اعتمد على ربك
(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) اعرف أمر الله واعرف سنة نبيك صلى الله عليه وسلم ثم بين الحق وبذلك تكون أديت مهمتك في الحياة ثم توكل على الله.
والتوكل لا تنعقد عليه الا قلوب القلة.
فكيف نتوكل على الله، الله لفظ الجلالة الاسم الجامع لكل صفاته عز وجل وتندرج كل الصفات تحت اسمه فاعتمد على ربك في جلب المصالح ودفع المضار وفي تبليغ الرسالة وجهاد الأعداء، فالتوكل على الله يحرك الكون كله لأجلك أيها المؤمن ولكن الخلل في قوة التوكل، كلما زاد الإنسان توكلا زادت كفاية الله لك.
فإذا قمت بما حملت وتوكلت على الله في ذلك فلا يضرك ضلال من ضل وليس عليك هداهم فلهذا قال: (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) في حين تدعوهم وتناديهم وخصوصا (إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) فيكون ذلك أبلغ في عدم سماعهم، هؤلاء اختاروا الضلال واختاروا الإدبار عنك فهم كالميت لا ينتفعون بسمع ولا قلب (وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ) يسلي الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم: أي هؤلاء الذين ينقادون لك هم الذين يؤمنون بآيات الله وينقادون لها بأعمالهم إذا جاءهم أمر قالوا سمعنا وأطعنا (فَهُمْ مُسْلِمُونَ) للدلالة على تمام إسلامهم وتمام انقيادهم.
دابة الأرض
(وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ) هؤلاء الكافرون سيخرج لهم الله تعالى دابة من الأرض، نكرها الله من ضعف شأنها في الوقت الذي فرضه الله يخرج دابة من دواب الارض وهذه الدابة تكلم العباد، وإظهار هذه الدابة من آيات الله العجيبة ليبين للناس ما كانوا فيه يمترون، وهي دابة تخرج في آخر الزمان وتكون من اشراط الساعة لتكون حجة وبرهانا للمؤمنين وحجة على المعاندين و(وَقَعَ الْقَوْلُ) هنا حق عليهم العذاب بسبب ظلمهم، فبعد ان جمع الله المكذبين وحشر كل أمة من الأمم فوجا وطائفة أولهم على آخرهم وآخرهم على أولهم ليعمهم السؤال والتوبيخ واللوم (حَتَّى إِذَا جَاءُوا) قال لهم موبخا ومقرعا: أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها العلم الواجب، عليكم التوقف حتى يظهر لكم الحق وألا تتكلموا إلا بعلم، فكيف كذبتم بأمر لم تحيطوا به علما؟ وكذبتم بالحق وعملتم لغير الله ولغير سنة الله.
آيات عظيمة
(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) نعمة عظيمة تسخير الله لهم الليل والنهار، هذا بظلمته ليسكنوا فيه وهذا بضيائه لينتشروا فيه في معاشهم، نعمة كبرى بكمال وحدانية الله ونعمه.
مشاهد عظيمة
(وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) يخوف الله عباده مما أمامهم من يوم القيامة وما فيه من المحن والكروب فمن أكرمه الله وثبته وحفظه من الفزع وكل من الخلق عند النفخ في الصور (أَتَوْهُ دَاخِرِينَ) صاغرين ذليلين (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) تدك وتنسف وتكون هباء منثورا، يخبرنا الله تعالى ان هذه الجبال لها حركة خفية كحركة السحاب ومن العلماء من استدل على الاعجاز العلمي في دوران الارض (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) فيجازيكم بأعمالكم.
(مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) ثم بين عزّ وجلّ كيفية جزائه فإذا جئت بالإيمان والعمل الصالح فهم (مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) وفي المقابل (وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) يشمل كل سيئة يلقون في النار على وجوههم ويقال لهم (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
نعمة الإسلام
ثم قال الله تعالى على لسان نبيه (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) أي قل لهم يا محمد: إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة أي مكة المكرمة التي حرمها وأنعم على أهلها، فيجب أن يقابلوا ذلك بالشكر، وأمرت أيضا (وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ) لتهتدوا به وتقتدوا وتعلموا ألفاظه ومعانيه ليعود نفعه وثمرته عليكم.
(وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
(وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ) الذي له الحمد في الأولى والآخرة ومن جميع الخلق فإذا الذي وقع والذي ينبغي أن يقع منهم من الحمد والثناء على ربهم أعظم مما يقع من غيرهم لرفعة درجاتهم وكمال قربهم منه وكثرة خيراته عليهم (سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا) معرفة تدلكم على الحق والباطل، يريكم من الآيات ما تستنيرون به في الظلمات.
وقد ختمت السورة بذكر كتاب الله ما يتناسب مع بدايتها في قوله تعالى (طس) ختم بالثناء ملقنا النبي صلى الله عليه وسلم الثناء على ربه (وَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ) لأنه مستحق للحمد أولا وآخرا وظاهرا وباطنا له الحمد في الأولى والآخرة وهو الحكيم الخبير.