رندى مرعي
لـم تعهد العلاقـة بيـن الأطفال والمدارس أي «ود» إذ لطالما كره الأطفال موسم بدء المدارس وكان أول يوم دراسي يشكل عبئا نفسيا للأهالي والابناء على حد سواء لما يطلقه الصغار من صرخات بكاء رافضة الدخول إلى الصفوف.
غير أن هذا العام جاء ڤيروس انفلونزا الخنازير خشبة النجاة للأطفال في «مسألة اليوم الدراسي الأول، إذ تأجل العام الدراسي مخلفا عواقب لا يتحملها سوى الأهالي الذين لا يعرفون كيف يسدون هذا العجز التربوي الذي ينتظرونه بفارغ الصبر.
فالمدرسة مكان يأمن فيه الأهالي على أبنائهم في جميع النواحي من دون أي استثناء، الا انه تبدل هذا المفهوم مع تفشي ڤيروس h1n1 المتمثل في المخاطر لاسيما على الأطفال.
ومع تأجيل العام الدراسي ازداد وقت الفراغ وبدأت نشاطات الأطفال تقل تدريجيا إذ صاروا يمضون معظم وقتهم أمام شاشات التلفاز يشاهدون «أفلام كرتون» التي اصبحت عادة لا يمكن الاستغناء عنها ولا تعوض ما قد تقدمه المدرسة من أساليب ترفيهية هادفة لا يمكن الاستعاضة عنها بالبرامج التلفزيونية التربوية التي قد لا تقدم شيئا للأطفال.
في جانب آخر أوقات الفراغ التي خلفها تأجيل العام الدراسي تحول الاطفال إلى نماذج خاملة إذ ان السبب الذي تأجلت لأجله المدارس هو نفسه الذي يمنع الأطفال من الخروج الى المجمعات التجارية والمدن الترفيهية.
لذلك كان للـ «الأنباء» وقفة عن كيفية تمضية اوقات الفراغ لدى الاطفال وتأثيراتها التربوية عليهم.
تقول هيفاء عبدالرحمن ان لتأجيل العام الدراسي وجهين الأول ايجابي كونه يقي الأطفال من التجمع والتعرض للڤيروسات والأمراض، والثاني وهو السلبي كونه لا بديل عن المدرسة في هذا الوقت لملء وقت فراغ الأطفال، فهم غالبا ما يقضون وقتهم اما في النوم واما في متابعة البرامج التلفزيونية التي لا منفعة منها على الإطلاق. وترى هيفاء انه ربما من الخطأ الرضوخ للخوف الذي سيطر على المجتمع والاستسلام لهذه الفكرة التي قد تقي الأبناء من انفلونزا الخنازير ولكنها لن تقيهم من الملل ومن التأثيرات السلبية التي يخلفها عدم الذهاب الى المدرسة.
أجواء تربوية
من جانبها، تقول رانيا جمال انها تحاول ان تؤمن لأطفالها أجواء تربوية مناسبة في المنزل لتعويضهم عن تأجيل العام الدراسي وذلك من خلال شراء الألعاب التي تعتمد على التفكير والتي تهدف الى تنمية ذكاء الطفل، وتوسيع قدراته، الى جانب شراء أشرطة كرتونية هادفة ايضا، وذلك لأنها لا تريد ان يضيع الأطفال وقتهم من دون الاستفادة منه.
وتقول رانيا انه على الرغم من كل هذه المحاولات فإن الطفل لا يدرك ما يجري حوله ولا يعرف ان لبقائه في المنزل ظروفا تجبر والديه على ذلك، وبالتالي لن يقضي كل وقته في ممارسة الأنشطة التربوية ومشاهدة هذا النوع من البرامج التي لا تعود بالمنفعة على الأطفال.
كرتون أو النوم
وفي هذا الإطار تحدث بلال الحاج قائلا ان بث البرامج التربوية سواء من خلال البرامج الحية أو الكرتونية لا يعود بالمنفعة دوما على الطفل الذي يقضي معظم وقته في المنزل، خاصة بعد اجازة صيفية طويلة.
وتابع ان غياب الأهل عن المنزل بحكم العمل يلعب دورا كبيرا في سوء اختيارات الأطفال لملء وقت الفراغ لديهم وقد يمضون معظم وقتهم نائمين، وهذا هو الحاصل في الواقع.
