ذكرت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو» أن هدر المواد الغذائية يتسبب بنحو 8% من مجمل انبعاثات غازات الانحباس الحراري، ومن هنا تنبع أهمية إيجاد سبل ابتكارية لإعادة استخدام المخلفات الغذائية.
ويقود البروفيسور جوردون ماكاي ود.طارق الأنصاري ود.هاميش ماكي، العاملون في قسم التنمية المستدامة بكلية العلوم والهندسة، المرحلة الأولى من مشروع «الفحم النباتي الرطب»، الذي تموله اللجنة العليا للمشاريع والإرث، للتصدي للتحدي المذكور آنفا. وقد فاز المشروع بالمركز الأول بفئة الاستدامة في مسابقة «تحدي 22» للجنة، التي تشجع الابتكارات القادرة على إيجاد حلول مستدامة في مجالات البنية التحتية وإنشاء إرث مستدام لبطولة كأس العالم 2022 التي ستجري في قطر.
ويشرح د.ماكي الفكرة الكامنة خلف هذا المشروع، قائلا: «يعد هدر الغذاء معضلة كبيرة في قطر والعالم، ويؤثر سلبا على البيئة. ونحن نسعى إلى إعادة تدوير المخلفات الغذائية وتحويلها إلى منتج يمكننا استخدامه لتعزيز الإنتاج الزراعي. باختصار، ما نقوم به هو إنشاء دورة غذائية نستخدم خلالها المخلفات الغذائية».
وبالرغم من أن تحويل المخلفات الغذائية إلى سماد هو وسيلة معتمدة حاليا، إلا أنها ليست دون مشاكل.
وفي هذا الصدد، يقول د.ماكي: «يتسبب استخدام المخلفات الغذائية كسماد في بعض المشكلات، على غرار الحاجة لإضافة مواد أخرى. ويبقى الخيار الآخر المتمثل في تحويل المخلفات إلى فحم نباتي مشابه للفحم العادي، وهو منتج غني جدا بالكربون، ويمكن وضعه على التربة في قطر التي تفتقر إلى الكربون».
يعد الفحم النباتي مادة عضوية لا تتطلب إضافة مركبات كيماوية خلال عملية إنتاجها. ويتم تطوير المنتج الغني بالمعادن من خلال تجفيف المخلفات الغذائية عبر عملية «الانحلال الحراري». ويسمح هذا الإجراء بوضع السماد الناتج على التربة، مما يولد منافع عديدة على غرار تحفيز الحياة الميكروبية، وزيادة كمية النيتروجين، وبالتالي تقليص استخدام الأسمدة في الأراضي الزراعية، كون البكتيريا تستخلص النيتروجين مباشرة من الجو.
وأضاف د.ماكي قائلا: «لعل أحد الأسباب التي ساهمت في فوزنا بالجائزة ومنحة اللجنة العليا للمشاريع والإرث التمويلية هو حسن استخدام التربة للمياه عند استعمال الفحم النباتي. وفي حال كانت التربة الزراعية رملية خشنة، فإن الخصائص المميزة للفحم النباتي تسمح لها بالاحتفاظ بالمياه بشكل أفضل وامتصاصها كذلك».
وأردف بالقول: «تمثلت جاذبية هذا المشروع بالنسبة للجنة العليا للمشاريع والإرث في كيفية تقليص استخدام المياه أثناء عملية الري، خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار عدد الستادات التي سيتم استخدامها خلال كأس العالم 2022. وقد أجرينا بالفعل بعض الاختبارات العملية، لكنها لاتزال في مراحلها الأولى».
ويكمل فريق كلية العلوم والهندسة متعدد التخصصات حاليا العام الأول من التمويل، وهو يعمل على إنجاز نموذج أولي بدأ اختباره بالفعل. ويتم تطوير التطبيق على مراحل، تركز الأولى منها على تكوين فهم أفضل لإجراءات التجفيف، كونها تستهلك الكثير من الطاقة. وتدرس المرحلة الثانية أنواع المخلفات، وشروط الانحلال الحراري التي تتمايز باختلافها، والحرارة، والنسبة التي نرفع خلالها الحرارة وتدفق النيتروجين في الفرن كذلك».
ويلاحظ د.ماكي بأن مشروع «الفحم النباتي الرطب» قد بدأ بتحقيق خطوات مهمة على صعيد تقليص المخلفات الغذائية الكبيرة في قطر ودعم الدولة في سعيها نحو تحقيق أهداف الاستدامة طويلة الأمد.
وتتمحور المرحلة الثانية من المشروع، التي يمولها الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي، حول دراسة المخلفات من منظور أوسع، يتجاوز المخلفات الغذائية ليشمل كافة أنواع النفايات العضوية.
ويقول د.ماكي: «تسعى قطر نحو تحقيق مزيد من الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء، وقد خطت منذ بدء الحصار قبل عامين خطوات مهمة على هذا الصعيد. لكن إنتاج الغذاء يحتم توفر المياه، ويتطلب ذلك في قطر استهلاك كم كبير من الطاقة. وهذا كان أحد الأهداف المهمة للمشروع منذ البداية».
واختتم قائلا: «تكمن المنافع المرجوة للاستدامة في تقليص الأثر البيئي الشامل لعملية إنتاج الغذاء وتكوين المشاهد الطبيعية، بما يسمح لنا بتطوير بيئة عمرانية خضراء. ونحن ننتظر منافع أخرى على غرار توليد مصدر دخل جديد يساهم في دعم جهود تنويع اقتصاد الدولة».