من إعداد: ليلى الشافعي
كانت في مقتبل شبابها، لكنها ذات صلاح وايمان، فقد حرصت على ان تصلي بين القبر والمنبر، ومن فوقها المحفة المانعة لرؤية الناس لصلاتها والعامة يتزاحمون على مشهدها والحراس يدفعونهم عن ساحتها، ثم مشت الى الجهة الغربية من الروضة المكرمة، فقعدت في مكان قيل عنه انه كان مهبط جبريل عليه السلام، وارخى الستر عليها، وقد علمت ان صدر الدين الاصبهاني رئيس الشافعية سيلقي درسا دينيا وعظة خلقية فانتظرت حتى سمعت الدرس، ويقول ابن جبير عن تأثير هذا الواعظ انه اطار النفوس خشية ورقة، وتهافت عليه الاعاجم يعلنون التوبة، وقد طاشت ألبابهم وذهلت عقولهم الى حديث ممتد يدور هذا المدار ثم التقت بصاحبتيها وهما تكبرانها سنا ولهما جلالة وهيبة فتنافسن كلهن في اسداء ما بأيديهن من المال على كثرته وفرح بهن ذوو الحاجات فرحا لا يحد اذ اعطين ما فاق حد الآمال، ولعل الاميرة الشابة كانت اكثرهن هبات اذ اختصها الرحالة بوصف جيد.
ولم تقتصر سعادة الحجاج بهن على مكان الحرم الشريف، بل تعدى ذلك الى طريق الرحلة الممتدة من الحجاز الى الموصل فأصبهان، حيث لاذ بهن الحجاج خائفين من هجوم قطاع الطريق، وما كان اكثرهم في هذا العهد، حيث تمكن الشيطان من نفوسهم فسول لهم ارهاب من سعوا لبيت الله طائعين، فكان موكب الاميرات بكثرة جنوده وهيبة حراسه ويقظة امنائه ستارا واقعيا وحمى آمنا، وكان ابن جبير بين من ساروا في ركب الاميرات، وقد وصف استقبال الموصليين الاميرة ام عز الدين وصفا باهرا، حيث جللت اعناق الابل ورقاب الخيل بالحرير الملون والقلائد الثمينة، وجعلت قبة الاميرة مغشاة بسبائك الذهب، وكان مشهدا ادهش الابصار، واحدث الاعتبار.