حاورها: عبدالله الراكان
أكدت مستشار جودة الحياة د.تهاني المطيري على أهمية الصحة النفسية للأفراد والمجتمع، مشيرة إلى أنها تتيح للفرد القدرة على فهم الذات والآخرين وتوجيه السلوك بشكل سليم بعيدا عن الاستجابات غير السوية. واعتبرت د.المطيري الضغوط حالة من انعدام التوازن بين المطالب الداخلية والخارجية، مبينة أن تمتع الفرد بالصحة النفسية يجعله أكثر قابلية للتفاعل الإيجابي مع المشكلات المختلفة وتوازن الانفعالات عند الوقوع تحت الضغوط الحياتية المختلفة، حول هذه الأمور وغيرها تحاورت «الأنباء» مع د.تهاني المطيري وبداية سألناها:
برأيك د.تهاني ما أهمية الصحة النفسية في حياة الأفراد والمجتمعات؟
٭ للصحة النفسية أهمية كبرى تعود على الفرد والمجتمع، فهي تزرع السعادة والاستقرار والتكامل بين الأفراد، كما لها الدور المهم في اختيار الأساليب العلاجية السليمة والمتوازنة للمشكلات الاجتماعية التي قد تؤثر في سلامة عملية النمو النفسي للفرد، ويمكن أن نلخص أهمية الصحة النفسية في كونها تتيح للفرد الفرصة بفتح آفاق نفسه، بالإضافة إلى القدرة على فهم الذات والآخرين من حولك، كما تجعل الإنسان أكثر مقدرة على السيطرة وضبط العواطف والانفعالات والرغبات، وتوجيه السلوك بشكل سليم بعيدا عن الاستجابات غير السوية.
هل ينعكس ذلك على قابلية التعامل الإيجابي؟
٭ ان تمتع الفرد بالصحة النفسية يجعله أكثر قابلية للتعامل الإيجابي مع المشكلات المختلفة وتوازن الانفعالات عند الوقوع تحت الضغوط الحياتية المختلفة والتغلب عليها وتحمل المسؤوليات دون الهرب والانسحاب، كما أنها تهدف إلى الاستقرار الذاتي للفرد، فتكون حياته خالية من التوترات والمخاوف والشعور الدائم نسبيا بالهدوء والسكينة والأمان الذاتي، فالصحة النفسية تنشئ أفرادا مستقرين وأسوياء، فكلما كان الأهل يتمتعون بالقدر المناسب من الصحة النفسية كانت إمكانية تنشئتهم لأطفال أسوياء نفسيا أكبر، فالأسرة المستقرة نفسيا تتمتع بالتماسك والتآزر والقوة الداخلية والخارجية، وبالتالي فهي تزيد المجتمع قوة وتماسكا، كما أنها تجعل الفرد متوافقا مع ذاته متكيفا مع مجتمعه، فغالبا ما تكون سلوكياته سليمة ومحبوبة ومرضية لمن حوله، كما أن الفرد المتمتع بالصحة النفسية قابل لتحمل المسؤولية واستعمال طاقاته وقدراته وكفاءاته إلى الحد الأقصى، فالشخصية المتكاملة للفرد تجعله أكثر فاعلية وإنتاجية.
يعيش الأفراد ضغوطا كبيرة في الحياة المعاصرة، فكيف يمكن للفرد التعامل مع ضغوط الحياة ومشاكلها؟
٭ الضغوط هي حالة من انعدام التوازن بين المطالب الداخلية والخارجية على حد سواء وقدرتنا على إشباع هذه المطالب وتتمثل الضغوط في كثرة العمل وإدمانه أو قلة العمل، سوء التوجيه، الحماس الزائد، لا فراغ، لا استرخاء.
