ما اصعب ان يكون اشد الناس عداء للانسان هم اقرب الناس اليه، فكل عداوة وبغض دونهم تهون، وعلى الرغم من ان الشرع نهى عن موالاة هؤلاء الاقرباء، الا انه حملنا على برهم وعدم هضمهم اي حقوق ومصاحبتهم بالمعروف.
ولقد تعرض العديد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اقسى انواع التعذيب على يد اهلهم، وما حملهم ذلك على العقوق او رفع السلاح عليهم، الا اذا كانوا هم البادئين، وكان الصحابي في موقف دفاع عن النفس كما فعل ابو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وهو ابن شيخ قريش عتبة بن ربيعة واخته هند بنت عتبة زوجة ابي سفيان، وكان ابو حذيفة من السابقين الى الاسلام وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع الغزوات، وفي غزوة بدر كان ابو حذيفة يقاتل في صفوف المسلمين بينما ابوه عتبة واخوه الوليد وعمه شيبة يقفون في صفوف المشركين، فطلب ابو حذيفة مبارزة ابيه، الا ان اخته هند انشدت شعرا ذكرت فيه تربية الاب لابنه وحثته على شكره وليس مبارزته، فعدل ابو حذيفة عن المبارزة، وانتهت المعركة، وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسحب القتلى المشركين لتطرح جثثهم في الجافة، ولما رأى ابو حذيفة اباه يرمى في البئر تغير لونه واصابه الحزن، وعرف النبي ذلك في وجهه فقال له: كأنك كاره لما رأيت، فقال: يا رسول الله ان ابي كان رجلا سيدا فرجوت ان يهديه ربه الى الاسلام، فلما وقع ما وقع احزنني ذلك، فدعا له رسول الله.
وظل ابو حذيفة يجاهد في سبيل الله ويتمنى الشهادة حتى بعد ان توفي رسول الله، وفي عهد الخليفة ابو بكر الصديق كان ابو حذيفة في اول صفوف الجيش المتجهة الى اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب، وتحقق لابي حذيفة ما كان يتمناه، فوقع شهيدا ورأى الصحابة على وجهه ابتسامة فعرفوا انه قد رأى منزلته عند ربه، وكان وقتها ابن ثلاثة وخمسين عاما.