محمد هلال الخالدي
كتب الفيلسوف والاديب الفرنسي الكبير مونتسكيو كتابا بعنوان «رسائل فارسية» يصف فيه رحلة مجموعة من الشبان الفرس الى باريس والتي يرمز لها بالحضارة الغربية ومدى اندهاشهم واعجابهم بها مقارنة بثقافتهم الشرقية المنغلقة كما يعتقد، فيبدأ هؤلاء الشبان بكتابة رسائل الى اهلهم واصدقائهم في بلاد فارس. يقول احد هؤلاء الشبان في احدى رسائله:
«هنا في باريس كل شيء ينطق، كل شيء حي والوجه كالقلب سافر مكشوف».
ربما تعكس هذه النظرة التي سادت الغرب مع بداية فترة الاستعمار على اعتبار ان الشرق متخلف وبحاجة الى احداث تغيير فيه ليصبح «متحضرا» حتى لو تطلب ذلك استخدام القوة المفرطة.
ويرى بعض المفكرين ان «مشروع الشرق الاوسط الجديد» ما هو الا صورة جديدة لعقلية قديمة عبر عنها مونتسكيو في رسائله الفارسية بلغة ادبية اجمل تعبير.
لم يشهد التاريخ تسارعا في الاحداث السياسية والحروب كما يشهده عالمنا اليوم طوال العشرين عاما الماضية، وهي احداث كبرى اسفرت عن تحولات جذرية طالت ايديولوجيات ودولا وانظمة حكم، بين سقوط جدار برلين وتقسيم الاتحاد السوفييتي وتحوله الى جمهوريات راسمالية بعد ان كان محكوما بالاشتراكية منذ الثورة البلشفية عام 1917م وانحسار دور تلك الجمهوريات وبشكل خاص روسيا وانتهاء الحرب الباردة بانتصار الولايات المتحدة الاميركية التي باتت منذ ذلك الحين «القطب الاوحد» والقوة العظمى، وبين صعود ما يسمى بالاسلام السياسي وتنامي قوى الحركات الوطنية التحررية.
وفي خضم هذه الاحداث الهائلة التي مر بها العالم، كان لمنطقة «الشرق الاوسط» خاصة نصيب الاسد من الاضطراب والحراك السياسي، حيث شهــدت تحولات سياسيــة بالغة الخطورة وصلت ذروتها مع سقوط نظام الطالبـــان في افغانستان وسقوط نظام صــدام حسين في العـــراق وانهيار مشـروع السلام مع اسرائيل والكم الهائل من الحروب والدماء التي لا تزال تسكب حتى اللحظة جراء هذه التحولات التي يمثل «مشروع الشرق الاوسط الجديــد» او الكبير كما يرد في ادبيات السياسة احد اهم اسبابها.
هذا المشروع الذي يتردد كل ساعة في جميع القنوات الاخبارية ولا تخلو من ذكره الصحف اليومية، فما هو هذا المشروع، ومن يقف وراءه، وما الاسس الفكرية التي يقوم عليها، وما اهدافه التي يسعى الى تحقيقها ومن يؤيده، وما حجج ومبررات من يقف ضده ويعارضه، والى اي مدى يمكن لمثل هذا المشروع ان يتحقق، وما البدائل الواقعية التي يمكن ان تمثل «حلا شاملا» للصراع في منطقة الشرق الاوسط؟
هذه محاولة متواضعة للغوص في اعماق هذا المشروع الذي شغل كثيرا من الباحثين، وتدور بسببه معظم حروب المنطقة سواء في لبنان، العراق، وافغانستان أو حروب متوقعة ربما يرتبط مصيرها بالنتائج الأليمة على الأرض.
ولتتبع الاسس الفلسفية التي يستند عليها واضعوه، حرصت فيها «الأنباء» على حوار اهل الاختصاص للوقوف على حقائق مشروع راديكالي يهدف الى احداث تغييرات جذرية في منطقة تختلط فيها مفاهيم الدين بالسياسة وترفع منذ البداية لافتات الرفض والمعارضة نتيجة لواقعها المرير ومستقبلها الذي ليس فيه ما يشجع على التفاؤل.
تقرير خاص في ملف ( pdf )