علقت د.جنان الحربي على ما تداوله الكثير من نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي والصحف المحلية وكذلك العديد من مواقع أخبارية أوروبية من خبر انتشار الكثيف للجراد الصحراوي الذي اجتاح مناطق متعددة في المملكة العربية السعودية ومحافظتي صنعاء وعمران وشمال اليمن، موضحة ان البعض انتهز هذه الفرصة من أجل تحقيق مكاسب مالية فسارعوا بصيد الجراد وتعبئته في أكياس لبيعها على محبي أكله.
وشكل هذا الهجوم لدى المواطنين من دخوله إلى أراضي الكويت وخاصة تلك القريبة من السعودية.
وأضافت الحربي: اعتاد آباؤنا وأجدادنا من أهل الكويت على أكل الجراد نسبة إلى «طعمه اللذيذ» ولفوائده الجمة الذي كان يباع في ساحة الصفاة ودروازة العبدالرزاق والبرايح وظلت هذه العادة مستمرة إلى وقتنا.
وقد ذكر في المثل الكويتي. مازال الجراد يباع في «خياش» كالسابق ويقدم على موائد الطعام مسلوقا على البخار أو مطبوخا بالماء والقليل من الملح.
وأصبح المطبخ الكويتي الحديث يتفنن في طبخ هذه الحشرة فتقدم مقلية أو مشوية مقرمشة.
يفضل الكويتيون أكل الجرادة الكبيرة الحجم وهي الأنثى التي تعرف بـ «المكن» لاحتوائها على العديد من النسيج العضلي وتكون في أغلب الأحيان مكتنزة أو محملة في البيض.
أما صغار الجراد فكان يعرف باللهجة الكويتية «الدبا» أو «اليخاخ» أو «العصفور» ولكنه غير مستساغ للأكل حتى يكبر وينضج.
فحشرة الجراد تحتوي على 55-65% بروتينات ونسبة من الدهون تصل الى 16- 18% وأملاح معدنية مثل الكالسيوم، البوتاسيوم، الماغنسيوم، المنجنيز، الصوديوم، الحديد، الفوسفور. يستخدم الجراد في علاج أمراض الروماتيزم وآلام الظهر لما به من مقويات فعالة للجسم.
وتابعت: يعتبر الجراد من الحشرات المهاجرة وهناك نوعان لأشكال سراب الجراد، فالأول يكون مسطحا أفقيا يطير على ارتفاعات منخفضة لا تزيد على 100 متر من سطح الأرض ونستطيع رؤيته.
أما النوع الثاني وهو التراكمي ويكون على شكل هرم ويطير على مسافات عالية جدا في الصباح الباكر ولا يرى بالعين المجردة.
و يتحول السرب من النوع الأول إلى الثاني تبعا لدرجات الحرارة والرطوبة و تغير اتجاه التيارات الهوائية والرياح.
وهناك العديد من العوامل الكثير أيضا التي تساهم في زيادة انتشار وهجرة الجراد وأهمها العوامل الفيسيولوجية المنظمة لدورة حياة الجرادة، ولكن إلى الآن لم تثبت أي دراسة عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الهجرة لأن هناك بعض من أنواع الجراد يهاجر إلى مناطق قاحلة تقل فيها الأمطار والرطوبة وتتصف بندرة النباتات والكساء الخضري.
يلتهم الجراد أثناء الهجرة والانتشار كل ما في طريقة من نباتات ويلحق بها إصابات متعددة ويتكبد المزارعون خسائر مادية فادحة.
تبعا للدراسات الحشرية الحقلية، عادة السرب الذي يصل طوله إلى كيلومتر يقضى على ما يعادل 100 ألف طن من النباتات الخضراء الزراعية وهو ما يكفي لغذاء نصف مليون شخص لمدة سنة.
ولكن في رأيي الشخصي درجة الخسائر تعتمد على حجم وضخامة السرب وعلى المرحلة العمرية للجرادة.
