الثانية ظهرا، بعد ذلك رصدت من خلال الرادار ان القوات البحرية العراقية بدأت بالالتفاف علينا من جهة الشرق ومن جهة الشمال وأخبرت قائد «السنبوك» بالانسحاب الى جزيرة ام المرادم ونعيد تقييم الوضع مرة اخرى وأيضا لنفاد ذخيرتنا، وطلبت من قائد «السنبوك» الاتصال برئاسة الأركان لتزويدنا بالذخيرة وتوصيلها الى منطقة الخيران ونحن بدورنا نذهب الخيران ونقوم بتذخير الزورقين ومن ثم معاودة القتال، فكان الرد بأن الذخائر غير متوافرة وعليكم الذهاب الى منطقة الخفجي بالسعودية والأشقاء السعوديون سيزودون الزوارق بالذخيرة، وكانت حركة ذكية من القيادة السياسية لأنهم يريدون ان ننسحب للسعودية ونحن سالمون من هذه المعركة غير المتكافئة والوضع في تلك الساعة «وضع يائس».
محاولات شجاعة
ألم تكن هناك اي محاولات لإعادة تجهيز القوة ومواصلة المواجهة؟
٭ ونحن في جزيرة ام المرادم كانت هناك سفينة تابعة لخفر السواحل الكويتية اسمها «سواحل 35»، وهذه السفينة نقطة مراقبة، فنزلت على هذه السفينة بعد التصاق زورقي «استقلال» بها وطلبت ان اجري اتصالا بقيادتهم، فاتصلت بالرائد عبدالله ابا الخيل قائد خفر السواحل فقلت له أريدك ان تتصل برئاسة الأركان مرة اخرى وينقلوا لنا ذخائر الى منطقة خيران، فقال لي ابا الخيل انهم محاصرون في ميناء الشويخ والوضع صعب جدا لكني سأحاول، وكان هذا الكلام الساعة 3 عصرا، وبعدها اتصل الرائد عبدالله ابا الخيل وقال لي ان المقدم ناصر ماجد الفارسي من رئاسة الأركان أبلغني بأنه يجب عليكم الانسحاب الى اقرب ميناء سعودي ومن ثم يبلغوني عن اسم الميناء حتى يتم تزويد زوارقهم بالذخائر، فقلت اقرب ميناء الخفجي، طبعا هذي حيلة جديدة لإخراجنا الى السعودية والحفاظ على اكبر عدد من القوة والسلاح البحري لأنهم في قيادة الأركان كانوا مطلعين على كل شيء وان المعركة غير متكافئة نهائيا، وقلت لقوة خفر السواحل التي كانت على متن السفينة «اصمدوا ما راح اهدكم» حتى نتزود بالذخائر من الخفجي ونرجع لكم، فسألتهم عن نوعية أسلحتهم فقالوا سلاحنا «بنادق» فأعطيتهم صندوقين كانت معي حتى نأتي بذخيرة أخرى لهم، وصلنا الى ميناء الخفجي الساعة 5 عصرا على أمل ان يستقبلونا على وجه السرعة وتزويدنا بالذخيرة، لكن اتضح لنا ان العملية مرتب لها من وقت لآخر يقولون الذخيرة سيتم توفيرها لكن انتظروا، وبعد ذلك جاءنا ضابط سعودي وقال لي ان سمو الأمير في إمارة الخفجي ويريد مقابلتكم، وبسبب الإجهاد والتعب التبس علي الأمر، فقلت للضابط السعودي انا بحاجة الى ذخيرة بأسرع وقت للعودة الى القتال وبعدها سأتشرف بمقابلة أميركم، فقال الضابط السعودي: سمو الأمير جابر الأحمد هو من يريد مقابلتكم وليس أمير الخفجي، فذهبنا الى الإمارة بسيارة وهناك وجدت عددا من طائرات الهيليكوبتر التابعة للجيش الكويتي والتقيت بعدد من الطيارين الكويتيين الذين أعرفهم، فدخلت على سمو الأمير وقدمت له التحية وكان يتحدث بالهاتف ولم استطع التحدث اليه. وفي الساعة 8 مساء جاءنا ضابط سعودي أبلغنا بضرورة التحرك حالا الى قاعدة الملك عبدالعزيز البحرية في ميناء الجبيل لأنه من المحتمل ان يتعرض