في بدر، حين برز عتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وابنه الوليد، يتحدون أبطال الإسلام للمبارزة، كان أول من نفر إليهم عوف بن الحارث، وأخوه معوذ، وعبدالله بن رواحة، وكلهم من الأنصار. فلما نادى عتبة بن ربيعة: يا محمد ما هؤلاء بأكفائنا، فأخرج لنا أكفاءنا من قومنا، فأومأ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه للأنصار أن يتراجعوا، فتراجعوا، لينفر بدلا عنهم ثلاثة من صناديد الإسلام من المهاجرين. ولكأن هذه العنجهية التي أبدتها زعامة قريش الكافرة، قد فجرت في قلب معوذ بن الحارث بركانا من الغضب لله ولرسوله، ولدينه فأقسم في نفسه، أن يفجع اليوم قريشا بسيدها وزعيمها «أبي جهل» لعنه الله، فإن مات دون ذلك، فهي الشهادة يدق بها أبواب الجنة. ومضى معوذ، وكان شابا في مقتبل العمر، يتحسس مكان أبي جهل، ولم يكن يعرفه إذا رآه، فسأل أحد إخوانه من المهاجرين، وهو معاذ بن عمرو بن الجموح ان يدله على أبي جهل، فيسأله معاذ، وقد أشفق على عوده الغض:
وما الذي تريده من أبي جهل يا أخا الإسلام..؟ فيجيبه معوذ بصلابة وعزم: إنه كان يؤذي رسول الله في مكة كثيرا، وإني لأرجو الله أن أنتقم منه لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه. وأدرك معاذ بن عمرو بن الجموح، أن معوذ بن الحارث جاد فيما يقول، فأجال بصره في ميدان القتال، فبصر بأبي جهل يتهادى بين الجموع بكبرياء وصلف، فأشار إليه وقال:
ذاك هو أبوجهل يا أخا الإسلام، فلننطلق إليه معا، لعل الله يظفرنا به. ويندفعان إليه، فيضربه معاذ بن عمرو بن الجموح ضربة بالسيف، فيقطع ساقه، فيعاجله عكرمة بن أبي جهل، وكان لايزال على الكفر، بضربة سيف تقطع يده. ويثور الدم في عروق معوذ، وهو يرى الدم ينفر من يد معاذ بن عمرو، فيندفع نحو أبي جهل، فيضربه بسيفه ضربة تقعده عن الحراك، ويكاد يجهز عليه إلى نار جهنم، لولا أن تكاثرت عليه سيوف صناديد قريش، وقد هالها ما حل بسيدها، فتثخن بمعوذ الجراح، حتى يتهاوى شهيدا في سبيل الله، بعد أن انتقم لرسوله القائد من أبي جهل لعنه الله.