مسؤولو «الناتو»: علاقة «الأوروبي» بـ «الحلف» تعاون لا منافسة
مقر «الناتو» - بروكسل - بشرى الزين
من بروكسل المدينة العالمية، حيث تمتزج اللغات والثقافات الاوروبية المتعددة وسط هدوء شوارعها وسكون احيائها ذات الثراء التاريخي العريق، لا يخترق صمت المدينة الحالمة إلا زخات المطر الخريفي وهبات نسيم باردة ولا يتخيل زائر العاصمة الاوروبية ان تحتضن أعتى القوات العسكرية. لكن الى الشمال من العاصمة البلجيكية وعلى بعد 65 كلم يتخذ اكبر وأقوى تجمع عسكري في العالم ضاحية مونس مقرا له، لتكون مسكنا لإدارة مقر القيادة العليا لقوات الحلفاء في اوروبا بعد انتقاله من باريس في العام 1967.
مقر يختزل القرار العسكري للحلفاء بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وان اتفق الاعضاء على انها القوة العظمى في العالم، الا ان بعض من حظيت «الأنباء» بلقائهم ضمن جولة اعلامية ضمت زملاء المهنة من عدد من الدول الاوروبية يبدون تساؤلا الى متى ستظل هذه القوة هي المهيمنة على القرار العسكري وسياسة حلف شمال الاطلسي رغم وجود 22 دولة اوروبية اعضاء في الحلف من اصل 28؟ مسؤولون في حلف شمال الاطلسي طلبو منا عدم الاشارة الى اسمائهم وفقا لبرنامج الجولة، وان كانوا يخفون انزعاجا من هذه الهيمنة، الا انهم يقرون ان الواقع الذي أنشئ من اجله الحلف في الماضي لايزال يلد تحديات جديدة تحسب لها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي حسابات واقعية ايضا لخدمة المصالح المشتركة للحلفاء، مصالح تحميها اهداف الحلف وفق آفاق التوسع والشراكة والعلاقة بالاتحاد الاوروبي وبرامج عملياته العسكرية والاسـتراتيجية المستجدة دائما.
يبدو ان حلف شمال الاطلسي الذي أنشئ قبل 60 عاما قد اختلفت اهدافه عن أسباب انشائه الاولى وان كانت تصب في الالتزام بالدفاع الجماعي عن الدول الاعضاء ضد اي تهديدات خارجية، فإن «الناتو» الذي أسس في العام 1949 بناء على رغبة دول أوروبا الغربية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية بهدف الاستفادة من المظلة العسكرية الاميركية في مواجهة الخطر السوفييتي سابقا، فإن اعداء الامس هم شركاء اليوم ايضا حيث حرصت الولايات المتحدة على اقامة علاقة تعاون وشراكة مع روسيا تمت بتوقيع الوثيقة التأسيسية بين حلف «الناتو» وروسيا في باريس في العام 1998.
وموازاة لهذا الافق الأورو اطلسي، حرصت واشنطن كذلك على الاهتمام بكل المشكلات الامنية للديموقراطيات الجديدة في اوروبا الشرقية وفتح الباب امام اعضاء حلف وارسو المنحل للانضمام.
حديث عدد من الخبراء العسكريين في مقر قيادة قوات الحلفاء في بروكسل الى المشاركين في الجولة الاعلامية يتجه الى انه مهما يقال عن السياسة التوسعية والاستراتيجية الاميركية التي تهدف الى ان يكون الحلف قوة سلام في العالم، الا ان التطورات التي عرفتها السياسة الدولية دفعت بالسعي وخلال سنوات التسعينيات الى توسيع نطاق عمل الناتو سواء عبر فتح باب الانضمام الفعلي او من خلال توقيع اتفاقات الشراكة التي مهدت لتعاون الحلف خارج النطاق الاورو اطلسي ليضم شركاء جددا من خارج الحلف، يستوجب الاتفاق تفعيل مهمة مهمة الامن والسلم في اي حال تتطلب ذلك.
واذا كانت الولايات المتحدة التي حرصت على الابقاء على حلف الناتو وتعزيز هياكله وتطوير مهماته الدفاعية والهجومية من اجل ضمان الامن الجماعي للحلفاء، فإن مسيرة حلف شمال الاطلسي لم تخل من وجهات النظر المختلفة والتعارضات حول سياسة وادارة الحلف، خاصة بين الدول المنضمة للحلف والتي تملك حق الڤيتو داخل مجلس الامن الدولي، الا ان مسؤولي الناتو اكدوا على ان علاقة الحلف بالاتحاد الدولي ترتكز على التعاون بعيدا عن المنافسة بتقاسم الاهداف والقيم وتطوير السياسة الدفاعية للاتحاد وبناء الكفاءات المدنية والديموقراطية وتحقيق اهداف الاولويات الاستراتيجية (افغانستان، اسلحة الدمار الشامل، العراق، كوسوڤو ومحاربة الارهاب) مع المحافظة على تطوير التعاون مع روسيا كشركاء متساوين في المناطق ذات المصالح المشتركة.
