«بيت الكويت» في القاهرة، هو عنوان عريض لقصة نجاح كويتية ذات صلة بظروف المجتمع المصري والمجتمع الكويتي في آن واحد، وذلك في منتصف أربعينيات القرن الماضي. وتعد هذه القصة للكاتب مظفر عبدالله راشد رمزا جليا لعزم الكويتيين على العمل في أقسى الظروف وأقلها في الإمكانات والموارد.
هي قصة نجاح حقيقية لأكثر من سبب، أما الأول فكان لرغبة صادقة من المتنورين في المجتمع الكويتي رفض التخلف والجمود والعمل على المضي في ركب الحضارة العالمية من خلال بوابة الثقافة والتعليم. وثانيا لإدراك هذه الفئة الواعية الرغبة في عدم الاستمرار في منظومات التعليم البدائية (الكتاتيب والمطوع) رغم بعض الإيجابيات التي سجلتها في حينها وفي إطار ظروف المجتمع آنذاك. وثالثا في تلمس قادة الفكر والرأي والحكم لضرورة بناء الدولة ومساعدتها في نيل استقلالها السياسي، ولتكون دولة ذات سيادة في منظمات المجتمع الإقليمي والدولي وقد حصل ذلك فعلا من خلال عضويتي جامعة الدول العربية، والأمم المتحدة بعد نيل الاستقلال عام ١٩٦١ وبناء دولة المؤسسات الذي جاء بعد انجاز مشروع دستور الدولة عام ١٩٦٢.
وتكشف قصة «بيت الكويت» في القاهرة عن نبض المجتمع الكويتي وتوقه للثقافة والعلم والتنمية والتنوير منذ بواكير القرن العشرين، وإيمانهم بأهمية بناء المؤسسات التي تدير هذه الشؤون بشكل مهني جيد. وتشهد هذه القصة الرائعة كم من الرجال والنساء في تاريخ الكويت ممن ساهموا بشكل شجاع وراسخ إعانة هذا المجتمع لأن يكون مركزا للإشعاع الثقافي والفكري في المحيط العربي بل وملاذا لكل مظلوم ومنفي من دياره لأسباب سياسية أو اجتماعية وقد شهد التاريخ بالعديد من تلك الأسماء. كما يتبين من مجريات الأمور التي أرخت لها مجلة (البعثة) الكويتية الصادرة عن «بيت الكويت» في القاهرة كيف أن فكرة روح الفريق الواحد ودعم القيادة السياسية لمسألة الثقافة والتعليم قد ساهما في دفع مكانة البلاد إلى مستويات مرموقة أقنعت العالم بأن هناك دولة صغيرة في شمال الخليج العربي تستحق أن تكون عضوا في منظمة الأمم المتحدة وقد كان لهؤلاء الرجال الذين أدارو مؤسسة «بيت الكويت» دور محوري في بناء الدولة بعد استقلالها من خلال استمرارهم في العطاء حتى فارقوا الحياة، فكانوا خير مثل لمفهوم المواطنة والعمل المتواصل دون كلل. لقد كان «بيت الكويت» في القاهرة بحق منارة ثقافية قبل أن يكون مكانا لرعاية الطلبة المبتعثين، فهو مكان أثرى من أقاموه العلم والفن والثقافة بشكل عام، تربى فيه الطلبة على أحسن ما تكون عليه صور التربية الشاملة. ولقد كان هذا البيت ملاذا للأدباء والمفكرين والشعراء من مصر والبلاد العربية فضلا عن أهل الفكر من الكويتيين وحدث ان افتتحه الرئيس المصري الاسبق جمال عبدالناصر في مناسبة مشهورة مع قادة التنوير الكويتيين. وإنه لمن باب رد الجميل وقول كلمة الحق فقد كان لمركز البحوث والدراسات الكويتية بقيادة د. عبدالله الغنيم الدور الكبير في الحفاظ على أعداد مجلة البعثة التي نعتبرها شاهدا وموثقا لمسيرة المجتمع الكويتي خلال فترة صدورها ١٩٤٦-١٩٥٤ ليس في التعليم فقط بل في مسيرة الحياة العامة لشعب الكويت من خلال ما نشر في المجلة من قضايا وحوارات وأخبار وصور وأحداث.