ميناء الخفجي للقصف من قبل القوات العراقية، فتحركنا الساعة 11 مساء من ميناء الخفجي ووصلنا ميناء الجبيل الساعة 6 صباح يوم الجمعة 3 أغسطس، واستقبلنا الأشقاء السعوديون في الجبيل وكان على رأسهم اللواء بدر الصالح، رحمه الله، قائد القاعدة البحرية السعودية، وفي اليوم التالي أخبرت اللواء الصالح ان هناك سفينة تابعة لخفر السواحل متوقفة عند جزيرة ام المرادم فأستأذنك بأن اذهب اما ان أقودها او اذا كانت متعطلة أقوم بسحبها للسعودية فقال اللواء الصالح دعني اتصرف حتى لا يظن العراقيون ان هناك هجوما عسكريا، فأرسل اللواء الصالح، رحمه الله، احدى سفن القاطرات التابعة لشركة النفط السعودية فسحبوها الى رأس مشعاب نظرا لتعطلها لأن قوة خفر السواحل قبل انسحابهم بطراريد صغيرة قامت بتعطيل محركات واجهزة السفينة حتى لا يستفيد منها العدو، وضممناها الى الزورقين «استقلال» و«السنبوك».
خطة لإعادة السيطرة
ماذا عن الضباط والأفراد التابعين للقوة البحرية الذين لم يتح لكم الاتصال بهم؟
٭ عدد من الضباط وأفراد القوة الذين كانوا متوجهين الى القاعدة البحرية تجمعوا في معسكر الذخيرة المقابل للقاعدة بعد ان سيطر عليها العدو، وهناك بدأوا بوضع خطة لإعادة السيطرة على القاعدة البحرية وهم المقدم الشهيد محمد الرميضين والمقدم محمد الياقوت والمقدم علي دشتي والرائد عبدالله الملا ولم يكن لديهم زوارق فأرسلوا مجاميع من الضباط والأفراد الى الشاليهات وميناء الخيران ليستولوا على الزوارق الموجودة هناك وتسليحها، وحسب الخطة فإن اقتحام القاعدة سيكون ليلا من ثلاث جهات من جهة الشمال برا ومن جهة الغرب ومن جهة البحر، ولكن بعد تقدير الموقف رأوا ان هذه العملية غير مجدية وخوفا من سقوط ضحايا، خاصة ان العراقيين قاموا بتعزيز القوات داخل القاعدة بعدد كبير من الضباط والافراد، فقام ضباط وأفراد القوة البحرية في يوم الجمعة 3 أغسطس بتعطيل وتخريب جميع الصواريخ والمعدات في معسكر الذخيرة التابع للقوة البحرية حتى لا تستفيد منها القوات العراقية الغازية. أما الأسلحة الخفيفة وذخيرتها فتم نقلها الى داخل مناطق الكويت وتوزيعها لتستفيد منها المقاومة الكويتية في مواجهتها للعدو، بعد ذلك قرر بعض الضباط المتواجدين في البحر الانسحاب بالطراريد الى ميناء رأس مشعاب السعودي وهم النقيب عبدالحميد العنزي والنقيب مبارك الفهد والملازم أول جمال العبدالجليل والملازم احمد علي عن طريق البحر، بالإضافة الى كثير من الضباط والأفراد التحقوا بنا عن طريق البر، حيث تم إبلاغي من قبل اللواء بدر الصالح بأن عددا من الضباط الكويتيين وصلوا الى ميناء رأس مشعاب بطراريد وسنقوم بإيصالهم لكم وبالفعل وصلوا إلينا في الجبيل وهم عبدالحميد العنزي وهذا الضابط كان مساعدي على زورق «استقلال» وضابط العمليات على زورق «استقلال» مبارك الفهد وضابط الاتصالات حوري العنزي، وبدأ ضباط وأفراد القوة البحرية الكويتية يتوافدون علينا سواء من كان خارج بإجازته السنوية او من كانوا في الكويت وخرجوا الى السعودية عن طريق البر وأيضا طيارونا الكويتيون وطائراتهم غزال والسوبر بيوما كانوا موجودين في الجبيل.
