بقلم سفير جمهورية الصين الشعبية لدى الكويت لي مينغ قانغ
بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح
كنت أعمل في مكتبي عصر يوم 29 سبتمبر عام 2020، وفجأة انقطع البث التلفزيوني وجاء نبأ وفاة سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد.
ثم في تلك اللحظة، أصبحت شارد الذهن ومصدوماً ومغموراً بالحزن، ورافضاً قبول الرحيل الأبدي لهذا القائد الفذ المعروف بحبه ورحمته وحكمته.
بوفاته فقد الشعب الكويتي والداً شفوقاً، وفقد الشعب الصيني صديقاً قديماً مخلصاً، بل فقدت شعوب العالم قائداً عظيماً للعمل الإنساني! ورغم مرور عام منذ ذلك الوقت، لا تزال صورة سموه وصوته وأحاديثه تظهر في خاطري من حين إلى آخر، وكلما أكون في مقر وزارة الخارجية الكويتية، لا يفوتني أن أحييه بالنظر إلى صورته بجانب القاعة باسمه.
لقد بذل سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد كامل حياته في بناء وتطوير البلاد، ما أكسبه حب الشعب الكويتي، كما يتمتع بالاحترام والإشادة إقليمياً ودولياً.
إنه يُعرف بـ «مهندس السياسة الخارجية للكويت الحديثة»، ويعد رائداً رسم ملامح «رؤية الكويت 2035» ودفع التحول التنموي في الكويت.
كما أن قلبه كان متعلقاً بأشقائه الخليجيين، إذ كان يسافر هنا وهناك في سبيل تسوية الأزمة الخليجية وغيرها من النزاعات الإقليمية، دون أن يضع تقدمه بالعمر في اعتباره الشخصي.
وتحت قيادة سموه، قدمت الكويت باستمرار المساعدات الإنسانية لعدد كبير من الدول، واستضافت المؤتمرات الدولية للمانحين لدعم سورية ولإعادة إعمار العراق وغيرهما الكثير. ولهذا السبب، منحته الأمم المتحدة لقب «قائد العمل الإنساني».
أولى سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد اهتماماً بالغاً للعلاقات بين الصين والكويت، وزار الصين 7 مرات في كل من عام 1977، وعام 1988، وشهري أغسطس وديسمبر من عام 1990، و2004 و2009 و2018، ودفع تنمية العلاقات الصينية- الكويتية بقوة في كل من هذه الزيارات، وخاصة الزيارة التي قام بها في عام 2018، حيث أعلن سموه والرئيس شي جين بينغ معاً إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين الصين والكويت، ما فتح فصلا جديدا للعلاقات بين البلدين.
كما كان سموه يهتم كثيرا بالتعاون العملي بين البلدين، وأصبحت الكويت خلال فترة توليه مقاليد الحكم، أول دولة في منطقة غربي آسيا وشمالي أفريقيا توقع وثائق التعاون مع الصين تحت إطار التشارك في بناء «الحزام والطريق»، وارتفع حجم تجارة النفط الخام بين البلدين من نحو مليون طن قبل أكثر من 10 سنوات إلى 27.5 مليون طن في يومنا هذا، وأسس البنك الصناعي والتجاري الصيني أول فرع للبنوك الصينية في الكويت، وأسست الهيئة العامة للاستثمار مكتبها الثاني عالميا في مدينة شانغهاي الصينية، وفتحت شركة الخطوط الجوية الكويتية خطاً مباشراً بين الكويت والصين، كما تم الاتفاق بين البلدين على إنشاء المركز الثقافي الصيني في الكويت، والذي يعد الأول من نوعه في الخليج.
وبالإضافة إلى ذلك، وجه سموه نجله الأكبر الشيخ ناصر صباح الأحمد بزيارة الصين مرات عديدة لبحث سبل تعميق التعاون وتحقيق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك للبلدين.
كان لي شرف مقابلة سموه 3 مرات، وما زلت أتذكر بوضوح حتى اليوم مشهد تسليم أوراق اعتمادي لسموه في قصر بيان في يناير 2019. وبالرغم من مكانة سموه العالية كقائد للدولة، كانت مسيرة سموه الديبلوماسية الممتدة لـ 40 سنة تعزز التقارب بيننا.
وعندما استقبلني، بصفتي سفيراً للصين، كان كريما وودودا بشكل خاص، ويتحدث بطلاقة وحيوية، ويستذكر تجارب زياراته للصين بدقة، ويسلط الضوء على آرائه الاستباقية حول كيفية دفع العلاقات الصينية- الكويتية لتحقيق تنمية أكبر، الأمر الذي أعجبني إعجابا جمّاً.
كما كان سموه دائما أول من يعرب عن مواساته للقيادة الصينية كلما ضربت الصين بكوارث طبيعية، وخاصة في الوقت الحاسم الذي كانت الصين تكافح فيه جائحة «كوفيد-19» عام 2020، ووجه سموه على وجه الخصوص مجلس الوزراء بالتبرع بمستلزمات قيمتها 3 ملايين دولار أميركي للصين. كل هذه الأفعال تعبر عن مشاعر سموه الصادقة العميقة للشعب الصيني، التي تشكل تشجيعا عظيما له في مكافحة الجائحة.
قد رحل العظيم، لكن روحه تبقى خالدة. وبهذه المناسبة، نحيي الذكرى من أعماق القلب بسمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد والراحل الشيخ ناصر صباح الأحمد، مستذكرين وشاكرين على اهتمامهما بالعلاقات الصينية- الكويتية وإسهاماتهما في تطويرها.
نحن على يقين بأن أفضل السبل لعزاء الرحيل هو التقدم نحو الأمام اقتفاء بخطوات الراحل.
وفي هذا السياق، نحن سعداء أن نرى الكويت، وتحت القيادة الحكيمة لسمو الأمير الشيخ نواف الأحمد وسمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، تواصل الحفاظ على الاستقرار والنمو، وحققت إنجازات ملحوظة في السيطرة على جائحة «كوفيد-19» ودفع تعافي الاقتصاد وتعزيز الوحدة الخليجية والعربية وتدعيم التعاون الدولي لمكافحة الجائحة والقضية الإنسانية.
يصادف العام الحالي الذكرى السنوية الـ 50 لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين الصين والكويت، ونستعد لاتخاذ هذه المناسبة كفرصة سانحة، لاستذكار الغاية الأصلية لإقامة العلاقات الديبلوماسية وتوارث وتطوير الصداقة التقليدية بين الصين والكويت، وبناء علاقات شراكة استراتيجية أكثر متانة وشمولية، بما يخدم البلدين والشعبين.