وتأجيل العام الدراسي واغلاق أبواب رياض الأطفال لا يعني انهم في اجازة ولا يعني الخروج الى المتنزهات والمدن الترفيهية وذلك لأن السبب الذي تأجل العام الدراسي لأجله هو نفسه الذي يمنع ممارسة الأطفال أنشطة ترفيهية ويخيف الأهل من جعل أطفالهم يختلطون كثيرا في التجمعات.
أطفال عدوانيون
بدورها تقول سامية عبدالرحمن ان لديها طفلين في المنزل لم يذهبا الى المدرسة بعد وانها على الرغم من انها لا تعمل الا انها لا تعرف كيف تملأ لهما وقت فراغهما وذلك لأنهما تحولا الى طفلين عدائيين نتيجة البقاء في المنزل طيلة الوقت وعدم الاختلاط بالناس.
وتقول ان برنامجهما اليومي أصبح متشابها كل يوم لا جديد فيه ولا منفعة منه وذلك لأنهما ينامان معظم النهار ويسهران بالليل، الأمر الذي فيه ارهاق للوالدين ايضا.
وتتابع سامية انها قد لا تكون قادرة على تغيير هذا النمط في الوقت الحالي، وذلك لأنه لا بدائل وتصف هذه المرحلة بالصعبة على معظم أولياء الأمور والأهالي ولا نعرف ماذا ينتظرنا بعد وكيف سيتقبل الأطفال الذهاب الى المدرسة في وقت متأخر أي بعد اجازة صيفية طويلة ومملة؟!
حل وقائي
من جانبها تتمنى أم عبدالله أن تفتح المدارس أبوابها لكل الصفوف وذلك لأن الحل الوقائي من إنفلونزا الخنازير لا يكمن في تأجيل العام الدراسي وذلك لأن الحالة النفسية للأطفال تدفع بالأهل الى محاولة الترفيه عنهم كيفما كان وبالتالي منعهم عن المدرسة لا يعني منعهم من الخروج الى المجمعات التجارية والملاهي، وهذه الأماكن يذهبون اليها مع الأهل إذ انه مهما قاوم الأهل ارتياد هذه الأماكن بحجة الوقاية إلا انـهـم في نهاية المطاف يعودون ويخرجون بالأبناء الى هذه الأمـاكن التي يكون فيها خطر الإصـابـة بـالـڤـيروسات والأمراض أكبر من المدرسة التي تجهز نفسها بـكـل الأسالـيـب الوقائية لحماية التلاميذ من الڤيروسات.
وتقول أم عبدالله انه من يقدّر له أن يصاب بالڤيروسات فهو حتما سيصاب بغض النظر عن عمره أو عن المكان الذي سينتقل منه المرض اليه.
من الناحية التربوية قالت المديرة المساعدة في مدرسة الورش التعليمية للبنات التابعة لمدارس التربية الخاصة نعيمة العبيد ان تأجيل الدراسة بسبب مرض h1n1 كان في البداية قرارا صائبا كما اعتبره جميع أولياء الأمور المعنيين بالعملية التعليمية إلا انه بعد ان تم التعامل مع هذا المرض وتم توضيح كيفية التعامل معه وأخذ الأمور الاحترازية منه أصبحت الحالة مطمئنة جدا عما بدت عليه في أول الأمر حيث كان الخوف من تفشي المرض وهذا وضع طبيعي يكون عليه الحال في ردة الفعل تجاه أي أمر لم تتضح فيه الرؤية ولم تعرف ماهيته.
وتابعت العبيد ان الأمر الذي لم توضع له خطة ولم يشر اليه هو كيف سيقضي الأبناء يومهم من دون دراسة وكيف سيتم تعويضهم عما فاتهم وكيف سيتم ملء الفراغ لديهم، فلم تطرح الأفكار ولم تقم الجهات الإعلامية في الدولة بالتطرق لذلك، علما انه كان يجب ان تتم مصاحبة الافكار للحملة الإعلامية ضد المرض لاسيما ان بعض الأسر تضم اكثر من طفل في المرحلة الابتدائية ومرحلة الرياض وايضا كان الأجدر بوزارتي الصحة والتربية ان تقدم مقترحا آخر مصاحبا للتأجيل يتم فيه توجيه أولياء الأمور حيال كيفية ملء وقت فراغ الطفل بطريقة تجعله يُلم ببعض الأمور التي تساعده في أن يتلقى دروسه فيما بعد بسهولة ويسر.