اتصال عسكري
هل كانت هناك اتصالات مع الملحق العسكري الكويتي في السعودية؟
٭ في يوم 6 أغسطس حدثني على الهاتف الملحق العسكري الكويتي في الرياض المقدم رياض الصالح، رحمه الله، وقال لي «جهز نفسك حتى تتحركوا واحتياجاتكم ارسلها عبر الفاكس»، فأرسلت احتياجاتنا من الصواريخ والذخائر، أما الطاقة البشرية فلدينا من الضباط والأفراد لتسليح الزورقين وفي اليوم التالي تلقيت اتصالا من المقدم الصالح يبلغني أن الهجوم تم إلغاؤه.
كيف كان لقاؤكم كقيادات عسكرية مع القيادة السياسية في الدمام؟
٭ في تاريخ 12 أغسطس تلقيت اتصالا من المقدم رياض الصالح يبلغني بأن علي الذهاب الى قصر الخليج في منطقة الدمام لمقابلة سمو ولي العهد الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، فذهبت بمركبة أحد الأشقاء السعوديين وتوجهت الى الدمام وعند وصولي التقيت بصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وكان وقتها وزيرا للخارجية وسلم علينا، حفظه الله، «وتحمد لنا بالسلامة» ومن ثم دخلنا على سمو الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، وكان معه سمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد وكان وزيرا للدفاع في ذلك الوقت، وكان الضباط المتواجدون هم من أقدم الرتب «أنا من القوة البحرية» ومن القوة البرية العميد جاسم الشهاب، رحمه الله، ومن القوة الجوية العقيد سبتي بوغيث وطلب مني، رحمه الله، شرحا مفصلا لما حصل وقدمت لسموه، يرحمه الله، إيجازا بجميع ما حدث وسألني عن عدد الزوارق الموجودة لدينا فقلت لسموه حاليا لدينا «زورقان» والشهادة لله دخلنا على سمو الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، وسمو الشيخ نواف الأحمد ومعنوياتنا «حدّث ولا حرج» وخرجنا من هناك ومعنوياتنا واصلة الى السماء، نظرا لصلابتهم القوية وطلب منا الشيخ سعد، رحمه الله، كتابة تقرير والاحتياجات المطلوبة لكل قوة من القوات البحرية والبرية والجوية وعندما انتهينا من كتابة التقارير دخلنا عليه، رحمه الله، الساعة الثانية صباحا وكان، رحمه الله، صاحيا وبجانبه سمو الشيخ نواف الأحمد لم يناموا بعد وقمنا بتسليمه التقارير ومن ثم رجعت إلى القاعدة البحرية في الجبيل.
تجهيز قاروه
هل توافد ضباط وأفراد القوة البحرية إلى قاعدة الملك عبدالعزيز العسكرية في ميناء الجبيل للترتيب لعمل ما يلزم في هذه الرحلة؟
٭ نعم بدأ يتوافد علينا الضباط والأفراد من ضمنهم أمر القوة البحرية الفريق م.أحمد الملا وكان وقتها برتبة مقدم وطلب مني تجهيز الزوارق للذهاب بها إلى البحرين لأن سلاحهم البحري متشابه مع سلاحنا البحري والصيانة والأمور الفنية أفضل لزورقنا لأن سفن القوة البحرية السعودية تختلف كثيرا عن سفننا.
