- قانونيون: جريمة يعاقب عليها القانون
- متخصصون في علم النفس: ضرورة التفرقة بين المريض والمجرم
آلاء خليفة
تكررت في الآونة الاخيرة حوادث انتحال بعض الاشخاص لشخصيات أناس آخرين، سواء كان المقصود بالانتحال الشخص نفسه أو ما يمثله من مكانة أو وظيفة كرجال الأمن مثلا، حيث يقوم المنتحل بممارسة ادوار تلك الوظيفة بكل مهامها بما اوقع الكثير من المواطنين والمقيمين فريسة النصب والاحتيال والابتزاز. وقد زاد هذا التكرار حتى أصبح الأمر يمثل ظاهرة تستحق الوقوف عندها لدراستها ومعرفة أسبابها وكيفية التعامل معها. ولما لهذه الظاهرة من أبعاد اجتماعية ونفسية وقانونية، ارتأت «الأنباء» التوجه لأهل الاختصاص لاستطلاع رأيهم في تلك الظاهرة وهكذا التقينا عددا من القانونيين والدستوريين واساتذة علم النفس ليدلوا بدلوهم في هذه القضية وجاءت التفاصيل كما في الأسطر التالية.
في البداية، قال الخبير الدستوري د.محمد الفيلي في تصريح خاص لـ «الأنباء»: نحن بصدد خطر حقيقي وهذا الأمر كان موجودا في السابق وإن بصور مختلفة، فعلى سبيل المثال، ينسب تصريح صحافي لشخص لم يصرح به وقبل ذلك هناك نسبة الأحاديث لغير قائليها والتاريخ يزخر بذلك، بل ان المشتغلين بالحديث النبوي تحديدا اضطروا لابتكار قواعد للتحقق من سلامة الرواية لتمحيص الحديث الصحيح من الموضوع.
وتابع: بالنسبة لنسب التصريحات أو الآراء للآخرين زورا وتزييفا فإنه يحق لمن نسب كلام له بغير حق، إذا كانت الرواية الموضوعة تشكل ضررا لمن نسب له الكلام، فله طلب التعويض بدعوى امام القضاء عن الضرر الذي لحق به.
واضاف الفيلي: لكن هناك جانبا آخر من الموضوع يتمثل في تسرع المتلقين في استقبال الرسالة دون حد أدنى من التمحيص، وأظن هنا موطن الداء الأخطر ولا نستطيع بسهولة منع وجود الكذابين، لكن نحاول أن نستخدم الحد الأدنى من المنهج النقدي في التعامل مع الرواية.
من جانبها، قالت استاذة الارشاد النفسي بقسم علم النفس التربوي بكلية التربية بجامعة الكويت د.نورية الخرافي لـ «الأنباء»: انتحال صفة الغير هي جريمة يعاقب عليها القانون ومن يقوم بتلك الفعلة هم مجرمون، لافتة الى ان المجرمين اصناف، وأن الشرطة عندما تقوم بالقبض على هؤلاء المنتحلين تكتشف أنهم مطلوبون على ذمة قضايا اخرى، موضحة ان انتحال شخصية الغير يعد نصبا واحتيالا وغشا ويقوم بها شخص يريد تحقيق مكاسب معينة.
واكدت انه لا يمكن ان نصف افعال هؤلاء الاشخاص أنها لا شعورية وغيرها من الامور التي يرددها اصحاب نظرية التحليل النفسي انما هم اشخاص في كامل قواهم العقلية والنفسية ويرتكبون تلك الجرائم مع سبق الاصرار والترصد ويعاقب عليها القانون. على سبيل المثال هناك اشخاص ينتحلون صفة طبيب كونهم كانت لديهم رغبة في الماضي ليصبحوا اطباء وأخفقوا في تحقيق تلك الرغبة، فبالتالي يأتيهم شعور داخلي لانتحال صفة طبيب حتى يحققوا من وجهة نظرهم ما كانوا يطمحون اليه في يوم من الايام.
وأفادت الخرافي بان ذلك الامر لا يعطيهم الحق او المبرر لانتحال صفة طبيب فهذا الفعل يعتبر مجرّما من وجهة نظر المجتمع والقانون والناس، لاسيما أن هناك بعض الاطباء اصبحوا ينتحلون شخصية أطباء في تخصصات أخرى حتى يجنوا المزيد من الاموال، فعلى سبيل المثال لأن الموضة حاليا هي التجميل فاصبح معظم الاطباء ينتحلون صفة طبيب تجميل حتى لو لم يكن تخصصهم الطبي تجميلا.
