الزمان: يوم جمعة
المكان: جمهورية مصر العربية
الحدث: رحيل رمز
المشهد: الأقدار وحدها التي كانت تعلم تفاصيل تلك الرحلة، كما انها وحدها من حاكت فصولها ورسمت أحداثها مكانا وزمانا وعنوانا، إلا ان ثمة مفارقة عجيبة جمعت كل ذلك لتكون شاهدا عليه، فارتباطه بالمكان الذي أحبه أعاده القدر إليه ليودعه في لقائه الأخير مع الحياة، أما الزمان، فهل هناك أفضل من يوم الجمعة موعدا ليقابل العبد ربه، اما أهمية الحدث وعنوانه، فلا يمكن لهذه السطور أو غيرها ان تضعها في وضعها الحقيقي أو في قيمة بطل مشهدها في رحلته الأخيرة مع الحياة جسدا.
في المقابل كان هناك موعد آخر لا يمكنني تجاوزه ـ على الأقل بالنسبة لي ـ كان ذلك قبل نحو 17 عاما، كنت حينها للتو أبدأ خطواتي الأولى مع الحياة في معركة العمل، المكان بالطبع صحيفة «الأنباء»، وهل هناك أجمل من تلك الذكريات، وبالتحديد وأمام مدخل الإدارة الزجاجي، الذي تقابله مصاعد معدنية ترمز إلى صلابة المكان وقوة من سهروا على تشييده، وقفت أمامه بلا موعد، لكن هناك في الأثناء من يقدمني له، كانت أستاذتي الكبيرة بيبي خالد المرزوق، هي نفسها من علمتني عشق صاحبة الجلالة في زمن الظروف العصيبة، حيث قلما تجد من يلتقط يدك لتصعد الى مركب الحياة لتواكب العالم وتقاسمه لقمة العيش الصعبة، خصوصا ان العولمة كانت في تلك الأثناء تطرق أبواب الزمن وبقوة ولا مجال ولا فرصة للأشخاص العاديين في تلك المعركة الضروس. عرفتني بكلمات لا يمكنني نسيانها أبدا، هي أقرب إلى أن تكون شهادة تقدير منحت لي هكذا بلا ورق، فهل هناك أثمن من أن يثنى عليك في كنف العم خالد المرزوق مؤسس «الأنباء» التي للتو بدأت فيها تجربتي مع القلم؟
المشهد لم ينته عند ذلك، فنظرة حانية أبوية لا يمكن أن تفارق الذاكرة، كانت هي كذلك لا أستطيع إزاحتها عن ذاكرتي المثقلة بهموم التجربة الطويلة مع الغربة. إشادة أخرى تلقيتها لم أكن أتوقعها في تلك المرحلة على الأقل «بارك الله فيك يا وليدي»، كلمة أو جملة زرعت في نفسي نبتة أجدها اليوم غابة من الطموح والرغبة في تحقيق أشياء كثيرة، ليس بالضرورة أن أكون أنا الهدف من ورائها وإنما آخرون أحبوني وأحببتهم.
عودة الى المشهد الأخير: في مقبرة الصليبخات انتابني شعور غريب، خصوصا عندما شاهدت الكثير من الوجوه التي عرفتها في زمن مضى وأخرى تفرض نفسها على مشهد الحياة السياسية والإعلامية على حد سواء، في زحمة هذا المشهد وجدت نفسي أنظر الى نجم يسطع في السماء، حينها عرفت ان من في القبر كان الجسد، أما الروح فهي في عليين إن شاء الله عند واحد أحد، فمن يمسح دمعة المحتاجين، لا يستحق أقل من أن يموت في يوم جمعة.
عظم الله أجر الكويت وكل من أحبوا العم خالد يوسف المرزوق في حياته ومماته.
راشد العيد
صحافي في صحيفة الوطن ومنتج أفلام وثائقية