وعن عدد أنواع الجراد في العالم قالت: يصل إلى 20.000 نوع والنوع المعروف في الشرق الأوسط هو الجراد الصحراوي «Schistocerca gregaria» وهو الأكثر انتشارا وخطورة وشراسة.
معظم الجراد الصحراوي يهاجر على شكل أسراب من المناطق الصحراوية الجافة في أفريقيا وموريتانيا والمغرب والسودان عابرا البحر الأحمر باتجاه المملكة العربية السعودية وشبه الجزيرة العربية.
وهناك مناطق محددة ومتعارف عليها علميا وعالميا لتوالد الجراد وهي المملكة العربية السعودية وشبه الجزيرة العربية، وليبيا والسودان والحبشة وأريتيريا واليمن.
وصرحت منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» «Food and Agriculture Organization, FAO» وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة الدولية مهتمة في الأمن الغذائي، إنه تم التمكن من توقيف هجرة الجرادة الحمراء الأفريقية والجرادة التي تعرف بالمهاجرة.
ولكن مازالت هناك صعوبات في القضاء أو الحد من انتشار الجرادة الصحراوية الشرسة التي باتت منتشرة بكثرة مسببة خسائر كارثية للمزارعين وتهدد الأمن الغذائي لدى البلدان ذوات الدخل المنخفض والمتوسط الفقيرة التي تعتمد بالأساس على المحاصيل الزراعية مثل بعض الدول الآسيوية والأفريقية.
وأضافت: تضع أنثى الجراد حوالي 80 -100 بيضة في كيس بيضي تخفيه في الرمال الرطبة وبعد حضانة البيض لمدة أسبوعين تخرج الحورية الأولى التي تمر في 4 انسلاخات إلى أن تصل مرحلة الحشرة الناضجة، وتستغرق دورة النمو تقريبا 8 أسابيع.
يستدل المتخصصون في الحشرات على الفئة العمرية من اللون الخارجي للحشرة فمثلا الحورية الأولى والثانية يكون لونهما ابيض أما الحورية الثالثة تتميز بظهور براعم للأجنحة عند الحافة الظهرية ولونها أصفر باهت مع القليل من البقع السوداء، العمر الحوري الرابع تزداد شدة اللون الأصفر مع البقع السوداء وتوجد بقعة حمراء خلف العين وبالنسبة للحورية الأخيرة وهي الخامسة يزداد اللون الأصفر والبقع السوداء التي تغطي مساحة أكبر والجناح يكون ظاهر وبارز ولكنه غير مكتمل بنسبة 50%.
تعتبر الحوريات «fledglings» لا تستطيع الطيران لأنها غير مكتملة الأجنحة فتظل تمشى على الأرض في أسراب لمسافة كيلومتر في اليوم وتأكل «اليابس والخضر» وتظل تتغذى بشهية مفتوحة حتى تكتمل بقية أعضاء جسمها وخاصة أجنحتها لتصل إلى مرحلة الحشرة الكاملة.
أما الجراد الصحراوي فقالت د.جنان الحربي إن له القدرة على تغيير سلوكه من انفرادي المنعزل إلى التجمعي على حسب كثافته وتعداده بالنسبة للمساحة التي يغطيها.
إذا كانت الجرادة انفرادية المعيشة غير مهاجرة يكون لونها أصفر باهت أو بيج ولديها خطوط رمادية اللون وهي غير مؤذية ومسالمة.
أما الجرادة التجمعية المهاجرة تكون مائلة إلى اللون العسلي الداكن ولديها بقع قرنفلية اللون خلف العين وهي أصغر بالحجم من الانفرادية.
وتتفاوت كذلك ألوان الحوريات لدى النوعين من الجراد فتزداد شدة اللون الأصفر والبقع السوداء في حورية التجمعي المهاجر مقارنة بحورية الحشرة المنعزلة التي تكون في الغالب خضراء اللون.