ضعف الشخصية
من ناحيته، قال استاذ علم النفس بجامعة الكويت د.خضر البارون لـ «الأنباء»: ان انتحال شخص ما لشخصية فرد آخر في المجتمع تعكس مدى ضعف شخصية ذلك الانسان ورغبته القوية في التحول الى انسان آخر يرى فيه ما كان يريد ان يحققه في نفسه وفشل في تحقيقه من قبل.
وافاد البارون بأن بعض الاشخاص يريدون ان يكونوا في مناصب عليا بما يجعلهم يلجأون لانتحال صفة الغير، موضحا ان بعض الاخوان في المنزل الواحد ينتحلون صفة اخ لهم فقط لأنه شخصية محبوبة في المجتمع، مضيفا: هناك عدة اسباب تجعل الشخص ينتحل صفة الغير ومنها الرغبة في تحقيق مكاسب معينة عن طريق النصب والاحتيال او لشعورهم بالنقص ورغبتهم في ان يكونوا في مناصب معينة في الدولة ومنها رجل الشرطة، فبالتالي يتقمصون تلك الشخصيات بكامل تفاصيلها، مؤكدا ان هؤلاء الاشخاص يعانون من فشل دراسي واجتماعي وشعورهم بالاضطهاد سواء في محيط الاسرة او العمل او الاجتماع بما يدفعهم لانتحال صفة الغير لتعويض ذلك الشعور.
أما المعالج النفسي في مركز الكويت للصحة النفسية د.محمد حسين الموسوي فقال في تصريح خاص لـ «الأنباء»: لابد من ان نفرق عندما نناقش ظاهرة انتحال الشخصية ما بين الشخص المريض والمجرم فكلاهما ينتحل صفة شخص مشهور او ذي رتبة ومكانة في المجتمع ولكن لكل منهما اسبابه ودوافعه الخاصة.
وافاد الموسوي بأن الشخص المريض قد يكون مصابا بمرض الانفصام ويريد ان يصبح طيارا او طبيبا او ضابطا مشهورا بما يجعله يتحدث عن تلك الشخصية حتى ان لم يمارسها على ارض الواقع ولكنه على قناعة تامة بانه ذلك الطبيب او الطيار او الضابط.
على الجانب الآخر، افاد الموسوي بأن الشخص المجرم يختلف عن الشخص المريض وذلك كونه واعيا تماما لما يقوم به من افعال مع سبق الاصرار والترصد، فهو قد درس الشخصية من كل الجوانب ويقلدها بكل تفاصيلها سواء في الكلام او الاداء الحركي او الملابس وغيرها من التفصيلات.
وأكد ان المجرم ينتحل صفة الغير بقصد تحقيق أهداف اجتماعية او مادية واحيانا مكاسب نفسية كونه مقتنعا بانه شخص ضعيف وصغير في المجتمع فيريد انتحال صفة شخصية تكون قوية ومؤثرة في المجتمع.
وذكر الموسوي أن العلاج النفسي يكون للمريض الذي يقوم بانتحال صفة الغير اما المجرم الواعي بما يقوم به من افعال فهو ينتهج سلوكا يعاقب عليه القانون بسبب وجود صفة التعمد، وبالتالي فهو يحتاج الى تأهيل واعادة صياغة لحياته وطريقة تفكيره.
منتحلون من جنسيات مختلفة.. والأخير «بدون»
كانت آخر حوادث انتحال الشخصية التي اكتشفت اول من امس لشاب من غير محددي الجنسية، والذي نشرته «الأنباء» في عددها أمس، حيث أوقفت دورية أمن عام هذا الشاب بينما كان يقيم حملة تفتيش في الجابرية مرتديا ملابس رجل أمن برتبة ملازم بهدف الاستعراض والتباهي، وقد جاء ذلك بعد ايام معدودة من حادثتي ضبط لبناني بزي أحد رجال القوات الخاصة وهو يتباهى بأنه ضابط امام رفيقاته، وضبط سوري برتبة نقيب يسعى لكسب ود حبيبته.