تطرق مسؤولو الناتو الى مبادئ واهداف الحلف ونشأته وبرامج العمليات العسكرية اضافة الى العلاقة مع الاتحاد الاوروبي، حيث تمت الاشارة الى اهم المبادئ وتشمل تسوية جميع النزاعات الدولية بالطرق السلمية والامتناع عن التهديد او استعمال القوة بطريقة لا تتفق مع ميثاق الامم المتحدة والتعاون المتبادل بين دول الحلف في كل المجالات اضافة الى عدم الدخول في اتفاقيات تتعارض مع هذه المعاهدة والتشاور مع الاعضاء فيما يتصل بالامور الامنية.
كما ترتكز الاهداف على توحيد جهود الدفاع المشتركة والمحافظة على السلم والامن الدوليين والعمل على مقاومة اي هجوم مسلح بشكل فردي او جماعي وبكل وسيلة ممكنة من وسائل الاستعداد الخاص والعمل على استقرار ورفاهية دول الحلف وتوثيق العلاقات الدولية السلمية والودية.
ولما كانت تداعيات الحرب العالمية الثانية وراء انشاء حلف شمال الاطلسي برغبة اوروبية حماية لأمنها، فإن اوروبا تعد اهم المناطق العسكرية في نظام الامن العالمي، وفي كثير من عمليات الناتو العسكرية وضمن الخطط الاستراتيجية للحلف.
دعم العراق
منذ العام 2004 يولي الناتو اهتماما كبيرا لدعم الحكومة العراقية عبر اتفاق طويل المدى لمساعدة وتدريب عناصر القوات العسكرية العراقية سواء داخل أو خارج العراق لتطوير المؤسسات الامنية وعبر التنسيق لتجهيزها من طرف الدول الاعضاء في الحلف بشكل منفرد وتعزيز ودعم الاصلاحات الدفاعية في العراق.
ومهمة التعاون مع العراق جاءت وفقا لقرار مجلس الامن الدولي 1546 الذي يتضمن طلبا للدعم من المنظمات الدولية والاقليمية للعراق من أجل أمنه واستقراره.
التزام «الناتو»
«تأسس الناتو على التزام بسيط ورصين: الهجوم على أي عضو يعتبر هجوما على الكل. وانطلاقا من هذا الأساس أقمنا أقوى تحالف في التاريخ، وهو تحالف قوي لأنه يتكون من أمم حرة».
أمن أفغانستان
بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، أطلقت الولايات المتحدة عملية الحرية الدائمة لتقويض العمليات الارهابية في افغانستان والاطاحة بنظام طالبان وتحقيق الأمن للافغان وفي مؤتمر بون في ديسمبر 2001 تم وضع قوات مساعدة للأمن الدولي بقرار دولي 1386 والتي اطلق عليها اسم «ايساف» عملت الى جانب الحكومة الانتقالية الافغانية وتولت مهمتها قوات متعددة الجنسيات واغلبها من حلف شمال الاطلسي وضمت قوات «ايساف» نحو 61 الف عنصر من 41 بلدا، حيث تشارك الولايات المتحدة بأكبر عدد من القوات بلغ اكثر من 30 الف جندي ينتشرون في المناطق القبلية على الحدود مع باكستان.
خليج عدن
مع تزايد عمليات القرصنة في خليج عدن وفي منطقة القرن الافريقي تتأثر الجهود الانسانية الموجهة الى القارة السمراء بشكل عام وتقطع الخطوط الحيوية للاتصال والمصالح الاقتصادية في المنطقة، وبذلك قام «الناتو» بعمليات لمكافحة القرصنة بشكل فعال منذ العام الماضي الى جانب عدد من الاطراف الفاعلة بما في ذلك الاتحاد الاوروبي ومن خلال تنفيذه كامل قرارات مجلس الامن الدولي المتعلقة بمحاربة هذه الظاهرة.
حوض «المتوسط»
بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر تولى الناتو عمليات المراقبة عبر قوات بحرية ضد الانشطة الارهابية في حوض البحر المتوسط، حيث تمركزت السفن الحربية التابعة للحلف شرق المتوسط وبدأت بمهمة مراقبة المنطقة في اكتوبر من العام 2001. وخلال الحد من الانشطة المرتبطة بالارهاب، كان التأثير الايجابي واضحا في الامن المتوسطي المتعلق بالمجالات التجارية والاقتصادية.
أول عملية لحفظ السلام
تطبيقا للمفهوم الاستراتيجي لحلف شمال الاطلسي كان التدخل العسكري المباشر في العام 1994 وتمكنت طائرات الحلف الحربية من اسقاط طائرات حربية انتهكت منطقة الحظر الجوي فوق البوسنة والهرسك، وكانت هي المرة الاولى التي تشارك فيها قوات حلف الناتو في هذه المعركة. وبعد ان تم التوصل الى توقيع اتفاقية سلام في البوسنة والهرسك في العام 1995 تم تكليف حلف الناتو بموجب قرار مجلس الامن الدولي رقم 1031 بتشكيل قوة مكونة من 60 الف جندي لتولي حفظ السلام وترسيخ الاستقرار في البلاد، حيث كانت اول عملية حفظ سلام يقوم بها حلف الناتو على الاطلاق.
الجزء الثاني