وتنبئ الأحداث والتطورات التي رافقت رعاية الدولة والمجتمع للشأن التعليمي والتربوي كيف أن رجالات الكويت الأوائل قد انتبهوا إلى مسألة مهمة وهي دمج مسألة التعليم في إطارها الأوسع وهو إطار الثقافة فكان «بيت الكويت» شعلة في الإدارة والاهتمام بشؤون الطلاب المبتعثين والمسرح والمنتديات الحوارية الدورية والموسيقى والفكر والكتاب والصحافة فكان بحق مركزا ثقافيا مبهرا.
اشتملت الدراسة على عدد من المحاور هي:
الكويت.. البشر والموقع، وفيه تحدثنا عن أثر الموقع الجغرافي على السكان وتفاعل أفراد المجتمع الكويتي مع مجريات الأحداث فيه، إضافة إلى وصف طبيعة الحكم السائدة والتي ساهمت في سير المجتمع نحو التقدم.
وثانيا، المناخ الثقافي السائد في بداية القرن العشرين وبداية ظهور مؤشرات الاهتمام بالشأن الثقافي على مستوى أهلي في مجالات التأليف والنسخ والصحافة وبناء المدارس النظامية والنوادي الأدبية في ظل بيئة شبه نظامية من الناحية الإدارية.
وثالثا، المرور بلمحة سريعة على أوائل رواد العلم الكويتيين أواخر القرن التاسع عشر.
ورابعا، التطرق إلى بداية فترة التعليم شبه النظامي وتأثير ذلك على خلق حراك فكري متنور بداية القرن العشرين.
وخامسا، الحديث عن دخول الكويت بداية ثورة التعليم عام ١٩٣٦ وإنشاء مجلس المعارف الذي قاد حركة نشطة بفضل جهود الشيخ عبدالله الجابر الصباح، طيب الله ثراه.
وسادسا، وهو الحدث الأساس في هذا الكتاب، ولادة «بيت الكويت» في القاهرة، وظروف إنشاء وقصة تطوره والشخصيات الأبرز في تأسيسه.
وسابعا، شرح الموقف البريطاني غير المواتي للرغبة الكويتية في إدارة التعليم بأياد وجهود محلية، واستعراض تقارير التعليم البريطانية عن الحالة الكويتية وهما: تقرير فالانس ١٩٣٩ وتقرير إف. جي ويلكن المستشار الثقافي في دائرة المعارف عام ١٩٤٥.
وثامنا، الحديث عن مولود «بيت الكويت» في القاهرة وهي مجلة «البعثة» التي سطرت أعدادها في الفترة من ١٩٤٦ - ١٩٥٤ سجلا صحافيا وإعلاميا رائعا حفظ ذاكرة المجتمع الكويتي في مجالات التعليم والثقافة والأدب والسياسة والاقتصاد والحياة الاجتماعية بشكل عام.
وتاسعا، التطرق للأدوار الرئيسة لأربعة من الشخصيات الفذة التي أدارت «بيت الكويت» ومهدت لنهضة تعليمية وثقافية مشهودة وهم: عبدالعزيز حسين، أحمد مشاري العدواني، حمد عيسى الرجيب، وعبدالله زكريا الأنصاري.
وعاشرا، استعراض شهادات عدد من الأدباء وأصحاب الفكر في دور بيت الكويت في القاهرة في الحراك التعليمي والثقافي، والمكانة التي أخذتها مجلة البعثة في المجتمعين الكويتي والمصري آنذاك وهم: د.عبدالله الغنيم، د. سليمان الشطي، والإعلامية القديرة فاطمة حسين.