العقوبة بقانون الجزاء: الحبس بما لا يتجاوز 3 سنوات أو الغرامة بما لا يزيد على 3 آلاف دينار
لمعرفة الرأي القانوني في عقوبة المنتحل عرضنا الأمر على عدد من رجال القانون، وفي البداية قال المحامي فهد الرجعان في تصريح خاص لـ «الأنباء» نظرا لخطورة جريمة انتحال صفة كاذبة، فقد افرد المشرع الكويتي لتلك الجريمة اكثر من موضع في قانون الجزاء الكويتي حيث جاء النص على جريمة انتحال صفة كاذبة في نطاق جرائم النصب والاحتيال، كما بينت ذلك المادة 231 من قانون الجزاء ان انتحال صفة غير صحيحة يعد صورة من صور الركن المادي من جريمة النصب ويعاقب مرتكبها بالحبس مدة لا تتجاوز الثلاث سنوات وبغرامة مالية لا تتجاوز 3 آلاف دينار او باحدى هاتين العقوبتين، كما جاء بنص المادة 232 من قانون الجزاء وقام المشرع الكويتي بتشديد العقوبات عن تلك الجريمة في حال نتج عنها الاستيلاء على اموال او مستندات وكل ما يتسبب في ضرر للغير، ونظرا لشيوع تلك الجرائم بتطور الوسائل التقنية، فقد انتشرت هذه الجريمة في وسائل التواصل الاجتماعي بكل انواعها، حيث تندرج تحت الوسائل الاحتيالية المستخدمة بالنصب على المواطنين وتخضع للقانون رقم 20 لسنة 2014 الخاص بالجرائم الكترونية وعلى الرغم من ذلك فإننا نرى ضرورة تشديد العقوبات على مرتكبي تلك الجرائم نظرا لشيوعها بالمجتمع وانتشارها وما تسببه من اضرار للمواطنين.
من جانبه، أكد المحامي خالد البراك لـ «الأنباء» انه لابد من اعادة هيبة رجل الأمن في الوقت الذي نشاهد الاستهتار بها، لاسيما ان الحالات المتكررة التي تحدث هي دليل على ذلك وينبغي الحزم بمعاقبة كل من انتحل صفة رجل أمن على وجه التحديد وان تأخذ صفة الاستعجال لأنها تشكل خطرا على المجتمع بأكمله اذا فقدت الثقة برجل الأمن.
وأكد البراك ان الحالات التي حدثت ايضا تنم عن عقليات الاستهتار لدى بعض المقيمين الذين لابد عليهم احترام قانون البلد الذي يعيشون على ارضه وان يعكسوا صورة بلدهم ولا يسيئوا له بهذه التصرفات غير المسؤولة.
بدوره، قال المحامي محمد ذعار العتيبي لـ «الأنباء»: بداية التعريف العام لانتحال الشخصية هو الظهور امام الغير بمظهر الذي تم انتحال شخصيته بحيث الناظر اليه والمتعامل معه يعتقد دون شك انه يتعامل مع من تم انتحال شخصيته. وتابع قائلا: وقد جرم قانون الجزاء الكويتي تلك الظاهرة حيث انها تترك آثارا سلبية شديدة على المجتمع ومنها فقد ثقة المجتمع بمن تم انتحال شخصياتهم ولكونه سلوكا اجراميا يحاول من خلاله المجرم الوصول الى منافع خاصة، ونصت المادة 281 من قانون الجزاء على ان كل من انتحل شخصية آخر يحق له بموجب وصية او بحكم ان يحصل على مال معين واستولى على هذا المال يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات والغرامة او احداهما، كما نصت المادة 282 على ان كل من انتحل شخصية آخر وأقر بالتزام او بسند ايا كان امام محكمة او هيئة او شخص مختص قانونا بتلقي هذا الاقرار يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز 7 سنوات، ويجوز ان تضاف اليها غرامة لا تجاوز 7 آلاف روبية.
غرامة الانتحال 2000 روبية!