وأضافت العبيد انها كانت تتمنى ان نكون في مقدمة الدول التي لديها خطط احتياطية لمواجهة مثل هذه الأمور، حيث اننا حين نعطل المدارس نريد للطالب ان يتلقى التعليم عبر الانترنت لأنها وسيلة لإعطاء المعلومات لاسيما ان الغالبية العظمى من الأبناء حتى المرحلة الابتدائية قد برعوا في استخدام جهاز الحاسوب، لذا كان لزاما على وزارة التربية ان تعد المعلمين وتهيئهم بكيفية تقديم المادة العلمية للطلبة الذين قد تغيبوا لأي ظرف كان عن طريق الانترنت، وبهذه الطريقة لن يفوت الطالب ما تم شرحه فهو يتصفح كتابه العلمي مصاحبا له صفحة الانترنت التي يستفيض فيها المعلم فيما لم يتم شرحه في الكتاب المدرسي ويتم توضيحه بالتبسيط وضرب الأمثلة واعطاء الأسئلة لاختبار الطالب.
واعتبرت العبيد ان هذه وسيلة صحيحة وسليمة ومتطورة تشعر الطالب بأهمية العلم والتعلم عن بعد حتى وإن كان الطالب مقيما في المستشفى أو مسافرا لأمر ما أو متغيبا في منزله فهو لن يخسر متابعة الدروس.
وتطرقت العبيد الى ذوي الاحتياجات الخاصة الذين لم تقدم لهم أي خطط بديلة ولا أي مرافق خاصة يتم زيارتها مما حمل أولياء الأمور عبئا حيث ان الطالب المعاق لن يتفهم أسباب تغيبه فهو يحب مدرسته ومعلميه وقد انقطع عنهم ولم يجد بديلا، لذلك هناك تقصير كبير من الجهات المسؤولة تجاههم.
التلفزيون.. الخطر الأكبر
اصبح التلفزيون اليوم من الوسائل الاعلامية الهامة في مجال الاعلام والتربية اذ اصبحت هناك محطات تلفزيونية تربوية تبث البرامج التربوية والتثقيفية سواء على شكل برامج حية او كرتونية وباتت تستحوذ على اهتمام الاطفال بشكل كبير لدرجة ارتباط هذه الشخصيات بأحلام الاطفال لتكون جزءا منها او تصبح هي الحلم.
وتشير بعض الدراسات في العالم العربي الى تأثير التلفزيون على انفعالات المشاهد وسلوكياته اضافة الى تأثيره على قيم المشاهد وعاداته واخلاقياته في حياته الاسرية والاجتماعية. كما وان للبرامج التربوية اثارا سلبية على الطفل الغير قادر على تمييز الصح من الخطأ وادراك ما يجب تلقنه وما لا يجب تلقينه وذلك لان برامج التلفزيون تعمل على تلقين المادة الاعلامية بطريقة مخططة ومنظمة وهادفة وتعمل على تشكيل فكر الطفل ووجدانه وسلوكه وقيمه على نحو ايجابي او سلبي ومعظم هذه البرامج لا يربط بينها نظام او منهج او خطة تربوية تعليمية او ارشادية متكاملة وهي برامج قلما تعتمد على اي تقاليد او قيم علمية.
وترجح الدراسات العربية لبعض البرامج التلفزيونية التربوية التأثيرات السلبية التي تزداد اضطرارا في البرامج والتأثيرات الايجابية التي بدأت في الاضمحلال تدريجيا بسبب ضعف الرقابة والتغريب وتساهل الاهل والمدرسة والمجتمع في تقبل هذا الغزو الاعلامي الاجنبي الموجه والمنظم.
من جانب آخر تتطرق الدراسات الى مرحلة نمو الطفل وتحسين مهاراته العقلية فالجلوس طويلا امام التلفزيون يؤثر سلبا على حواسه وصحته وجهازه العظمي وقدراته العقلية والحسية والحركية ولا يمكن لهذا النوع من البرامج ان يحل محل المناهج التربوية بأي شكل من الاشكال.