مدى حاجة فئة كبار السن الى خدمات العلاج بالعمل.. قد ينظر البعض منا الى التقدم في السن على أنه نوع من أنواع الخلل الذي يمرض أعضاء جسم الإنسان المختلفة، فيسلبه أوجه قواه وحيويته. بناء على ذلك، يتم تلقائيا ربط مفهوم الصحة بخلو الجسم من الأمراض.
ومن زاوية أخرى، يرى آخرون أن قدرتهم على ممارسة الأنشطة اليومية بشكل مستمر وكذلك إمكانية إدارة حياة منتجة كفيلة بتحقيق تمام الصحة.
فبغض النظر عن الحالة المرضية، استطاع هؤلاء ان يكونوا لأنفسهم صورة عملية مستقلة بذاتها تمكنهم من التأقلم مع ظروف الحياة ومعوقاتها.
فهذا التصور يعتبر محورا أساسيا من المحاور المختلفة التي يرتكز عليها اخصائيو «العلاج بالعمل» في عملية تأهيل فئة كبار السن.
يعد العلاج بالعمل او ما يسمى بـ«العلاج المهني»، أحد اهم التخصصات الطبية التي بدأ تدريسها منذ العقد الماضي في جامعة الكويت، وتحديدا، كلية العلوم الطبية المساعدة، حيث انطلقت خدماته الصحية بدءا من مستشفى الطب الطبيعي والتأهيل الصحي منذ أكثر من ثلاثين عاما.
وانتشرت بعد ذلك في مستشفيات حكومية عدة، منها: مستشفى العدان، مبارك الكبير، مركز الكويت للصحة النفسية، ابن سينا، وغيرها.
بشكل عام، يلعب المعالجون المهنيون دورا حاسما في مساعدة الناس من جميع الأعمار، وليس فقط كبار السن، على التغلب على آثار الإعاقة الناجمة من المرض أو الشيخوخة أو الحوادث، حتى يتمكنوا بعد ذلك من القيام بمهام أو وظائف يومية.
وكذلك تشجيعهم على الشعور بالاستقلالية والحزم فيما يتعلق بأداء أنشطتهم الحياتية على الوجه المرضي لهم. هذا، بالإضافة إلى مساعدة الأسر على التعامل مع احتياجات ذويهم وفهمهم بشكل أفضل من خلال التقييم المستمر والحلول العملية التي تهدف الى تخفيف الضغط عن مقدمي الرعاية الذين ليست لديهم تلك المهارات العملية. فبمساعدة أخصائي العلاج المهني، يتسنى للعائلات ومقدمي الرعاية وضع خطة تسمح للجميع بتحقيق أهدافهم الفردية فيما يتعلق بصحة المريض وسلامته وسعادته.
إن خدمات العلاج المهني الموجهة لفئة كبار السن فريدة من نوعها إلى حد ما، وخصوصا في حقيقة أنها تستخدم «نهجا شموليا» عند النظر في احتياجات كبار السن الذين يخضعون للعلاج. فيترقب المعالج ما وراء الأعراض السطحية ويحاول اكتشاف أي مشكلات أساسية التي قد يكون لها تأثير سلبي على حياتهم العملية، كما أنه مؤهل لمساعدة أولئك الذين يعانون من مجموعة من الاضطرابات الإدراكية، إعاقات النمو، مشاكل التحكم في الحركات، فقدان الذاكرة، وكذلك المشكلات السلوكية والعاطفية.
فبغض النظر عن أسباب البحث عن العلاج، لا يستخدم المعالجون المهنيون تقنيات العلاج اليدوي كالتدليك وغيرها. عوضا عن ذلك، فهم يساعدون كبار السن في الحالات التي يكافح فيها المرضى عند أداء الأنشطة الأساسية للحياة اليومية، مثل الاستحمام، ارتداء الملابس، الطهي، والتنظيف.. إلخ. كما يساعدون كبار السن أيضا على تعلم كيفية التكيف مع أي تحديات بيئية تتم مواجهتها بسبب إعاقات مؤقتة أو دائمة خلال تواجدهم في المرافق العامة أو داخل المنزل.
ويحرص المعالج المهني على توفير خدمات عديدة منها:
مواجهة التحديات: ويتمثل في مساعدتهم على مواجهة أي عقبات ممكن مواجهتها بشكل روتيني أثناء محاولة أداء المهام اليومية والتعامل معها، سواء كان المشي أو تنظيف الأسنان بالفرشاة أو غيرها.
تعزيز الصحة البدنية: ويكون بإعادة تصميم نمط حياتهم، فيتمكنون من البقاء نشيطين باتباع نمط حياة أكثر صحة. فبينما يتغلب كبار السن على تحدياتهم من خلال العلاج المهني، فهم يستعيدون الشعور بالاعتماد على الذات والحياة الطبيعية.
توفير قدر أكبر من العافية العاطفية: أصبح العديد من كبار السن أكثر عرضة لحالات الاكتئاب ومرحلة فقدان الأمل عندما تكون قدراتهم الجسدية محدودة أو عندما يواجهون مصاعب في أداء المهام اليومية بنجاح. غالبا ما يكون للمعالج المهني تأثير عاطفي إيجابي على المرضى، حيث يتم تدريبهم على مساعدة المرضى على رؤية الاختلالات الوظيفية المؤقتة والدائمة والتركيز على ما يمكنهم القيام به.
الوقاية من السقوط: لاعتبارها أحد الأسباب الرئيسية للإصابات الكبيرة، فإن الانزلاقات والسقوط هي حوادث يمكن للمعالج المهني المساعدة في تجنبها والوقاية منها.
السلامة المنزلية: حيث يتم تدريب المعالجين المهنيين لمساعدة المرضى وعائلاتهم على استكشاف طرق لإجراء تعديلات بيئية منزلية لأغراض السلامة والأغراض الوظيفية. على سبيل المثال، سيحتاج أحد كبار السن المصاب بشلل أو أحد الأشخاص الذين يستخدمون الكراسي المتحركة إلى تعديلات منزلية خاصة تتيح لهم القيام بأنشطة الحياة اليومية بسهولة أكبر من خلال رفع مستوى الأمان وتجاوز حواجز التنقل من خلال الأرضيات غير القابلة للانزلاق، درابزين دورات المياه، مصاعد كراسي السلالم، وما إلى ذلك، على تحسين نوعية حياة كبار السن واستقلالهم.
التعامل مع فقدان الذاكرة: يمكن لكبار السن في المراحل المبكرة من حالة فقدان الذاكرة الاستفادة من مهارات المعالج المهني التي في الواقع، تبطئ معدل التدهور العقلي وفقدان الذاكرة. أما في المراحل المتقدمة، فيمكنهم توفير التحفيز الحسي ومساعدة كبار السن في التركيز على تبسيط الأنشطة اليومية.
لذلك يستطيع ممارس العلاج المهني أن يعمل يدا بيد مع كبار السن ويساهم في توفير سبل عيش كريمة لهم مهما كانت حالتهم الصحية باستخدام أساليب حياتية متجددة تتسم بالإبداع والمرونة.
منوة محمد العكاري - قسم العلاج بالعمل - جامعة الكويت