ذكر المحامي فايز الظفيري من مكتب المحامي يوسف العدواني في تصريح خاص لـ «الأنباء» أن المادة 126 من قانون الجزاء فيما يخص انتحال الوظيفة تنص على ان «يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنتين وبغرامة لا تجاوز 2000 روبية او باحدى هاتين العقوبتين كل من ادعى انه موظف عام وقام بناء على هذه الصفة الكاذبة بعمل يدخل في اختصاص الموظف الذي انتحل صفته او دخل مكانا لا يسمح لغير الموظف بدخوله». وتابع قائلا: كما ان المادة 127 من قانون الجزاء تنص على ان «كل من اتخذ لنفسه زيا او علامة تتميز بها طائفة من الموظفين قاصدا بذلك الحصول على مزايا لا حق له فيها او الاضرار بأحد الافراد يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة الف روبية او باحدى هاتين العقوبتين»، متابعا: وان لم يكن هذا القصد متوافرا لديه كانت العقوبة الغرامة التي لا تتجاوز 300 روبية. وشدد الظفيري على ضرورة تفعيل الدور الرقابي للشرطة المستمر على الشوارع والميادين وتفعيل رقم ساخن للابلاغ عن الجرائم وخاصة جرائم انتحال صفة ووظيفة رجال الشرطة، مشددا على ضرورة توعية المواطنين والمقيمين بدور رجال الشرطة والابلاغ فورا عن منتحلي صفة رجال الشرطة، كما يجب التنبيه على رجال الشرطة بإبراز هوايتهم العسكرية وإبلاغ كل مخفر بوجود مكان التفتيش للعلم به حتى تفوت الفرصة على منتحلي الصفة والقبض عليهم.
«الداخلية» توجّه بإبراز هويات منتسبيها عند القيام بمهامهم لتفويت الفرصة على المنتحلين
محمد الدشيش
أكد مصدر امني ان وكيل وزارة الداخلية المساعد لشؤون الامن الجنائي اللواء عبدالحميد العوضي اعطى تعليمات مشددة الى كل عموم قوة المباحث الجنائية بضرورة ابراز هوياتهم خلال قيامهم بمهام عملهم، وذلك لتجنب استغلال بعض ضعفاء النفوس لصفة رجال مباحث وقيامهم بسلب الوافدين على وجه التحديد، وشدد المصدر على ضرورة ان يبادر اي شخص بسؤال اي شخص يوفقه عن اثباته الشخصي وان رفض ان يبرز هويته (اي رجل المباحث) لا يتجاوب معه ويسارع الى ابلاغ عمليات الداخلية.
وبشأن زيادة انتحال وافدين لصفة رجال امن، قال المصدر: للأسف المواد التي بموجبها يتم عقاب ضعاف النفوس ليست مشددة، اذ يصل الحكم متى ما صدر بحق هؤلاء الى السجن لأشهر معدودة، ايضا فإن المحامين يستغلون ثغرات في القانون لتبرير هذه التصرفات غير القانونية وغير المسؤولة، وقال: لا شك ان هذه الجرائم تعد خطرة للغاية، واغلب من ينتحلون صفة رجال امن تكون هذه الخطوة مرتبطة بجرائم يرتكبونها خصوصا جرائم السلب والابتزاز.
ودعا المصدر الى ضرورة ان تقوم السلطة التشريعية بتغليظ العقوبات بحق كل من يرتدون الزي الرسمي لمنتسبي الداخلية، كما دعا الى تجريم تصنيع وتداول الملابس العسكرية وفرض عقوبات مشددة على كل من يقوم بذلك.
واضاف: للأسف اصبح تداول الملابس العسكرية أمرا هينا، وكل ما هنالك ان يقوم من يرغب في ذلك بزيارة الى احد الاسواق المخالفة في الجليب وسيجد كل انواع الملابس.
واستطرد بالقول: تشن حملات على هذه الاسواق ولكن نحتاج الى اجراءات قانونية اشد حزما.
وكشف المصدر ان وزارة الداخلية ولكونها تدرك ان من ينتحل صفة رجل امن لن ينال عقابا فإنها في الغالب تبعده اداريا ما لم يكن قد تورط في جرائم جنائية، وان هذا الاجراء يتم بعد تحقيقات مكثفة.
وثمن المصدر تسليط وسائل الاعلام على مثل هذه النوعية من الجرائم مؤخرا، مؤكدا ان هذا الامر ربما ينعكس على مبادرات نيابية بتغليظ العقوبات على من ينتحل صفة رجال امن.