مع مطلع التسعينيات، وتحديدا بعد تحرير الكويت من الاحتلال الغاشم، أمر صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد بتغيير اسم «الحزام الأخضر» إلى «حديقة الشهيد»، وذلك تكريما لجميع شهداء الوطن.
وفي العام 2013 تقدم الديوان الأميري لصاحب السمو بمشروع فريد من نوعه لتطوير هذه الحديقة كونها معلما حضاريا لدولة الكويت، فرحب سموه بالفكرة، وبدأ العمل على مشروع التطوير وفق دراسة متخصصة ودقيقة لمكوناته، على أن يتم
التنفيذ وفق أعلى مستوى تقني وعالمي.
ومن هذا المنطلق تطورت الفكرة، وتسلم الديوان الأميري الحديقة من الهيئة العامة للزراعة، وبادر فريق العمل إلى التنفيذ الفوري ضمن خطة ذات مكونات أساسية مدروسة بعناية.
إن مشروع تطوير حديقة الشهيد ليس مشروعا ذا بعد واحد، بل يمكن القول إنه مشروع رائد، تذكاري وتعليمي وتثقيفي وترفيهي.
يعكس مدى اهتمام الشعب الكويتي بشهدائه، وشغفه بتعريف العالم بالتضحيات الإنسانية التي قدمها الكويتي في سبيل تحرير بلدهم.
وفي تاريخ 2 مارس 2015، قام صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد وسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد بافتتاح مشروع تطوير الحديقة في منطقة شرق الذي أصبح معلما بارزا في الكويت، لتكون بمنزلة مركز تعليمي وترفيهي فريد من
نوعه، ليس فقط في دول التعاون الخليجي بل في الشرق الأوسط، حيث يجد فيها كل من يعيش على أرض الكويت كل سبل المتعة والجمال، في جو ثقافي زاخر بعبق التاريخ وأصالة الجغرافيا.
وقد صدر كتاب رائع عن الديوان الأميري يوثق بالمعلومات والصور جوانب وملامح وأجزاء حديقة الشهيد التي تتميز بحسن التنظيم وجمال المناظر الطبيعية الخلابة التي تأسر الألباب والتكامل من حيث تقديم الترفيه والمتعة إلى جانب الثقافة
والجمال وعبق التاريخ.
ويشتمل الكتاب الذي جاء في 160 صفحة من القطع الكبير معلومات تفصيلية حيث يتناول في بابه الأول، بعد ان تزينت صدارته بصور افتتاح صاحب السمو الأمير للمشروع، الجانب التاريخي للحديقة ومشروع التطوير.
ثم يتعرض لمتحف الذكرى وبعدها نصب الشهيد ومركز الزوار ثم نصب الدستور ومتحف المواطن وبوابة الشعب.
في الجزء التاريخي يعرض الكتاب لتاريخ الحزام الأخضر الذي بدأ مع صدور قرار من مجلس الوزراء بهدم السور الثالث المحيط بمدينة الكويت في 4 فبراير 1957، في عهد سمو أمير الكويت الحادي الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، بعد أن انتفت
فائدة السور الدفاعي في خمسينيات القرن العشرين وأصبح يمثل عقبة أمام التوسع العمراني لمدينة الكويت مع البدء في بناء الضواحي الجديدة.
ويقع الحزام الأخضر بين شارع السور والمناطق السكنية على امتداد الدائري الأول المحيط بمدينة الكويت جنوبا من جهة، وبينه وبين مركز المدينة التجاري والمالي من جهة أخرى.
مشروع التطوير
بما ان الحديقة كانت ملكا للهيئة العامة للزراعة، فقد بادر الديوان الأميري إلى طلب امتلاك الأرض، وتمت الموافقة، وتسلم الديوان الأرض، ومن ثم طرحت الفكرة على صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الذي رحب بها وأمر بضرورة إقامة
نصب للشهيد لينطلق بعد ذلك المشروع فعليا.
وقد اكتشف فريق المهندسين منذ البداية في اثناء دراستهم للمكان نفقا في آخر الحديقة يربط بينها وبين بوابة الشعب، وساهم هذا الاكتشاف في طرح مبادرة تطوير الأماكن المحيطة بالبوابة أيضا وضمها إلى مشروع التطوير.
ثم بدأ الديوان الأميري يتحرك فأخذ موافقة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب على تطوير المكان، شرط عدم المساس بالبوابة لأنها بمنزلة معلم حضاري تتوارثه الأجيال.
وأضيفت موافقة المجلس البلدي وبلدية الكويت على دعم حديقة الشهيد، والسماح ببناء مرافق داخلها، شرط المحافظة على 90% من المسطحات الخضراء.
للحفاظ على وعد الوفاء بهذا الشرط قدم مهندسو الديوان الأميري فكرة مبتكرة تقدم لأول مرة في منطقة الخليج والشرق الأوسط وهي فكرة أن تكتسي مباني الحديقة سطوحا وجدرانا بالنباتات الخضراء، فتتحول بذلك إلى تلال خضراء تبدو
كالحدائق المعلقة، وهكذا حولت هذه الفكرة منشآت الحديقة إلى مساحات خضراء وإلى نسيج نباتي معماري يجعل الهواء اكثر نقاء.