ولكن كيف يمكن التغلب على ضغوط الحياة؟
٭ يمكن مواجهة وعلاج المشاكل أولا بأول وتجنب تراكمها، كن إيجابيا وواثقا من نفسك، كن واقعيا في توقعاتك، لا تواجه مشكلاتك منفردا ليس المهم ما الذي حصل بل المهم هو كيف تفكر بالذي حصل، كن مرنا واحذر النقد القاسي للأسرة والأصدقاء، كن حي الضمير، امنح نفسك وقتا للتأقلم مع التغيير، ركز على ما يهمك فعلا، اعرف ما الذي يجعلك حزينا أو سعيدا، ابتسم ويجب على الفرد تخصيص بعض الوقت للتفكير في الأمر بإمعان وتحدث مع الأفراد الذين تثق بهم، واجمع آراءهم، وحدد أولويات لكل الأنشطة التي تقوم بها، نظم وقتك، مارس الرياضة، وجه وعلم بدلا من أن تقوم بكل شيء بنفسك.
ما العنف وما أنواعه وأسبابه؟
٭ العنف هو التعبير عن القوة الجسدية التي تصدر ضد النفس أو ضد أي شخص آخر بصورة متعمدة أو إرغام الفرد على إتيان هذا الفعل نتيجة لشعوره بالألم بسبب ما تعرض له من أذى وينقسم العنف إلى عدة أنواع منها: عنف بدني، عنف نفسي وأسري، ومعظم أشكال العنف موجهة للمرأة إن كان من قبل الرجل، وكذلك من قبل المرأة نفسها الى غيرها.
إذن ما طرق وأساليب القضاء على أو تخفيض حدة ظاهرة العنف؟
٭ تعزيز الدور الإعلامي في محاربة هذه الظاهرة، وتسخير الأعمال الدرامية لخدمة مثل هذه الفرص، بوضع برامج تثقيفية موجهة للمقبلين على الزواج حول مهارات حل المشاكل الأسرية عبر الحوار والأساليب السليمة في تربية الأبناء وتكون إلزامية كالكشف الصحي قبل الزواج، والالتزام بالتعاليم الإسلامية السمحة وتطبيقها في الحياة الأسرية، سواء كان ذلك على صعيد اختيار الزوجين، أو تسمية الأبناء، أو تربيتهم والتعامل معهم، أو احترام الأبوين والعمل على إشباع احتياجات الأسرة النفسية والاجتماعية والسلوكية وكذلك المادية، وتحاشي بعض الأسباب الموصلة إلى العنف الأسري، كعدم العدل بين الزوجات في حال التعدد، والتخفيف من تدخل الأهل والأقارب في الشؤون الداخلية للأسرة والمساواة في التعامل مع الأبناء، حيث إن عدم العدل يؤدي إلى الكراهية والبغضاء والعنف بين الإخوة، وذلك بتوعية الآباء والأمهات، عدم الاعتماد على المربيات الأجنبيات في تربية الأبناء، لما قد يترتب عليه من آثار سيئة ونقل ثقافات مختلفة عن مجتمعنا، الابتعاد عن مشاهدة مناظر العنف على القنوات الفضائية والإنترنت، وهذا يكون دور الوالدين، إدراج حقوق الأسرة والوقاية والتصدي للعنف الأسري ضمن المناهج في كافة المراحل التعليمية، والعمل على أن تكون بيئة المدارس خالية من العنف.
ما أهمية الاستشارات النفسية والاجتماعية في مواجهة ضغوط ومشاكل الحياة؟
٭ إن الإنسان عقل وروح وجسد وعلاقات اجتماعية وكل منها يحتاج إلى رعاية واهتمام.
أغلب الناس يهتم بجانب الجسد يرعاه ويهتم بصيانته من خلال الأكل والشرب والرياضة والنوم والعلاج الطبي، أما بقية الجوانب فغالبية الناس يهملون الاهتمام بها وصيانتها فتحدث المشاكل وعلاج تلك المشاكل يتم من خلال الاهتمام بصيانة الروح والعقل والعلاقات الاجتماعية وعدم الخجل من طلب الاستشارة لتنمية تلك الجوانب.
