بقلم د.محمد النجدي
من الشهور التي يستحب صيامها اقتداء برسولنا صلى الله عليه وسلم شهر شعبان، فقد كان يصومه كله أو أكثره، فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت «وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان»، وفي رواية عنها قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا أكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله، وكان يقول: «خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا» وهذا معناه أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم أكثر شعبان لا كله.
قال ابن المبارك: جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول: صام الشهر كله، ويقال: قام فلان ليلته أجمع، ولعله قد تعشى واشتغل ببعض أمره، نقله الترمذي ثم قال: كأن ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك، وحاصله أن الرواية الأولى مفسرة للثانية مخصصة لها، وأن المراد بالكل الأكثر وهو مجاز قليل الاستعمال، وصوبه الحافظ ابن حجر ثم قال: ويؤيده رواية عبدالله بن شقيق عن عائشة عند مسلم وسعد بن هشام عند النسائي ولفظه: «ولا صام شهرا كاملا قط منذ قدم المدينة غير رمضان»، وحديث ابن عباس هو قوله رضي الله عنه: «ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهر كاملا قط غير رمضان، ويصوم حتى يقول القائل: لا والله لا يفطر، ويفطر حتى يقول القائل: لا والله لا يصوم». وأصح ما قيل في الحكمة من إكثاره الصيام في شعبان ما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة: عن أسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: «ذلك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم». ومال إلى هذا الحافظ في الفتح، وفيه إشارة إلى غفلة بعض الناس عن الأعمال الصالحة، والمواسم الربانية، فتفوت عليهم الأجور والحسنات. وفيه أيضا دليل على استحباب عمارة أوقات الغفلة واللهو بذكر الله تعالى والطاعات، كالصلاة في جوف الليل، التي قال فيها صلى الله عليه وسلم: «إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن». وكمن يذكر الله تعالى في السوق وغيره من أماكن الغفلة واللهو. ولا تعارض بين مواصلة صيام شعبان وبين ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو بيومين، فإنه يحمل على من لم يعتد الصيام، أما من اعتاد صيام شعبان فلا يشمله النهي المذكور. وكذا ما جاء من النهي عن صوم نصف شعبان الثاني، وهو قوله: «إذا انتصف شعبان فلا تصوموا» رواه الترمذي، فإنه يحمل على من لم يصم شيئا من أوله، ولم تكن له عادة الصوم، وقيل: إن النهي للتقوّي على صيام رمضان لئلا يضعف عن صيام رمضان.
ليلة النصف من شعبان
ولا يجوز أن يخص ليلة النصف من شعبان بالصيام، لعدم ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ورد في فضلها حديث صححه ابن حبان والألباني وغيرهما، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليطلع ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن» رواه ابن ماجة من حديث أبي موسى رضي الله عنه، ورواه أحمد وابن حبان من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما. وأكثر العلماء على أنه لا يستحب تخصيصها بقيام، وذهب جماعة من أهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عامر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها بالعبادة. لكن ينبغي للمسلم أن يتوب من المشاحنة والحقد والهجر والقطيعة لإخوانه المسلمين، ويكون سليم الصدر لهم، وينأى بنفسه عن الإضرار بعباد الله، كي يدخل في موعود الحديث النبوي الشريف، وبهذه الخصلة بلغ من بلغ، لا بكثرة الصلاة والصيام والصدقة. وقد فسر الإمام الأوزاعي هذه الشحناء: بالشحناء لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ولا ريب أن هذه الشحناء هي من أعظم الشحناء للمسلمين جرما، لأن الله تعالى يقول فيمن جاء بعدهم من الصالحين أنه يقول: (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.