ونظرا إلى حاجة المكان لأماكن لتخزين المياه قام فريق العمل بتصميم وتنفيذ وتوزيع عدد من شلالات المياه والنوافير، كما حرص الديوان على وجود بحيرة تتوسط الحديقة كما كانت في المخطط القديم لتطوير حديقة الحزام الأخضر، بهدف
جمالي وترطيب الجو واستخدامها كمخزون للمياه إذا لزم الأمر.
كما شملت مراحل تطوير المشروع بناء متحف للنباتات البرية الكويتية، بعد أن لاحظ المهندسون انقراض بعض النباتات النادرة بالإضافة إلى عدم معرفة الكثير من المواطنين ببيئتهم الطبيعية.
كذلك تم تصميم أماكن لركن السيارات تتسع لـ 900 سيارة وهي موزعة على طابقين تحت الأرض.
متحف الذكرى
في هذا المجمع الفريد من نوعه يجد الزائر نفسه أمام تاريخ الكويت فيرى بعينيه ويدرك بحواسه ما فعله الكويتيون لينتصروا في كفاحهم ومعاركهم، وما قدمه الشهداء الأبرار من أرواحهم الغالية دفاعا عن كرامة وحرية واستقلال بلدهم الكويت
منذ نشأته إلى الآن.
كما تتشابك المسطحات الخضراء في المجمع مع الممرات والمباني في لوحات ملونة، وتروي دواخلها حكايات التضحية والإرادة، وما بينهما من حب لهذا البلد.
ومن معالم المجمع البارزة مبنى الأبحاث الذي تبلغ مساحته 168 مترا مربعا ليساهم في تحقيق التقدم والسبق والتميز من خلال تقديم مواد أرشيفية يدوية وإلكترونية تفيد في الاستشارات والدراسات والأبحاث.
نصب الشهيد
في هذا الموضع يتذكر الزائر الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل أسمى الأهداف وأرفعها، حيث يرمز النصب إلى روح الشهيد وهي تغادر جسده الطاهر وتعلو نحو السماء، كما صنع من الزجاج إشارة إلى صفات الشهداء النبيلة، حيث
الصلابة والرقة والشفافية.
نصب الدستور
ولدت فكرة إنشاء نصب الدستور مع احتفالات الكويت بمناسبة مرور 50 عاما على صدور دستورها وتقدر مساحته بـ 6000 متر مربع.
ويقع هذا النصب في منتصف الحديقة، ويحظى بموقع ومكانة مهمة داخلها.
بوابة الشعب
تم ترميم هذه البوابة في بداية التسعينيات وتبلغ مساحتها والمنطقة المحيطة بها 2717 مترا مربعا، وهي مؤلفة من مدخلين رئيسيين عرض كل منهما 5.3 أمتار تقريبا، و3 غرف حراسة بمساحة 242 مترا تقريبا، وخلال عملية الترميم تم
الحفاظ على شكلها الأصلي.
وتعتبر البوابة إحدى 5 بوابات شكلت مداخل المدينة الرئيسية التي كانت جزءا من سور الكويت الثالث الذي شيد في عهد الشيخ سالم المبارك، وبدأت الأيدي تبنيه في 14 يونيو 1920 وانتهى البناء بعد شهرين، وذلك من أجل حماية المدينة
من أي عدوان من جهة البر بعد معركة حمض.
في نهاية الكتاب وبعد عنوان «مرافق أخرى» هناك عرض لمجموعة من المرافق في الحديقة منها المسجد، حيث لم يكتف القائمون على هذا الصرح الضخم بالمصليات الصغيرة الموزعة داخل كل مبنى من مباني الحديقة، بل حرصوا على
إقامة مسجد عام يخدم الحديقة ككل.
كذلك هناك شباك الطيور وهو خيمة شبكية محلقة بمجمع الموطن ويستخدم كمأوى لطيور الكويت العابرة والدائمة وكمحمية طبيعية.
كما تتخلل الحديقة وتصل بين أجزائها 3 ممرات يحمل أحدها اسم الممر الأميري ومخصص لمرور صاحب السمو الأمير وموكبه أثناء الاحتفالات بالأعياد الوطنية ورفع العلم، أما الممر الثاني فخصص لمحبي رياضة المشي فيما خصص الممر
الثالث لمحبي الجري والهرولة.
مركز الزوار علامة فارقة في عالم السياحة بالكويت
تصل مساحة مركز الزوار الإجمالية إلى نحو 2946 مترا مربعا ويعتبر علامة فارقة في عالم السياحة في الكويت، وقد تم تصميمه معماريا بشكل متميز ليكون معلما يرتبط اسمه بالتطور الحضاري والعمراني، تحيط به من الجانبين مسطحات
خضراء تلتف حوله، ويمنحه السطح مشهدا معبرا.
وقد أعدت تجهيزاته لتقديم خدمات متنوعة للزائرين موزعة على طابقين، ففيه مركز للاستقبال والإرشاد ومركز للهدايا التذكارية، وقاعة ومقهى في الدور الأرضي ومطعم في الدور الأول ومصلى.