نحن بين يدي سورة القصص والتي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت هجرته مطاردا محزونا، فأنزل الله سورة القصص وعدا وبشرى للرسول صلى الله عليه وسلم بما يثبت فؤاده ويعينه على الصبر والتحمل.
وتؤكد السورة أن وعد الله حق، والثقة في وعد الله (ولتعلم أن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون) وعدُ الله تعالى لأم موسى وعدان، الأول عندما أوحى إليها بإلقاء وليدها في اليم إنقاذا له من فرعون، والوعد الثاني رده إليها (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين).
ونجد تشابها بين النبي صلى الله عليه وسلم وحال موسى عليه السلام فكلاهما عانى من الظلم والخوف والحزن وهجر وطنه وقومه.
حقوق المواطنة
يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يجب أن تبذل جهدك في حب وطنك وتثق في وعد الله عز وجل مهما كانت الظروف قاسية، وأن تكون للمسلم بصمة مؤثرة وأن الله عز وجل يحقق وعده للمؤمنين، فلابد لنا من الثقة بوعد الله، لكن علينا أن نكون مؤمنين حقا ليتحقق لنا وعده جلّ وعلا.
وعد الله لنبيه
وختم الله عز وجل وعده لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد)، فحملت الآية البشارة الى النبي صلى الله عليه وسلم برده ردا عزيزا ونصره نصرا مؤزرا.
وقال بعض العلماء الميعاد هو البعث وهو بشارة بالجنة والقاعدة في التفسير إن أمكن الجمع في المعاني فإن اللفظ يحمل على الجميع، بشارة بالرجوع الى مكة ووعد من الله عز وجل، فكانت الآية من مهام الرسول صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده في حفظ القرآن الكريم الذي أوجب عليك تلاوته وتبليغه والعمل به وكلنا مكلف بهذا الغرض ألا نعمل إلا من خلال كتاب الله تعالى، يا لها من بشارة عظيمة في وقت ضيق بتأكيد الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم انه سيعود لمكة منصورا معززا مكرما كما كان دائما.
كيفية الجدال
ثم أخبره الله عز وجل بأن يخاطب هؤلاء الكافرين (قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين) يلقن الله عز وجل نبيه الكريم كيف يكون الجدال وقد بينت لهم الهدى، فإن اتبعوك فذلك من سعادتهم، وإن أبوا إلا عصيانك بما جئت به من الهدي فلم يبق للمجادلة محل والله لديه الميعاد هو الذي سيحكم بين أهل الحق وأهل الباطل.
بشارة
ومازالـت البشارات تتوالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيؤكد له الله عز وجل كما أنزل الكتاب على نبيه ولم يكن أعطاه الله هذه الكرامة إلا رحمة به ورحمة بالناس أجمعين، فأرسلك بهذا الكتاب وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون وإن كانوا من قبل لفي ظلال مبين، فإذا علمت أنه أنزل إليك رحمة منه، علمت أن جميع ما أمر به ونهى عنه رحمة وفضل من الله، فلا يكن في صدرك حرج من شيء منه، وتظن أنه مخالفة أصلح وأنفع (فلا تكونن ظهيرا للكافرين) أي معينا لهم على ما هو من شعب كفرهم والنهي عن وقوع الأمر له نهي لأمته، (ولا يصدنك عن آيات الله بعد أن أنزلت إليك) بل بلغ آيات الله ولا تبال بمكرهم وخداعهم ولا تتبع أهواءهم وافتراءاتهم ولا يصرفونك عن الدعوة بل امض في طريقك.
الدعوة إلى الله
(وادع الى ربك ولا تكونن من المشركين) الدعوة الى الله أمر للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته.
يبين الله عز وجل فضل من يدعون الى الله بالعمل الصالح، فاجعل الدعوة الى ربك منتهى قصدك وغاية عملك وكل من يخالف ذلك فارفضه من رياء أو سمعة أو موافقة أغراض أهل الباطل. (ولا تكونن من المشركين) لا في شركهم ولا في معاصيهم. والنهي عن الأمر لا يلزم اتيانه.
والمؤمن قوة إيجابية أينما كان يدعو الى الله تعالى ويوحده (ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله الا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) أخلص العبادة لله فلا أحد يستحق أن يعبد أو يحب إلا الله الكامل الباقي الذي (كل شيء هالك إلا وجهه) وإن كان كل شيء سواه هالكا فعبادة الهالك باطلة ببطلان غايتها وفساد نهايتها (له الحكم) في الدنيا والآخرة (وإليه) لا إلى غيره ترجعون.
قال المفسرون: كل شيء فان إلا ما كان خالصا لوجه الله، فإذا كان ما سوى الله باطلا هالكا والله هو الباقي الذي لا إله إلا هو وله الحكم في الدنيا والآخرة وإليه يرجع الخلائق كلهم ليجازيهم بأعمالهم، تعين على من له عقل أن يعبد الله وحده لا شريك له ويحذر من سخطه وعقابه.
ألقيت المحاضرة في مسجد «فاطمة الجسار» بمنطقة الشهداء