متى يلجأ الفرد لطلب الاستشارة؟
٭ يلجا الإنسان لطلب الاستشارة الطبية والاستشارة الشرعية والمالية والهندسية وغيرها ولكنه لا يطلب الاستشارة النفسية والاجتماعية والتربوية اعتقادا منه بأن ذلك تقليل من قيمته، فالاستشارة حضارة وواجب شرعي ومن يقول إن الاستشارات النفسية والاجتماعية «كلام فاضي» فهو قول فيه تجن على الحقيقة لعدة أسباب منها نتائج تلك الاستشارات على طالبي الاستشارة واضحة وإيجابية ولا ينكرها من استفاد منها، وإن كان طالب الاستشارة لا يطبق ما طلبه من الاستشاري، أو أن يطبق بطريقة خاطئة فلا يحصل على نتيجة مثل المريض الذي لا يتناول الدواء الموصوف له أو يتناوله بطريقة خاطئة فلا يحقق النتيجة المرجوة من الدواء، ولهذا فإن مهنة الاستشارة كغيرها من المهن لا تخلو ممن يسيء للمهنة.
ما مدى تأثير ضغوط العمل على الإنسان؟
٭ يمثل ضغط العمل سبب إلى عدم الإتقان بل والفشل في أداء الأعمال في بعض الأحيان وفي هذا العالم المتغير لا غرابة في أن يصبح العمل مصدرا رئيسيا للضغوط عموما، ونحن عادة نختار التحدي عندما نشعر بالآلام الناتجة عن ضغط العمل ولكن هذا التحدي رغم نجاحه لمدة وجيزة إلا أننا نفاجأ بسقوط الجسد المتعب، وكلما كانت ضغوط الأعمال متكاثرة متراكمة على المرء فهو بين خيارين اثنين، إما أن يجعل تراكم عمله وكثرة مسؤوليته محبطا له ومؤلما على المستوى النفسي والجسدي، وإما أن يجعل ضغط العمل الذي يواجهه هو طريقه للنجاح في حياته.
ما مدى تأثير الضغوط على الأسرة؟
٭ إن الخلافات بين الوالدين هي من أكثر الضغوطات النفسية التي يتأثر بها الطفل كالتوتر الدائم في جو المنزل وعدم التفاهم يشيع جوا من الاضطراب، ما يؤدي الى انماط في السلوك لدى الطفل مثل الغيرة والأنانية وحب الشجار وعدم الاتزان الانفعالي وعدم احترام الآخرين وعدم التعاون مع الآخرين، كما أن المشكلات النفسية عند الوالدين والسلوك الشاذ تؤدي الى عدم استقرار الجو الأسري فهي تؤثر على الصحة النفسية للطفل ما يؤدي الى شعور الطفل بالاكتئاب أو القلق ويعرضه للكثير من الاضطرابات النفسية.
ما تأثير الصحة النفسية على الصحة الجسدية؟
٭ في مجال صحة الإنسان تمثل الضغوط نسبة كبيرة من مجموع الأمراض التي يعاني منها الناس كالنوبات القلبية وتجلط الدم وقرحة المعدة وتشنجات القولون وغيرها من الأمراض التي قد تسببها الضغوط النفسية على الفرد، وبالعكس كلما كان الفرد يتمتع بصحة نفسية قلت نسبة تعرضه للأمراض وزادت نسبة شفائه.
كيف يمكن برأيك التخلص من ضغوط العمل؟
٭ لحل تلك الأزمات والإشكاليات التي تواجه الموظف وتعوق نجاحه بالشكل المطلوب، سنضع لك خطوات تخلصك من تلك الضغوط وينبغي اتباعها:
قم بتسجيل تلك المواقف المؤثرة عليك بتوتر عصبي وضيق، مع ضرورة تقسيمك المهام لأجزاء، كي تستطيع التعامل معها، ثم تحد وقاوم، كأن تقوم بتسليم اعمالك المطلوبة قبل موعدها، واختيارك لأفضل الطرق للقيام به، وبعدها دون إنجازاتك الفعلية وسترى الفرق، حاول أن ترى الإيجابيات لا السلبيات في مواقف التوتر التي تواجهك، فكلما فكرت بإيجابية قل تأثير السلوك الانفعالي عليك، عزز علاقتك بالأسرة والأصدقاء وزملاء العمل، بالحوار والمشاورة، فإنه سيضيف لحياتك نوعا من المرونة، لتجعلك أكثر سعادة، ثم حدد أولوياتك ابدأ بوضع خطة لحياتك، حيث تستغل كل دقيقة منها لتنطلق مباشرة، وتنجز أهدافك بدون عوائق، ولا تنسى أن تجعل لعلاقاتك وشبكة تواصلك مع الآخرين مكانا، وإن وجدت بعض العوائق، قم بتأجيل بعض البنود العادية، وليس الأولويات، حاول أن تكون أكثر هدوءا مما عليه، للتعامل مع مشكلاتك بحلول مناسبة، بعيدا عن التوتر والعصبية، فالشخص الناجح يحاول الاحتفاظ بهدوئه، فبالتالي سينعكس على من حولك، فسيعاملونك بنفس الهدوء وسيزداد احترامهم لذاتك، كل منا لديه أخطاؤه، ولا شك أنت واحد منهم، وسترتكب العديد من الأخطاء على مر حياتك، فأنت لست معصوما من الأخطاء، لكن المهم أن تتخلص من تلك الأخطاء وتصححها بسرعة، وحاول أن تبتعد عن زملاء العمل السلبيين، وأخيرا اقتل الكسل بالمبادرة.