الجرادة البالغة المهاجرة الأنثى ليس لها ضرر كبير لأنها تكون محملة بالدهون كي تستهلكه أثناء الهجرة والطيران وهمها الوحيد وضع البيض والتكاثر في أماكن خصبة.
وتعيش الأنثى حوالي 40 يوما حتى تنتهي من وضع البيض وتموت بعد ذلك بفترة قصيرة.
أما ذكر الجرادة المعروف بـ«العصفور» هو شرس وأصغر بالحجم من الأنثى ولونه أصفر فاتح ويعيش فترة أطول من الأنثى.
وزادت: ليس كل ما نجده من جراد في مزارع الكويت مثل مزارع الوفرة والصبية يعتبر حشرة بالغة جنسيا.
فلا بد من استشارة اختصاصي الحشرات للتأكد من ذلك لأن كل مرحلة لها طريقة معينة وبروتوكول في التعامل معا للقضاء عليها.
ولمعرفة ما يحدث في مزارع الوفرة توجه يوم الجمعة الموافق 3/5/2019 فريقي البحثي المكون من أساتذة في تخصص النبات برئاسة د.محمد بهزاد برحلة بحثية استطلاعية لزيارة مزارع الوفرة والتأكد عما يثار في الصحف المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي عن غزو الجراد لمنطقة الوفرة. وكان الهدف الأساسي من الرحلة هو التحديد المبدئي لكثافة الجراد ومراحلة العمرية وأخذ عينات للدراسات المختبرية.
وعليه قررنا أن نستكشف أولا المزارع النظامية الأصلية التي تستخدم للإنتاج الزراعي والتي تكثر فيها المشاريع الكويتية لإنتاج الخضراوات وتربية الأسماك.
وسبب توجهنا إلى هذا النوع من المزارع هو أن الجراد لا يتغذى على النباتات الملحية التي تنمو أغلبها في الصبخات والتجمعات المائية.
فهذا النوع من النباتات لا يتناوله الجراد الصحراوي لاحتوائها على نسبة عالية من الأملاح يمكن أن تغير توازن الضغط الأسموزي في جسمه لأن نسبة الماء قليلة جدا مقارنة بالجرادة الانفرادية.
وقام الفريق العلمي بعمل «Pit Pot Trap» وهي حفر في التربة توضع فيها سطل مخفي لتسقط داخله الجراد ولا يمكنه الخروج ليتسنى لنا تحديد الفئة العمرية ومرحلة النمو.
وتوصلنا إلى أن الحشرات المتواجدة في المزارع تشمل مراحل الحوريات الخمسة غير الصالحة للأكل ولكن الحورية الثالثة والرابعة كانت متوافرة بأعداد كبيرة.
ولاحظنا تواجد أعداد قليلة جدا من «المكن» وتم توثيق ذلك في الصور.
وقالت: أتقدم بالشكر والتقدير للجهات الحكومية على مجهوداتهم في عملية الرش لمكافحة الجراد بمنطقة الوفرة الزراعية منعا لانتشاره إلى مناطق الأخرى المجاورة. ولكن للأسف مازالت هناك أعداد كثيفة متواجدة تغطي أرض المزارع.
ولدي بعض المخاوف المتعلقة بقدرة الحوريات على استكمال النمو و تتحول الى حشرات بالغة لها القدرة على التزاوج والطيران والانتشار في داخل مناطق الكويت.
وبالرغم من اني لا أحبذ استخدام المبيدات الحشرية وأفضل المكافحة الحيوية «Biobestesides» مثل استخدام فطر «Metarhizium anisopliae» الذي أثبت فاعليته في قتل الجراد ولكنه يستغرق فترة طويلة.
ولكن في حالة الغزو الشديد الإقليمي يعتبر المبيد الحشري هو آخر خيار مثل الفيبرونيل «Fipronil» لأنه يؤثر مباشرة على جهازها العصبي فتنشل وتموت في حينها.