قبل نحو 4 عقود بدأ رجل كويتي فاضل هو السفير عبدالله السريع عمله مديرا لمكتب دولة الكويـت في جوبا عاصمة جنوب السودان المهمش، تعلق بتلك الأرض وبأهلها الطيبين والفقراء فانكب على انجاز المشاريع الخدمية والتنموية التي تنهض بالمدينة من حفر لآبار المياه واستصلاح للأراضي الزراعية وتشييد للمدارس والمراكز الطبية فضلا عن بناء حي سكني للمدرسين.
اطلقوا عليه اسم «عبدالله جوبا»، لم يسلك الطريقة التقليدية للأعمال الخيرية آنذاك بالتركيز على ابناء الجنوب المسلمين دون غيرهم والمسارعة الى إنشاء مساجد ودور لتعليم القرآن، وكان ذلك بمثابة إشارة الى اهل المنطقة ان الكويت تعمل انسانيا من منطلق الصداقة مع جنوب السودان وليس لأهداف دينية أو قومية، فكان ان طلب اهل المدينة من السفير «عبدالله جوبا» أن يبني لهم مسجدا كبيرا لايزال من معالم المدينة الرئيسية الى اليوم مثله مثل «حي الكويت» ومستشفى الصباح للأطفال الذي يعتبر رغم مرور اكثر من 3 عقود على بنائه المعلم الصحي الأهم في جوبا. غرس عبدالله السريع إذن نبتة خير لازالت تزهر وفاء يشهد عليه العام 1990، عندما غادر السفير السريع الخرطوم مصدوما من الموقف المخزي للحكومة السودانية المركزية آنذاك ازاء الاحتلال العراقي الغاشم وقد شاركه في الاستنكار حينها اهل الجنوب وعلى رأسهم القائد الراحل جون قرنق الذي أدان الاحتلال العراقي وعرض ارسال قوات من جيش تحرير السودان الذراع العسكرية للحركة الشعبية ضمن قوات التحالف التي حررت الكويت.
يقول النائب المخضرم تيم قرنق وهو نائب الرئيس السابق للبرلمان السوداني الاتحادي ان مشاعر اهل الجنوب تجاه الكويت تنبع من حس المبادرة تجاههم لديها في ذلك الوقت الذي لم يكن احد يلتفت فيه الى الجنوب، بل كان الجميع يحابون الشمال ويتزلقون إليه، مضيفا: لم يكن للكويت مصالح سوى القيام بدورها الإنساني وبناء جسور الصداقة مع الجنوبيين كما كانت مع الشماليين وهذا بحد ذاته ميزها بالنسبة إلينا عن الجميع ومنحها مكانة في قلوبنا ليست لأحد آخر من العرب.
وتابع قرنق: ولا يسعنا اليوم إلا أن نتمنى عودة كويتية ديبلوماسية بأسرع وقت الى بلدنا، ويسعدنا ان يكون الوفد الاعلامي العربي الأول الذي يزورنا في مهمة من هذا النوع هو من الكويت.
نائب رئيس الدولة د.رياك مشار توجه بالسؤال الى «الأنباء»: أين سفير دولة الكويـت، أين أنتم يا أصدقاءنا ماذا تنتظرون؟ مضيفا: كانت الكويت حاضرة هنا في الزمن الصعب، ويجب ان تكون من الدول الأولى اليوم.
النائب دينق قوج، وهو ايضا من كتلة النواب الـ 96 الذين تحولت عضويتهم في برلمان السودان الى برلمان الدولة الجديدة خلال المرحلة الانتقالية، قال ان الجنوبيين يعلقون الكثير من الآمال على عودة العلاقات بين البلدين.
السفير د.عبدالله السريع في سطور
فيما يلي نبذة عن أهم المحطات عن السفير د.عبدالله السريع الذي أعطى نموذجا في العمل الديبلوماسي خلال عمله في السودان، حيث قبل أن يكون سفيرا رسميا فرض نفسه كسفير شعبي.
ولد المرحوم د.عبدالله السريع في الكويت عام 1934، درس في مدرسة الملا محمد الخنيني عام 1939 ثم مدرسة الملا مرشد عام 1942 ثم المدرسة القبلية، حصل على الثانوية العامة بنظام المنازل من بيروت عام 1967، منح درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة جوبا بالسودان تقديرا لجهوده وخدماته لأهل السودان، تدرج د.عبدالله السريع في العمل الوظيفي، حيث عيّن بدائرة الأيتام عام 1951، ثم انتقل للعمل في دائرة المعارف مراقبا للبنائين في بناء ثانوية الشويخ، تدرج في العمل الوظيفي بدائرة المعارف حتى وصل إلى درجة رئيس قسم المطبوعات عام 1962، وفي العام 1972 نقل د.عبدالله السريع خدماته الى وزارة التخطيط، حيث عمل مراقبا للشؤون الإدارية، ثم بعد ذلك انتقل للعمل لدى الهيئة العامة للجنوب والخليج العربي عام 1974، حتى عيّن مديرا لمكتب الكويت في مدينة جوبا بجنوب السودان، عيّن سفيرا للكويت لدى جمهورية السودان عام 1984 ورقي إلى درجة وزير مفوض عام 1986، وتم نقله من السودان للعمل بالديوان العام عام 1991، وفي العام 1993، عيّن د.السريع مشرفا على قسم النشرات الصحافية الخاصة بإدارة البحوث والإعلام في وزارة الخارجية، وفي مايو 1995 تم تعيينه سفيرا للكويت لدى موريتانيا وظل لمدة 4 سنوات حتى عام 1999.
توفي د.عبدالله السريع رحمه الله عام 1999، ألّف العديد من المسلسلات والأعمال التلفزيونية، وأصدر العديد من الكتب ودواوين الشعر.