آليات حماية الأبناء من الانتكاسات النفسية
أبناؤنا مكون قابل للتشكيل والتقويم ما دام في مراحله الأولى من حياته، كما أنهم مكون قابل للتأثر من جميع المؤثرات التي تحيط بهم فتتراكم في ذاكرتهم شتى المواقف السلبية والإيجابية، وتتلاقى مع مكوناتهم النفسية، ونتاج العملية التربوية التي يتعرضون لها، فتتكون شخصياتهم المتفردة، ومع مرور الوقت وتتابع الأحداث تترسخ الصفات الإيجابية كما تجد الصفات السلبية طريقها إلى تلك الشخصيات الصغيرة.
والأب له دور كبير في التكوين النفسي لأبنائه، عبر مناح مختلفة، نتيجة معايشته إياه، خصوصا أن الأبناء في فترات حياتهم الأولى تكون نفوسهم أشبه بالأطباق الهوائية، التي تلتقط كل ما يبث من حولها غير مستطيعة لانتقاء الصواب من الخطأ والحسن من القبيح، كذلك يتأثر الأبناء بالآباء كونهم يرونهم قدوتهم الكبرى عبر سنين حياتهم الأولى، فيتعلقون بتلك القدوة، ويصيبهم الاحباط عندما يجدون الإساءة منها أو الإهمال، أو يجدونها شخصية ضدية وخصمية لهم، أو يستشعرون منها القسوة أو غيره، ففي المراحل الاولى يهتم الأبناء بتقليد الآباء، تقليدا سببه الإعجاب والتعلق، فيصير الابن وكأنه صورة مصغرة من والده، حتى إنه ليتقمص دوره وشخصيته أثناء اللعب ويلبس ملابسه أثناء غيابه، ويقلده في طريقة الأكل والشرب والنوم بل والضحك والسخرية، ويقلده في الإيجابيات ايضا، الصلاة والذكر وغيرها.. هنا يحتاج الابناء من الآباء نوعا معينا من الدعم النفسي يقوم مقام المصفى (الفلتر) الذي ينقي الوارد من الخارج، بحيث يفهمه الصواب من الخطأ، ويقول له بصراحة ووضوح (نعم، افعل هذا فهو صواب) و(لا، لا تفعل ذلك فهو خطأ)..، هاهنا يلزم الاب ألا يكتفي بمقولة خطأ أو صواب، لكن عليه أن يبين السبب ببساطة ويربط ذلك بالفضائل وبحب الله وبتشجيعه هو نفسه.
الدعم النفسي للأبناء في هذه المرحلة يجب أن يهتم أيضا ببناء الثقة بين الآباء والأبناء، فيجب ألا تتغير معاملة الآباء لأبنائهم فجأة لمجرد الخطأ، بل عليه أن يكرر التحذير مرات ومرات ثم يبدأ في العقوبة، ويجب أن تكون العقوبة متدرجة من البسيط إلى الأصعب، ويجب ألا يكون من بينها الضرب إلا بنذر يسير جدا مع عدم الغضب اثناءه.
كذلك يجب ألا يتواجد الابناء في محيط مشكلات الوالدين معا، لأنه قد يسمع ما يكرهه من ابيه أو أمه، أو من أحدهما تجاه الآخر مما يمكن أن يبقى في مخيلته سنين طويلة لا يمحى.