وفي 30 أغسطس توجهنا الى البحرين وفي اليوم التالي طلبنا من الأشقاء السعوديين سحب السفينة 35 التابعة لخفر السواحل الى البحرين لإصلاحها وتجهيزها وبالفعل تم إصلاحها وتجهيزها بشكل كامل وأطلقنا عليها في ذلك الوقت اسم «قاروه» ومازالت موجودة وتم تغيير اسمها الى «الدرة» بعد التحرير. وأيضا إصلاح «المنظومات والأسلحة» التسليح والتذخير والصيانة وإضافة معدات (I R) (الاعتماد على الذات عند بدء العمليات).
إعادة تشكيل القوة البحرية
كيف بدأتم في إعادة تشكيل القوة البحرية؟
٭ بدأنا بإعادة التشكيل «شجرة القيادة» وتم تكليف أحمد الملا بقيادة القوة البحرية ووضعنا تسلسلا قياديا لضباط القيادة والوحدات المقاتلة والإسناد الإداري والإسناد الفني وضباط اتصال وكذلك رفع الروح المعنوية وعمل دورات مكثفة واستقدام مدربين وتم إعداد سفينة سواحل 35 «الدرر» وتعديلها لتكون سفينة إمداد مستشفى.
وبدأنا بالتدريبات سواء كانت بمفردنا وأيضا مع قوات التحالف وخاصة الأميركية والقوات الخاصة على دور القوة البحرية الكويتية وتشكيل قوات مشاة بحرية من المتطوعين وإقامة معسكر لتدريب المتطوعين نواة مشاة البحرية بمعسكر (سويحات بالإمارت ومعسكر المشاة في البحرين)، وبعد ذلك تم ضمنا تحت قيادة القوة المشتركة الأميركية وتشكيلنا في وحدة قتال أسموها وحدة «كاف» تيمنا بالكويت وتم تشكيل الوحدة من الزورقين «استقلال» بقيادتي وزورق السنبوك وسفينة خفر السواحل «الدرر» وضم سفينة «فرقاطة» أميركية لنا لتكون معنا أثناء العمليات العسكرية القادمة وأيضا وحدة خاصة من الوحدات الأميركية تكون معنا دائما وبدأنا معهم على المهام، حيث قالوا لنا إذا بدأت عملية تحرير الكويت نريدكم القوة التي تكون في المقدمة عند الهجوم فأنتم تعرفون المناطق والمواقع البحرية الكويتية والمهام المنوطة بكم.
وما المهام التي أنيطت بكم قبل حرب التحرير؟
٭ أولا: نريد منكم قطع خطوط الاتصال العراقية في البحر، وثانيا: «أي طائرة من طائرات التحالف تقع في البحر انتم من تقومون بعمليات الإنقاذ.
وبدأنا نتدرب على هذه المهام بمشاركة القوات البحرية التابعة لدول التحالف وكنا نأمل ان تبدأ عملية التحرير في 1 ديسمبر حسب المهلة التي أمهلوها للنظام العراقي في تلك الفترة ولكن تم تمديد المهلة الى 15 يناير وحتى ذلك التاريخ كنا نتدرب بصورة يومية سواء بمفردنا او مع قوات التحالف على مهامنا التي سننفذها ونطبقها عمليا خلال الهجوم في البحر.
دعم لا محدود من القيادة السياسية وأوامر بالاستعداد للتحرير
قال الفريق الركن بحري متقاعد جاسم الأنصاري: حصلنا على دعم لا محدود من قيادتنا السياسية وقد زارنا سمو الشيخ نواف الأحمد مرتين وكان لهذه الزيارات بالغ الأثر في رفع معنوياتنا القتالية. وكذلك زارنا الشيخ جابر الخالد نائب رئيس الأركان في ذلك الوقت أكثر من مرة للاطلاع على أوضاعنا وتلمس احتياجاتنا. وبعدها جاءتنا الأوامر بالاستعداد لعملية تحرير الكويت. في منتصف يناير 1991.